يا حي يا قيوم برحمتك استغيث : لحظة فاصلة بين العون والخذلان لتصحيح المسار

يكشف هذا المقال عن الكنز العظيم المتمثل في دعاء نبوي أصيل: ” يا حي يا قيوم برحمتك استغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين “. نسبر أغوار هذا الدعاء المبارك، مستنيرين بتفسير آية عظيمة من سورة التوبة حول أهمية الرضا بما قسم الله والتطلع إلى فضله. نوضح كيف أن المداومة على هذا الذكر، المصحوب باليقين والتوكل، يفتح أبواب الخير والبركة، ويدفع الهم والغم، ويجعل العبد في معية الله وعنايته.

كنز من السنة: يا حي يا قيوم برحمتك استغيث

لقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث شريف، يضيء لنا دروب الحياة ويمنحنا قوة وسكينة لا تضاهى. قال صلى الله عليه وسلم: «ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به، أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين». هذا الحديث الصحيح، الذي رواه النسائي وغيره، يحمل في طياته وصية عظيمة وفضلًا جليلًا لمن داوم عليه. فالمداومة على هذا الذكر المبارك هي عمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم. وهي بلا شك تزيد من حسنات العبد وتقربه من الله عز وجل.

ثمار الذكر: فوائد عظيمة في الدنيا والآخرة

في سياق الحديث عن فضل المداومة على “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث”، يجدر بنا أن نتأمل في العموم في فوائد ذكر الله عز وجل. فالذكر هو غذاء الروح، وبلسم القلب، وله آثار عظيمة تتجلى في حياة الذاكر في الدنيا والآخرة. فمن فوائد ذكر الله: الحصول على الرضا والمحبة من الله عز وجل، ومغفرة الذنوب ومضاعفة الحسنات بفضله وكرمه. بالإضافة إلى ذلك، يكون الذكر سببًا للنجاة من عذاب القبر، وزوال الهم والغم ونزول الرحمة والسكينة على قلب المؤمن. كما أن ذكر الله يمنح العبد قوة وثباتًا في مواجهة الأعداء، ويحفظه من كل شر وسوء. ولا يقتصر فضل الذكر على الدنيا فحسب، بل يرفع منزلة العبد في الآخرة، ويجعله من الذاكرين الله كثيرًا، ويمنحه شعورًا بنقاء القلب وصفائه.

معاني الأسماء الحسنى: “يا حي يا قيوم”

لقد وصف الله عز وجل نفسه في القرآن الكريم وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بالعديد من الأسماء الحسنى والصفات العلى. ومن هذه الأسماء المباركة اسما “الحي” و “القيوم”. فعندما يلجأ المؤمن إلى الله عز وجل في كل كرب وشدة، فإنه يتوسل إليه بهذين الاسمين العظيمين. فاسم “الحي” يدل على أن حياة الله كاملة أزلية أبدية، لا يسبقها عدم ولا يلحقها زوال. وأما اسم “القيوم” في هذا الدعاء، فيعني أن الله سبحانه وتعالى هو الغني عن كل خلقه، وهو القائم بنفسه والقائم بأمور خلقه أجمعين، وكل مخلوق مفتقر إليه في وجوده وبقائه.

إن الله سبحانه وتعالى منزه عن كل نقص وعيب، فهو الحي القيوم الذي لا يموت منذ القدم وحتى الأبد. وكلمة “القيوم” مأخوذة من القيام، فالله جل وعلا هو القائم بأمور الخلق ورعايتها وتدبير أمرهم من فوق سبع سماوات. وقد ورد ذكر هذين الاسمين العظيمين في القرآن الكريم في مواضع عدة، منها قوله تعالى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111]، وقوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]. وفي حديث آخر صحيح، قيل للنبي صلى الله عليه وسلم عن رجل دعا فقال: «اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى».

التوسل بالرحمة: “برحمتك أستغيث”

أما فيما يخص قول الداعي: “برحمتك أستغيث”، فإنه يدل على التوسل إلى الله عز وجل بصفة الرحمة، التي وسعت كل شيء. فاللجوء إلى الله عند الكروب والشدائد، وطلب الإعانة والغوث برحمته، يعتبر نوعًا من أنواع التوسل المشروع بصفات الله سبحانه وتعالى، وهو موافق لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]. فالمؤمن هنا يستجير برحمة الله الواسعة، لعله ينال منها ما يسعده في دنياه وآخرته، ويدفع عنه ما يلم به من ضر وبلاء.

طلب الصلاح الشامل: “أصلح لي شأني كله”

عندما يقول العبد في دعائه: “أصلح لي شأني كله”، فإنه يسأل الله عز وجل أن يصلح له جميع أحواله وأموره، فلا يلحقه فساد في دينه ودنياه وآخرته. وهذا الدعاء يعود على العبد بفوائد عظيمة، حيث يكون سببًا في صلاح سريرته وقلبه، واستقامة سيرته، وتيسير أموره كلها، وذهاب الهم والكرب، وهدوء البال وطمأنينة النفس. فصلاح الشأن يشمل كل جوانب حياة المسلم، الروحية والمادية، الدينية والدنيوية.

الاعتراف بالفقر إلى الله: “ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين”

وفي ختام هذا الدعاء العظيم، يتضرع العبد إلى ربه قائلًا: “ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين”. وهذا القول هو اعتراف تام بالفقر والضعف والعجز أمام قوة الله وقدرته. فالمؤمن هنا يسأل ربه ألا يجعله متحكمًا في أمور نفسه، ولو للحظة بسيطة أو طرفة عين، لأنه يعلم أن نفسه أمارة بالسوء، وأنه إن وُكل إلى نفسه هلك. فإن تحريك الجفن هنا هو مبالغة في قلة الزمان، ولو ترك الله العبد دون رحمته ولطفه لهلك. وقد قال تعالى في ذلك: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النور: 20]. ففي هذا الدعاء إثبات صفة الرحمة لله عز وجل، وأنه سبحانه لا يعطيها إلا لمن أحب من عباده، فليس أحد أرحم ولا أحلم منه.

كن لله كما يريد: طريق الفضل والبركة

إن المداومة على هذا الدعاء العظيم، “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين”. مع فهم معانيه العظيمة واليقين بالإجابة، هو من أعظم الأسباب لجلب فضل الله وتوفيقه، ودفع الضر والبلاء. فكن لله كما يريد، يكن لك فوق ما تريد. والعبد لا غنى له عن الله طرفة عين، ومن توكل عليه كفاه، ومن استعان به أعانه.

“لا تكلني إلى نفسي طرفة عين”: دلالات عميقة في لحظة ضعف

في ثنايا الدعاء النبوي الجليل: “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين”، يقف قولنا الأخير وقفة تدبر وتأمل. فماذا يعني ألا يكلنا الله إلى أنفسنا ولو للحظة وجيزة؟ يشرح أهل العلم هذا الجزء من الدعاء بأن العبد يسأل ربه ألا يتركه ويسلمه إلى تدبيره الضعيف وعجزه الذاتي حتى في أقل تقدير للزمن. وهو طرفة العين أو لمحة البصر.


وقد أوضح صاحب “عون المعبود” في شرح سنن أبي داود أن معنى “لا تكلني” هو “لا تتركني”. أما “طرفة عين” فهي اللحظة أو اللمحة التي يطرف فيها الإنسان عينه.

وفي “لسان العرب”، ذكر أن “وكلت أمري إلى فلان” تعني ألجأته إليه، بينما “وكله إلى رأيه” تعني تركه. والوكيل هو من يقوم بأمر غيره، لأنه قد وُكل إليه ذلك القيام. وعلى هذا المعنى يحمل قولنا في الدعاء: “لا تكلني إلى نفسي طرفة عين”. أي لا تسلمني إلى ضعفي وعجزي الذاتي حتى في أقل جزء من الزمن.


يؤكد الرازي في “مختار الصحاح” على دقة التعبير في “طرفة” بأنها المرة الواحدة من طرف بصره عندما يطبق أحد جفنيه على الآخر. وهذا التصوير البلاغي يدل على قصر المدة الزمنية المستعاذ منها، مما يبرز شدة افتقار العبد إلى رعاية الله وعونه في كل آن ولحظة، مهما بدت يسيرة. ففي هذه اللحظة القصيرة قد يقع من العبد ما لا تحمد عقباه لولا حفظ الله وتوفيقه.

كم نكرر الاستغاثة؟ ياحي ياقيوم برحمتك استغيث

يثور تساؤل حول عدد مرات تكرار قول يا حي يا قيوم برحمتك استغيث . في هذا السياق، ينقل قول نفيس للشاطبي رحمه الله في كتابه “الاعتصام” حول مسألة الاستناد إلى المنامات في أخذ الأعمال. فقد ذكر أن الرؤى من غير الأنبياء لا يُحكم بها شرعًا إلا إذا عرضت على ما لدينا من الأحكام الشرعية. فإن وافقتها عمل بمقتضاها، وإلا وجب تركها. وفائدتها البشارة أو النذارة خاصة، لا استفادة الأحكام.

وقد أشار الشاطبي إلى رؤيا الكتاني رحمه الله الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأوصاه بقول “يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت” أربعين مرة كل يوم لئلا يموت قلبه. وعلّق الشاطبي بأن أصل الذكر يحيي القلب وهو صحيح شرعًا. وفائدة الرؤيا التنبيه على الخير، ولكن التحديد بالعدد (الأربعين) يحتاج إلى دليل شرعي ملزم. فإن لم يوجد دليل على اللزوم، فلا يشرع التقييد به.

التزام الهدي النبوي: قاعدة راسخة في العبادات

يؤكد علماء اللجنة الدائمة على أنه يُستحب المحافظة على العدد الذي حدده الشرع في الأذكار والعبادات. أما ما شرع من الذكر مطلقًا دون تحديد بعدد، فيُشرع الذكر به دون التزام عدد معين. وبناءً على ذلك، فإن دعاء “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث” لم يرد في النصوص الشرعية مقيدًا بعدد معين للتكرار. لذلك، يشرع للمسلم أن يدعو به متى شاء وفي أي وقت. دون أن يلزم نفسه بعدد محدد لم يرد به نص.

الرؤى في المنام: بشارة وتذكير لا تشريع

أما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فلا يثبت بها أحكام شرعية. وإنما قد تكون بشارة أو تذكيرًا بأصل شرعي مقرر، كما سبق في كلام الشاطبي. وقد أوضح علماء اللجنة الدائمة أنه لا يُبنى على أمر أو نهي في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم. لأن الدين قد كمل وتم قبل وفاته صلى الله عليه وسلم. وإن وافقت الرؤيا الشريعة، فهي تأكيد للأمر الشرعي وإعانة عليه. بشرط أن تكون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم على صورته المعروفة.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رجل رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يعلمه كلمات ويدعو بها. فقام بطبع هذا الدعاء وتوزيعه. فأجاب بأن هذا العمل لا يُؤخذ منه حكم شرعي. لأن شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم كملت قبل موته، ولا تشريع بعد وفاته. كما أكد على ضرورة مطابقة صفة من يرى في المنام على صفة النبي صلى الله عليه وسلم التي نقلها أهل العلم.


الخاتمة: الاستغاثة الدائمة والاتباع الأمثل

إن فهم معنى قولنا يا حي يا قيوم برحمتك استغيث “لا تكلني إلى نفسي طرفة عين” . يرسخ في قلوبنا شدة الافتقار إلى الله في كل لحظة. وفيما يتعلق بتكرار دعاء “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث”. فإن المشروع هو المداومة عليه في الصباح والمساء وفي سائر الأوقات دون التزام عدد معين لم يرد به نص.

وعلينا أن نتذكر دائمًا أن مصدر التشريع هو الكتاب والسنة الصحيحة، وأن الرؤى الصالحة هي بشارات وتذكيرات لا مصادر للأحكام. فنسأل الله أن يعيننا ولا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يصلح لنا شأننا كله.

فضل دعاء ياحي ياقيوم برحمتك استغيث

مواضيع ذات صلة:

دعاء الاستخارة للزواج دعاء شرب ماء زمزم 
دعاء السفر مكتوب كامل دعاء الاستخازة للخطوبة 
دعاء قضاء الحاجة ما افضل دعاء يوم عرفة 
دعاء الرزق والتوفيق أدعية العمرة دليل شامل للادعية
دعاء للوالدين المتوفيين يوم الجمعة دعاء للوالدين المتوفيين
Exit mobile version