مقدمة: جذور راسخة في قلب الجزيرة العربية
تنتمي عائلة التويجري إلى النسيج النجدي الأصيل، الذي تشكلت هويته عبر ارتباط العائلات الحضرية بالقبائل الكبرى، وفي حالتهم، بقبيلة عنزة، إحدى أعظم قبائل العرب وأكثرها انتشارًا، مما منحهم سندًا قبليًا ومكانة اجتماعية راسخة. تُعد العائلة إحدى الأسر البارزة في المملكة العربية السعودية، ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، وقد اكتسبت مكانتها المرموقة عبر الأجيال من خلال إسهامات أبنائها في مجالات العلم والقضاء والإدارة والوجاهة الاجتماعية. لم يقتصر تأثيرهم على نجد فحسب، بل امتد ليترك بصمة واضحة في دول الجوار، وأبرزها دولة الكويت، لتنسج العائلة بذلك تاريخًا حافلاً بالعطاء والمشاركة الفعالة في بناء المجتمع وتطوره.
1. الأصول العريقة والنسب الشريف
في نسيج المجتمع العربي التقليدي، يمثل فهم الأصول القبلية حجر الزاوية في تحديد هوية ومكانة العائلات. وفي هذا السياق، تتمتع عائلة التويجري بنسب شريف وموثق يربطها بأعرق القبائل العربية، مما يمنحها عمقًا تاريخيًا ومكانة رفيعة.
1.1. الانتماء إلى قبيلة عنزة
ينحدر نسب عائلة التويجري بشكل أساسي من آل جبارة – بتشديد الباء الموحدة التحتية – وهو بطن كبير من قبيلة عنزة الوائلية الربعية العدنانية. ويتضح هذا النسب جليًا في سجلات الأنساب الموثقة، ومن أبرز الأمثلة عليه نسب العالم الجليل الشيخ حمود بن عبد الله التويجري، الذي يُذكر على النحو التالي: “حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مقحم بن عبد الله التويجري من آل جبارة بطن كبير من قبيلة عنزة القبيلة الوائلية الربعية العدنانية”.
1.2. سلسلة النسب العدناني
يكتسب هذا الانتماء أهمية تاريخية كبرى، حيث يربط عائلة التويجري بسلسلة نسب عدنانية عريقة، ترجع إلى عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن مَعْد بن عدنان. وتصل هذه السلسلة الممتدة إلى سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، مما يضع العائلة في هرم الأنساب العربية الأصيلة ويفاخر أبناؤها بهذا الإرث العريق.
وهذه الجذور الضاربة في أعماق التاريخ لم تمنع الأسرة من التنقل والارتحال، الذي شكل فصلاً جديداً ومحورياً في مسيرتها.
2. الهجرة التاريخية: من أشيقر إلى قلب نجد والقصيم
لم تكن هجرات العائلات في نجد مجرد تنقلات جغرافية، بل كانت أحداثًا تأسيسية ساهمت في تشكيل الخريطة الديموغرافية والاجتماعية للمناطق التي استقروا فيها. وتروي قصة رحلة آل التويجري فصلاً مهمًا من هذا التاريخ، حيث انتقلوا من موطنهم الأول ليؤسسوا مراكز جديدة للعائلة في قلب نجد ومنطقة القصيم.
2.1. المحطات الأولى: أشيقر، التويم، ثم المجمعة
استنادًا إلى ما ورد في كتاب “لمحة موجزة عن أسرة التويجري ورجالاتها”، يمكن تتبع التسلسل الزمني لهجرة العائلة المبكرة. فقد كان أصلهم من أشيقر في منطقة الوشم، ومنها انتقلوا إلى بلد التويم حيث استقروا مع بني وائل لفترة من الزمن. وفي مرحلة لاحقة، شكلت مدينة المجمعة محطتهم الرئيسية، حيث استقروا فيها بعد أن عمرها عبد الله الشمري عام 820هـ، ليصبحوا من أوائل الأسر التي سكنتها.
2.2. قصة الانتقال إلى القصيم: البحث عن المنعة والاستقرار
تمثل قصة الأخوين عبد الله ومحمد التويجري نقطة تحول محورية في تاريخ العائلة، وهي تروي فصلاً من الشجاعة والعزة والبحث عن الاستقرار. بدأت القصة حين كان عبد الله التويجري يتمتع بثروة كبيرة ومكانة في “طرفية السر”، وهو ما لفت انتباه شريف مكة الذي طمع في ماله. أرسل الشريف رجالًا يطالبون عبد الله بإتاوة، إلا أن التويجري، اعتزازًا بنفسه واستقلاليته، رفض الخضوع لأمره وتخلص من رجال الشريف بالقوة.
كان هذا النزاع هو الشرارة التي دفعت عبد الله إلى الارتحال بأمواله ومواشيه، باحثًا عن “دار منعة” بعيدة عن نفوذ الشريف. وجد في منطقة القصيم وجهته المثلى، لما عُرف عنها من استقلال نسبي في ذلك الوقت. وعندما نزل في وادٍ يقع بين بريدة وعنيزة، لم يناسبه الموقع لقربه من البلدتين القويتين، فقال مقولته الشهيرة: “ما يجمع حصانان بمعذر”، والتي أصبحت مثلًا دارجًا يدل على صعوبة اجتماع الأقوياء في مكان واحد.
واصل رحلته حتى عثر على أرض “الطرفية” الخصبة، فقرر شراءها من أهلها، وهم اليحيا من آل أبي عليان، مقابل “صاع ونصف مشبوش”، وهو معيار للمقايضة يتكون من خليط الذهب والفضة. لكن الباعة نكلوا عن البيع بعد أن قبضوا الثمن، فما كان من عبد الله إلا أن استعان بأبناء قبيلته عنزة في “القرعا”، الذين آزروه ونخوه لتثبيت حقه في الأرض التي اشتراها. ويبدو أنهم هم من أطلقوا على هذا الموطن الجديد اسم “الطرفية”، تيمّنًا ببلدهم السابق “طرفية السر”، ليؤسسوا بذلك رابطًا رمزيًا بين ماضيهم ومستقبلهم.
ومن هذه الأرض الجديدة، بدأت عائلة التويجري فصلاً جديداً من النمو والانتشار، لتصبح من أبرز عائلات القصيم والمجمعة.
3. مراكز الثقل والانتشار: فروع العائلة في نجد
مع استقرارهم في مواطنهم الجديدة، سرعان ما تحولت هذه المستقرات إلى مراكز نفوذ اجتماعي واقتصادي للعائلة. تفرعت الذرية من الأجداد المؤسسين لتشكل نسيجًا اجتماعيًا مترابطًا في مدن نجد الرئيسية، خصوصًا في منطقتي القصيم وسدير.
3.1. التويجري القصيم
تُعد منطقة القصيم مركز الثقل الرئيسي لأحد أكبر فروع العائلة، حيث استقر فيها عبد الله التويجري وأبناؤه السبعة، وهم: راشد، سليمان، خضير، حسن، وائل، فهد، وفهيد. ومن هؤلاء الأبناء تفرعت أسر التواجر في القصيم، وأصبحوا من أهل المدن والبلدات التالية:
• الطرفية
• الشيحية
• ضراس
• القصيعة
• البدائع
• الصباخ
وإلى جانب هذه الفروع الرئيسية، تشمل تواجر القصيم أسرًا أخرى كريمة مثل آل ركبان وآل منديل، وآل سلومي، والخريف، والتواما الذين قدموا من المجمعة، والضالع في الشقة وعيون الجواء.
3.2. التويجري المجمعة والرياض
ظلت المجمعة، موطن استقرارهم الأول بعد التويم، مركزًا رئيسيًا للعائلة، وتفرعت منها عدة أسر بارزة أصبحت جزءًا لا يتجزأ من نسيجها الاجتماعي. ومن أبرز فروع العائلة التي عُرفت في المجمعة:
• عائلة العلي
• عائلة المبارك
• عائلة نجران
• عائلة الناصر
بالإضافة إلى ذلك، أصبح للعائلة وجود بارز ومؤثر في العاصمة الرياض مع توسع الدولة السعودية الحديثة.
ولم تكن هذه المكانة لتتحقق لولا بروز شخصيات مؤثرة من أبناء العائلة، كان لهم بصمات واضحة في تاريخ المملكة.
4. أعلام بارزون وإرث خالد
لا تُقاس قيمة العائلات بنسبها فحسب، بل بإسهامات أبنائها في بناء المجتمع والوطن. وقد قدمت عائلة التويجري عبر تاريخها نخبة من الرجال والنساء الذين تركوا بصمات خالدة في مجالات متعددة، من القيادة والإدارة إلى العلم والقضاء.
4.1. في القيادة والإدارة
برز من العائلة شخصيتان قياديتان بارزتان خدمتا في الحرس الوطني، وهما:
• الشيخ عبد العزيز التويجري: شخصية جليلة شغلت منصب نائب رئيس الحرس الوطني سابقًا، وكان له دور مهم في تاريخ المملكة.
• الأستاذ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري: أديب ومسؤول كبير، شغل منصب نائب رئيس الحرس الوطني المساعد، وساهم بفعالية في رسم الخطط والسياسات لتطوير الحرس الوطني. عُرف أيضًا بمؤلفاته الأدبية القيمة مثل “حاطب ليل ضجر” و”في أثر المتنبي”.
• معالي الدكتورة هالة التويجري: نموذج للقيادات النسائية السعودية الحديثة، وهي أول امرأة تشغل منصب رئيس هيئة حقوق الإنسان في المملكة بمرتبة وزير، ولها إسهامات بارزة في دعم شؤون الأسرة والمرأة.
4.2. في العلم والقضاء
• العلامة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري: أحد أبرز علماء الدين في عصره. وُلد في المجمعة عام 1334هـ، وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة. لازم الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، قاضي بلدان سدير، لمدة ربع قرن، ونهل من علمه في شتى الفنون من التوحيد والتفسير والحديث والفقه.
• معالي الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس: إمام وخطيب المسجد الحرام ورئيس الشؤون الدينية للمسجد الحرام والمسجد النبوي، وهو من أبرز الشخصيات التي تعود بأصولها إلى عائلة التويجري، ويمثل امتدادًا للإرث العلمي والديني العريق للأسرة.
ولم يقتصر تأثير العائلة وشخصياتها على مدن نجد، بل امتد حضورها إلى دول الخليج المجاورة، وأبرزها دولة الكويت.
5. امتداد عائلة التويجري فرع الكويت
تُعد هجرة العائلات النجدية إلى الكويت جزءًا طبيعيًا من الحراك الاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته المنطقة تاريخيًا. وقد كانت عائلة التويجري من بين هذه العائلات التي استقرت في الكويت وحافظت على هويتها وأسست لنفسها مكانة مرموقة في المجتمع الكويتي.
5.1. أفرع العائلة في الكويت وأصولها
تنقسم أفرع العائلة التي استقرت في الكويت، ومعظمها في أوائل القرن الماضي، إلى مجموعتين رئيسيتين بناءً على مكان قدومهم من نجد:
• القادمون من المجمعة:
◦ ذرية إبراهيم عبد الرحمن التويجري (فرع الجفرة).
◦ ذرية محمد عبد العزيز التويجري (فرع الجفرة).
◦ ذرية إبراهيم أحمد التويجري (فرع النجران).
◦ ذرية عبد الرحمن عبد العزيز التويجري (فرع المقحم).
◦ ذرية عبد المحسن عبد الكريم التويجري (فرع المبارك).
• القادمون من القصيم:
◦ ذرية صالح عبد الرحمن التويجري (فرع آل عثمان).
◦ ذرية فهد حمود التويجري (فرع آل عثمان).
◦ ذرية فهد عثمان التويجري (فرع المحسن).
◦ ذرية عبد الكريم عبد الله التويجري (فرع آل عبد الله).
◦ ذرية حمود عبد الكريم التويجري (فرع آل عبد الله).
وتأكيدًا على ترابطهم الاجتماعي الحديث، لهذه الأفرع ديوان يجمعها في منطقة العديلية بالكويت.
5.2. شخصيات ومصاهرات بارزة
برز من فرع الكويت شخصيات خدمت الدولة في مناصب مختلفة، منهم الدكتور طلال ناصر التويجري (أستاذ الإعلام بجامعة الكويت)، والسفير ضرار ناصر التويجري، وعبد الله عبد الكريم التويجري (الرئيس التنفيذي للخدمات المصرفية للأفراد في بنك بوبيان). ويعكس اندماجهم الاجتماعي ومكانتهم الرفيعة مصاهراتهم مع العديد من الأسر الكويتية العريقة، ومنها: البدر، الرفاعي، العيسى، الصباح، العنجري، الصقر الغانم، وغيرها.
ومع هذا الانتشار الواسع، أصبح من الضروري تمييز عائلة التويجري العنزية عن غيرها من العائلات التي تحمل نفس الاسم.
6. توضيح الأنساب: تمييز اسم “التويجري”
تحظى الدقة في علم الأنساب بأهمية قصوى، خاصة مع وجود تشابه في أسماء العائلات قد يؤدي إلى الخلط. ولذلك، من الضروري توضيح الفروقات بين عائلة التويجري (موضوع هذا التقرير) وغيرها من الأسر الكريمة التي تحمل الاسم نفسه ولكنها تختلف في النسب والقبيلة.
يوضح الجدول التالي أبرز هذه الفروقات استنادًا إلى المصادر الموثوقة:
| النسب والقبيلة | المنطقة |
| من جباره من ولد علي من ضنا مسلم من عنزة (العائلة موضوع المقال) | بريدة والمجمعة والرياض |
| من الهواملة من بني سالم من حرب | الفوارة بالقصيم |
| من آل علي من عطية من بني زيد | القويعية |
| من الشيابين من عتيبة | (يُعرفون بالتواجرة) |
وبهذا التوضيح، تتجلى الصورة الكاملة للنسب الصحيح لعائلة التويجري العريقة، وتمييزها عن الأسر الكريمة الأخرى.
خاتمة: إرث من الأصالة والعطاء
في الختام، تجسد مسيرة عائلة التويجري قصة متكاملة من الأصالة والعطاء، وهي تمثل نموذجًا مصغرًا لتاريخ بناء المجتمع السعودي. فمن جذور قبلية راسخة في عنزة، وقيم متأصلة كالبحث عن “المنعة” والعزة والاعتماد على الذات، انطلقت رحلتهم من أشيقر إلى المجمعة والقصيم، ومن ثم امتد أثرهم إلى الكويت وغيرها. هذه القيم التاريخية لم تندثر، بل تجلت في عطاء الأجيال اللاحقة التي ساهمت بفعالية في بناء الدولة الحديثة، عبر شخصيات بارزة في القيادة والإدارة والعلم والقضاء. إن تاريخ عائلة التويجري هو مثال حي على قدرة الأسر السعودية على الحفاظ على إرثها العريق، مع المشاركة الفعالة في مسيرة التنمية والازدهار، لتظل بذلك جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي لوطنها.
مواضيع ذات صلة:
-
-
-
-
-
-
-
-
