الاقتصاد الطفيلي و البنوك الخاصة في اليمن

محمد احمد الطالبي
في الوقت الذي تشهد فيه اليمن حربًا طاحنة منذ أكثر من تسع سنوات بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثيين، وما رافقها من انهيار اقتصادي واجتماعي وأمني عميق، يلفت النظر التوسع الملحوظ للقطاع المصرفي الخاص. فالبنوك والمصارف التجارية تستمر في فتح فروع جديدة، وتطلق خدمات حديثة موجهة للنخب، بينما غالبية الشعب تغرق في الفقر والمجاعة، في مشهد يعكس مفارقة صارخة في قلب بلد ينهشه النزاع المسلح والتفكك المؤسساتي.

الدولة المنهارة والاقتصاد الممزق بالحرب
الحرب في اليمن دمّرت بنية الدولة، فأضعفت مواردها وقدرتها على الإنفاق العام، وشرذمت المؤسسات بين مناطق خاضعة للحكومة الشرعية في عدن ومأرب، وأخرى خاضعة للحوثيين في صنعاء. هذا الانقسام ولّد اقتصادًا مزدوجًا، وسياسات نقدية ومالية متضاربة، فتراجعت قيمة الريال اليمني بشدة، وارتفعت الأسعار، وتدهورت الخدمات الأساسية إلى مستويات كارثية.

في ظل هذا الانهيار:
تقلص دور الدولة في دعم الزراعة والصناعة والخدمات.
وأصبح الاقتصاد معتمدًا على التحويلات الخارجية والمساعدات الإنسانية، لا على إنتاج محلي مستدام.

بنوك خاصة وسط الركام.. لمن تخدم؟
المفارقة الأشد إيلامًا أن البنوك والمصارف التجارية الخاصة — سواء في مناطق الشرعية أو مناطق الحوثيين — لم تتوقف عن التوسع، لكنها في الحقيقة تخدم:
الأثرياء وكبار المستوردين والمضاربين بالعملة.
أو حتى شبكات مالية مرتبطة بمراكز نفوذ في طرفي الصراع، تستفيد من المضاربة بسعر الدولار والريال.
بينما المواطن العادي:
فقد قيمة دخله، وصار عاجزًا عن شراء الغذاء أو الدواء،
ويعيش الملايين على المساعدات الإنسانية التي بالكاد تكفي.

حرب تدرّ أرباحًا على المصارف
هذه الحرب لم تدمر فقط الطرق والمدارس والمستشفيات، بل دمرت «الثقة» في الدولة والعملة. وهو ما استفادت منه بعض المصارف والتجار:
عبر رفع رسوم الحوالات والتحويلات الداخلية والخارجية،
والمضاربة بأسعار العملات في سوق صرف منفلت،
وفرض عمولات مرتفعة على الودائع والقروض، التي غالبًا لا يحصل عليها إلا الميسورون.

وهكذا، أصبحت الحرب نفسها بيئة مثالية لازدهار اقتصاد طفيلي يعيش على معاناة الشعب، ويكدس الأرباح في جيوب القلة المتنفذة.

أخطر من مجرد أزمة اقتصادية
هذا الوضع يفاقم الانقسامات الاجتماعية والمناطقية في اليمن. إذ:
تنحسر الطبقة الوسطى، وتتسع طبقة الفقراء والمعدمين.
بينما تظهر نخبة مالية صغيرة تستفيد من الحرب والفساد والانقسام النقدي.

الأسوأ أن الأموال لا يعاد توجيهها لبناء مصانع أو مزارع أو مدارس، بل تذهب إلى شراء العقارات الفارهة أو تهرّب للخارج، أو تبقى مجمدة في حسابات الدولار.

خلاصة: اليمن بحاجة إلى سلام يعيد بناء الاقتصاد العادل
إن توسع البنوك الخاصة في اليمن في ظل الحرب لا ينبغي النظر إليه كمؤشر إيجابي. بل هو في الحقيقة دليل على اقتصاد طفيلي ريعي، ينمو وسط أنقاض الدولة وانهيار المجتمع.

فلا سبيل للخروج من هذا النفق إلا عبر:
إحلال سلام عادل يعيد توحيد المؤسسات الاقتصادية والمالية، ثم تبني سياسات تنموية حقيقية تستثمر في الزراعة والصناعة والتعليم والصحة،
وتعيد ضبط عمل البنوك لتكون داعمًا للإنتاج المحلي، لا مجرد وسيط لمصالح المتنفذين.

Exit mobile version