اصل قبيلة سيبان : ثلاثون قرناً من العراقة والنفوذ
تمتد جذور قبيلة سيبان في عمق التاريخ اليمني لأكثر من 3000 عام، حيث تظهر آثارها في النقوش السبئية والحميرية التي تؤكد دورها المحوري في تشكيل خريطة الممالك اليمنية القديمة. تروي هذه النقوش قصة قبيلة عظيمة شاركت في صنع التاريخ وخاضت معارك مصيرية.
النقوش الأثرية تشهد على العظمة
يُعد نقش الملك “كرب آل وتر” (622 ق.م) أحد أهم الشواهد على مكانة سيبان، حيث يذكر كيف تحالفت مملكة أوسان مع سيبان لبناء دولة في منطقة مرخة (شبوه حالياً). النقش الذي سُمي “نقش النصر” يصف المدن السيبانية التي سقطت تحت السيطرة مثل “إثخ وميفع ورتحم”، مما يكشف عن المأساة التي عاشتها القبيلة بعد الهزيمة.
الصراعات التاريخية وتحولات النفوذ
خلال القرن الرابع الميلادي، وجدت سيبان نفسها في قلب الصراع بين مملكتي سبأ وحمير. النقوش الحميرية تروي كيف قاد القائد “سعد تألب الجدني” حملة عسكرية ضخمة شاركت فيها سيبان، وانتهت بمقتل مئات الآلاف من الحضارمة وأسر الآلاف. هذه الأحداث شكلت منعطفاً تاريخياً في علاقة سيبان بالممالك المجاورة.
مواضيع ذات صلة:
التحالفات والمصاهرات الملكية
برز نظام الأذواء والأقيال في سيبان خلال القرن الخامس الميلادي، كما سجلت النقوش مصاهرة مهمة بين سيبان وآل ذي مقار الحوالي الحميري. الملك الحوالي نفسه أشاد بهذه العلاقة بقوله: “نحن ولدتنا بنو سيبان”، في إشارة إلى أن ملوك حمير كانوا يفتخرون بانتسابهم إلى سيبان عبر الأمهات.
الملك السميفع أشوع: القائد المنسي
تكشف الدراسات الأثرية عن شخصية تاريخية مهمة من سيبان هي الملك “السميفع أشوع” من قبيلة رتحم السيبانية. النقوش تذكر أباه “شرحبيل لحي” وأشقاءه الذين شكلوا أسرة حاكمة مؤثرة، رغم أنهم لم يحملوا ألقاب ملكية رسمية. قاد هذا الملك تحالفات قبلية ضمت سيبان والمهرة وضيفة ورياح.
فروع قبيلة سيبان
تنقسم سيبان اليوم إلى عدة بطون رئيسية:
- الربيعة
- العصارنة
- الشعاملة
- المشاجرة
- الحالكة
- الخامعة
ويصل عدد أفخاذها إلى 82 فخذاً حسب التقسيمات القبلية المعروفة. تمتد مناطق نفوذهم من كارسيبان (أعلى قمة في حضرموت) إلى نصاب شرق بيحان وغرب المشقاص وشرق بادية المهرة. ويترأس القبيلة حالياً المقدم أحمد بن الجويد بن سالمين باقديم الخمعي السيباني.
مواضيع ذات صلة:
قبيلة الحموم نسبها وتاريخها واحلافها القبلية
أسماء عوائل السادة الحضارم في اليمن
شجرة قبائل سيبان : عراقة التاريخ وامتداد النفوذ في حضرموت
تُعد قبيلة سيبان الحضرمية من أكبر قبائل حضرموت، ليس فقط من حيث المساحة الشاسعة التي تمتد عليها نفوذها، بل أيضًا من حيث عمق تاريخها وأصالتها المتجذرة في أرض الجنوب.
أراضي سيبان: فسحة جغرافية متنوعة
تمتد أراضي قبيلة سيبان على طول الشريط الساحلي الممتد من بئر علي قنا وصولًا إلى مشارف المكلا شرقًا. وتتوغل حدودها جنوبًا حتى تلتقي وديان عمد ودوعن والعين شمالًا، بينما تحدها غربًا مناطق غيل باوزير وعزان وميفع، وهي مناطق شهدت في فترات تاريخية نفوذًا وحكمًا سيبانيًا.
وتتوزع فخائذ سيبان على هذه المساحة المترامية الأطراف، حيث تستوطن الحالكة الجهة الشمالية، وتمتد أراضيها من منطقة المشهد إلى وادي حويره والبطح وغيل الحالكة وغيرها. وتمتد نفوذهم من جبال وادي العين حتى مشارف هضبة دوعن الغربية الفاصلة بين دوعن وعمد (السيطان). وإلى الشرق من حد الحلكي في حويره، تبدأ أراضي الخامعة، بينما يتمركز المراشدة في منطقة الكار. ويستقر السموح في وادي حنور، والجوهيين في ريدتهم وفي مناطق متفرقة من دوعن. أما فخائذ المحمديين والبامخرمة وبني حسن والشماسي والبهيشي، فتنتشر على طول السواحل. وتتواجد قبائل المشاجرة في وادي يبعث وحول وعمد والسوط، بينما يستقر السلاطين باهبري في وادي حمم، ويسكن القثم التابعين للخامعة في منطقة السيطان، بالإضافة إلى تواجد بعض فروع الحامدين في مناطق متفرقة.
إشعاع النور السيباني: علماء وأعلام
أنجبت قبيلة سيبان عبر تاريخها نخبة من العلماء والفقهاء ومشائخ العلم والأدب. ومن بين هؤلاء المشائخ آل أبي مخرمة (بامخرمة) السيبانيون، بالإضافة إلى آل باراس الذين نسبهم العلامة الحداد إلى سيبان في كتابه الشامل، بينما يرى آخرون أنهم يعودون في نسبهم إلى كندة.
وفي العصر الحديث، برزت شخصيات قيادية من بني سيبان في مختلف المجالات، منهم المقدم سعيد بن سالم بانهيم، والمقدم عمر بن حمد بلحمر بادقيل، والمقدم عمر بن أحمد باصرة، والمقدم سالم مليل باسلوم، والشاعر عبدالله بن مكيك بوسبع بقشان، والمقدم سعيد باحسين السومحي، والشيخ أحمد بن سعيد بقشان، والمقدم عبدالله بن سعيد بقشان، وغيرهم الكثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم جميعًا، وهم أهل للذكر والتبجيل.
عدد قبائل سيبان
تتكون فروع قبيلة سيبان حاليًا من سبعة عشر فخذًا، تربطها وحدة الدم والنسب الواحد، والارتباط الوثيق بالأرض الواحدة. وهذه الفخائذ هي: بلربيعة، العصارنة، الشعاملة، الحالكة، الخامعة، المراشدة، القثم، البني حسن، الجوهيين، السموح، المحمديين، الحيق، الحامديين، الخنابشة، الشماسيين، والبهيش.
وتنتشر هذه الفخائذ على مساحة واسعة من الأراضي الحضرمية التي تُعد موطنها الأصيل، وتشمل مناطق كارسيبان، ووادي يبعث، ووادي دوعن، وغيل باوزير، ووادي حويرة، ووادي حجر، ووادي حول، ووادي عمد، ووادي العين، وغيل الحالكة، ووادي المحمديين، وسوط القثم، وصيق السموح، والحيق، وسوط الحامديين، وريدة الجوهيين، وغيظة البهيش، وغيرها من المناطق والمطارح الكثيرة والكبيرة التي تحتضن قبيلة سيبان الأبية.
إسهامات في بناء الوطن: دور سيبان في جيش البادية الحضرمي
في العام 1936م، وبعد تأسيس جيش البادية الحضرمي، ساهمت قبائل سيبان حضرموت بشكل فاعل في رفد هذا الجيش بالرجال، جنبًا إلى جنب مع باقي قبائل حضرموت الأخرى. وقد كان لقبائل سيبان نصيب الأسد في هذه المساهمة، ويكفي للدلالة على ذلك أن القائد الحضرمي الوحيد الذي تولى قيادة جيش البادية الحضرمي هو العقيد سالم عمر الجوهي رحمه الله. كما برزت قيادات عسكرية سيبانية أخرى مثل العقيد بامرضاح قائد سلاح المصفحات، والعقيد علي محمد باهبري، وغيرهم.
رمز قبيلة سيبان
رمز قبيلة سيبان الحضرمية اكبر قبائل حضرموت شرق اليمن هو الرمز 809
خاتمة :
“سيبان ليست مجرد قبيلة عابرة في التاريخ، بل هي شاهد حي على عظمة الحضارة اليمنية التي صنعت مجداً ثم أرغمت على النسيان. من نقوش الملوك إلى جبال حضرموت الشامخة، ما زال اسم سيبان يحمل في طياته أمجاد ثلاثين قرناً من الكفاح والوجود.”
مواضيع ذات صلة: