فتحي أبو النصر
في لحظة مفصلية من تاريخ اليمن،و بينما تتعاظم وتتقاطع الأزمات السياسية والإدارية والاقتصادية، جاء قرار رئيس مجلس الوزراء، الأستاذ سالم بن بريك، بتكليف القاضي الدكتور علي عطبوش مديرا لمكتب رئاسة الوزراء، كرسالة واضحة المعالم ومليئة بالدلالات: زمن المجاملة الإدارية قد ولى، وحان وقت الانتصار للكفاءة والنزاهة.
عرفت الكثير يشيدون به فيما يمثل هذا التعيين قطيعة واعية مع إرث ثقيل خلفه سلفه المتهم بالفساد، والذي ارتبط اسمه لدى الرأي العام بغياب الشفافية وتداخل النفوذ الشخصي مع متطلبات الوظيفة العامة.
بمعنى أدق لم يكن ذلك المنصب -الحيوي والاستراتيجي- في نظر الكثيرين سوى بوابة للعبث والتلاعب، حتى أتى القرار الذي قلب المعادلة.
وعندما يتصدر قاض مشهود له بالنزاهة والخبرة المشهد التنفيذي في قلب الحكومة، فإن لذلك معنى يتجاوز شخص القاضي عطبوش نفسه.
أعني إنه يمثل إعادة اعتبار للمنطق المؤسسي، وعودة للقانون كأداة تنظيم لا مجرد نص على ورق.
فالرجل الذي تنقل بين مفاصل السلطة القضائية طيلة ما يزيد عن ربع قرن، بدءا من نيابات المحافظات مرورا برئاسة نيابة عدن، وصولا إلى موقع المحامي العام الأول للجمهورية منذ 2017، يدخل اليوم بوابة السلطة التنفيذية محملا بتجربة صقلتها المحاكمات، وورثته حسا عميقا بالعدالة والمسؤولية.
وبالطبع يمتلك الدكتور علي عطبوش عوض سجلا مهنيا يتحدث عنه قبل أي إشادة أو خطاب رسمي.
فهو ابن القضاء، تربى في محرابه، ودرس القانون في جامعته، وخاض غمار قضايا القتل، والمخدرات، والسرقات، والفساد، والأراضي، وكان شاهدا على التحولات السياسية الكبرى من موقع المحقق والقاضي، لا من خلف المكاتب الفارهة.
تذكيرا شارك في مؤتمرات العدالة الانتقالية، وحوارات وطنية كبرى، وكان عضوا فاعلا في لجان معالجة قضايا الأراضي والموظفين الجنوبيين. فيما لم يكن في الظل يوما، لكنه لم يسعى للضوء أيضا، بل جعله عمله يفرض حضوره.
والشاهد إن هذا التعيين يكتسب ثقله من التوقيت كما من الخلفية. ففي ظل مرحلة حرجة تعيشها الدولة اليمنية، يبحث الجميع عن رموز تصالح بين الدولة والمواطن، بين الحلم والواقع.
ولا شك أن الدفع بشخصية مثل الدكتور عطبوش في موقع محوري كمكتب رئيس الوزراء، هو بمثابة ترميم لما تهدم من ثقة، وتجديد للعهد مع الشفافية والمساءلة.
ولقد عبرت الأوساط الإدارية والقانونية عن ترحيب واسع بهذا القرار، لا لكونه مفاجئا، بل لأنه طال انتظاره. فاليمنيون اليوم، في ظل أعباء الحرب والانقسام وتآكل الثقة بالمؤسسات، يتوقون لرؤية الكفاءة تنتصر، وللمسؤولية تتحرر من وصاية المصالح الضيقة.
لكن مهمة عطبوش لن تكون سهلة.
فالموقع الذي يشغله الآن هو قلب غرفة العمليات الحكومية، إذ تتقاطع الملفات الأكثر تعقيدا: من الإصلاح المؤسسي، إلى مكافحة الفساد، إلى التنسيق بين السلطات، والتواصل مع الداخل والخارج. وسيرث تحديات متراكمة، بعضها إداري، وبعضها سياسي، وجميعها تمتحن صلابته ورؤيته.
ومع ذلك، فإن أولى مؤشرات المرحلة تبدو مطمئنة.
فالرجل ليس غريبا عن صناعة القرار، كما عرفناه ، بل هو ممن راقبوه من زاوية القانون، وواجهوا آثاره في ساحات القضاء، وقدموا فيه أوراقا وازنة في المؤتمرات وورش العمل الدولية.
لكن يبقى أن نقول إن تعيين الدكتور عطبوش هو اختبار للحكومة كما هو فرصة له.
فإن أحسنت دعمه، وأطلقت يده في الإصلاح، ووقفت إلى جانبه حين يشتد العارض، فقد نكون إزاء تحول إداري نوعي يعيد الاعتبار لدور مكتب رئيس الوزراء كمحرك فاعل للسياسات لا مجرد محطة عبور للمعاملات.
وهكذا، قد لا يكون القرار نهاية لعصر الفساد، لكنه بالتأكيد بداية لعصر الكفاءة.
وبين زمن كان المنصب فيه جائزة للولاء، وزمن أصبح فيه منصة للإنجاز، يكمن الفرق كل الفرق بين دولة مأزومة ودولة تستعيد وعيها.!
القاضي علي عطبوش عوض محمد هو أحد الشخصيات القضائية البارزة في اليمن، وُلد في 10 سبتمبر 1968 في مديرية خنفر بمحافظة أبين.
شغل منصب أمين عام مجلس القضاء الأعلى في اليمن، بعد تعيينه في أغسطس 2022 .
المؤهلات العلمية
بكالوريوس في الحقوق – جامعة عدن، 1992م.
ماجستير في القانون الجنائي – جامعة عدن، 2008م، بتقدير ممتاز، الأول على دفعته، بعنوان “المركز القانوني للنيابة العامة في النظام القضائي اليمني” .
دكتوراه في القانون الجنائي – جامعة القاهرة، 2018م، مع مرتبة الشرف، بعنوان “المسؤولية الجنائية لشاغلي وظائف السلطة التنفيذية العليا في التشريع اليمني” .
الخبرات العملية
المحامي العام الأول للجمهورية – منذ عام 2017م حتى تعيينه أمينا عاما لمجلس القضاء الأعلى في 2022م.
مدير تنفيذي لصندوق تعويضات الأراضي والموظفين الجنوبيين – عام 2014م، وذلك لمعالجة قضايا الأراضي والموظفين المبعدين في المحافظات الجنوبية منذ عام 1994م .
رئيس منتدى قضائي منتخب في محافظة عدن – عام 2012م، وكان أول رئيس لهذا المنتدى.
وكيل نيابة البحث في عدن – منذ عام 1998م.
المساهمات المهنية
شارك في لجنة معالجة قضايا الأراضي في اليمن عام 2013م.
ساهم في تطوير النظام القضائي من خلال إشرافه على امتحانات المعهد العالي للقضاء في عدن، مؤكدا على أهمية تأهيل الكوادر القضائية .
والخلاصة يُعتبر القاضي علي عطبوش من الشخصيات القضائية المؤثرة في اليمن، إذ جمع بين الخبرة العملية والتأهيل الأكاديمي العالي، مما جعله ركيزة أساسية في تطوير النظام القضائي في البلاد.