يناقش مقالنا هذا فخوذ الدواسر وتشكيلاتها العشائرية ، حيث تُعد قبيلة الدواسر من القبائل العربية الأصيلة التي استوطنت منطقة حيوية في قلب شبه الجزيرة العربية، وهو وادي العقيق الذي عُرف لاحقًا باسم وادي الدواسر. يهدف هذا المقال إلى تقديم نظرة معمقة وشاملة حول فخوذ الدواسر، مع استكشاف تاريخ وأصول هذه القبيلة وتفرعاتها العشائرية المتعددة في المملكة العربية السعودية وخارجها، معتمدين على الروايات التاريخية والأنساب الموثقة.
نسب فخوذ الدواسر
في رحلتنا لاستجلاء فخوذ الدواسر، نجد أن هناك تصورات متعددة حول تكوينها وأصولها، يمكن تلخيصها في ثلاثة اتجاهات رئيسية:
الاتجاه الأول: الانتساب إلى دوسر بن تغلب وآل زايد كفرعين أصيلين:
يرى هذا الرأي أن قبيلة الدواسر تتكون من فرعين أساسيين هما:
- التغالبة: الذين ينسبون تسمية “الدواسر” إليهم مباشرة، معتقدين أنهم من سلالة دوسر بن تغلب، وبالتالي يرون أن هذا الاسم يخصهم دون غيرهم من فروع القبيلة.
- آل زايد: الذين يعتبرون أن جدهم هو زايد بن عمرو مزيقيا الأزدي، ويؤكدون أن لقب “الدواسر” يعود إليهم وإلى ذريتهم.
الاتجاه الثاني: أصول قبائل الدواسر حلف عشائري متعدد الأصول استوطن وادي الدواسر:
يقترح هذا المنظور أن قبيلة الدواسر لم تنشأ من نسب واحد، بل هي عبارة عن تحالف كبير جمع بين عشائر ذات أصول عربية متنوعة، اجتمعت واستقرت في منطقة وادي الدواسر. ونتيجة لهذا التجمع السكاني في الوادي نفسه، أُطلق عليهم اسم “الدواسر” نسبة إلى مكان إقامتهم، مما يجعل التسمية مرتبطة بالوادي لا بنسب قبلي موحد. ووفقًا لهذا الرأي، فإن شجرة قبيلة الدواسر تتكون من بطون وعشائر مختلفة سكنت هذا الوادي عبر التاريخ.
الاتجاه الثالث: الارتباط التاريخي بوادي العقيق وتسمية الدواسر المستحدثة:
تؤكد هذه الرؤية على أن وادي الدواسر كان يُعرف في العصور الجاهلية وصدر الإسلام باسم وادي العقيق. وتعتبر تسمية “الدواسر” تسمية مستحدثة ارتبطت بنزول القبيلة واستقرارها في هذا الوادي لاحقًا.
التكوين العشائري لفخوذ الدواسر:
تتكون قبيلة الدواسر، وفقًا للمشهور، من أربعة فروع رئيسية ذات ثقل تاريخي واجتماعي، وهي:
- آل زايد: الذين سيتم تفصيل نسبهم لاحقًا.
- التغالبة: الذين تم ذكر آرائهم حول أصل التسمية.
- الجميلات: الذين يُنسبون إلى قبيلة جميلة الهلالية، التي كانت مساكنها في الأفلاج شرق وادي الدواسر، وانضمت لاحقًا إلى حلف الدواسر بعد هجرة بني هلال إلى المغرب.
- آل جعيد: الذين يُشاع أنهم من آل جعيد في اليمن من قبائل همدان، بينما يرى آخرون أنهم من بني جعدة من بني عامر بن صعصعة الذين سكنوا الوادي قبل الإسلام.
يُلاحظ من هذا التعدد في الأصول أن قبيلة الدواسر تمثل بالفعل تحالفًا عشائريًا واسعًا ضم تحت لوائه عشائر ذات انتماءات نسبية مختلفة، مما يجعل شجرة نسبها معقدة ومتعددة الجذور.
وادي الدواسر: من العقيق التاريخي إلى مركز استقرار الدواسر:
يقع وادي الدواسر جنوب منطقة نجد، ويحده من مختلف الجهات مناطق ذات أهمية تاريخية وقبلية. كان هذا الوادي الخصيب، الذي تجري فيه السيول القادمة من الغرب، يُعرف قبل الإسلام وفي صدر الإسلام باسم وادي العقيق. وقد سكنت جنباته قبائل عربية عريقة مثل بني عقيل في أعلاه ومذحج في أسفله، وكانت المناطق المجاورة موطنًا لفروع أخرى من بني عامر بن صعصعة.
ومع مرور الزمن، وتحديدًا بعد صدر الإسلام، تغير اسم الوادي إلى وادي الدواسر، ويُعتقد أن هذا التغيير ارتبط بنزول قبيلة الدواسر واستقرارها فيه.
من هم فخوذ الدواسر : أنساب وتداخلات:
تشير بعض المصادر إلى أن العديد من سكان وادي الدواسر ينتسبون إلى عامر بن صعصعة، ومنهم:
- الجميلات: كما سبق ذكره، من بني هلال بن عامر.
- آل جعيد: الذين يُنسبون، كما قيل، إلى بني جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر.
- آل صهيب من آل زايد: الذين يُقال إنهم من قشير بن كعب.
- الخييلات: الذين يُقال إنهم من بني الأخيل، أحد أشهر فروع بني عقيل، ويربطهم المؤرخ حمد الجاسر برهط ليلى الأخيلية.
- الحرارشة: الذين يُنسبون إلى بني الحريش بن كعب.
- العمور: الذين يُقال إنهم من عمور بني خالد المنتمين إلى بني عامر بن عقيل بن كعب.
يُلاحظ هنا التداخل في الأنساب والارتباط ببني عامر بن صعصعة وفروعهم، مما يعزز فكرة التحالف العشائري الذي شكل قبيلة الدواسر في وادي العقيق.
أصول قبائل الدواسر: تباين الروايات وتداخل الأنساب:
تعددت الآراء والروايات حول الأصول النسبية لقبيلة الدواسر، ويمكن استعراض أهم هذه الأقوال مع تقييمها:
القول الأول: الانتساب إلى دوسر بن تغلب:
كما ذكر سابقًا، يرى التغالبة أنهم بنو دوسر بن تغلب، وأن اسم الدواسر يخصهم. إلا أن هذا الرأي يواجه إشكالًا علميًا، حيث يتفق علماء النسب على أن تغلب بن وائل لم يعقب ابنًا اسمه دوسر، وأن ذريته هاجرت إلى الجزيرة الفراتية. وقد اقترح البعض أن هؤلاء التغالبة قد يكونون من بني تغلب بن حلوان بن الحاف بن قضاعة، التي كان لبعض فروعها تواجد في تلك المنطقة.
مواضيع ذات صلة:
القول الثاني: الانتساب إلى بني عائذ من عقيل:
يُعد ابن فضل الله العمري من أوائل من ذكروا هذا النسب، حيث عد الدواسر فرعًا من بني عائذ، ونسبهم الهجري إلى ربيعة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
القول الثالث: الانتساب إلى بني مرهبة من همدان:
يذكر الهمداني لقب “مرهبة الدوسر” لبني مرهبة من همدان، ويورد أبياتًا شعرية تذكر “دوسرا” تمنع أخاها، في إشارة إلى قوم عبدالسلام المرهبي الذي لُقب بالدوسري. إلا أن هذا القول يواجه إشكالًا في تطابق الأبيات مع رواية أخرى تربطها ببني العتيك من الأزد، كما سيأتي.
القول الرابع: الانتساب إلى بني زياد بن عمرو مزيقيا من الأزد:
يرى أصحاب هذا القول أن لقب الدواسر يخصهم، وأن جدهم زياد هو ابن عمرو مزيقيا الأزدي. ويوردون قصة مشهورة حول سبب تسمية عمرو بـ “الملطوم” وهجرته، لكن هذه القصة تواجه اعتراضًا لعدم وجود ابن لعمرو مزيقيا باسم زياد في النسابين، والتباعد الزمني بين زياد الجد القريب لآل زايد وعمرو مزيقيا الجاهلي.
الرأي الراجح في نسب الدواسر:
بالنظر إلى الروايات التاريخية والأنساب، يرجح العديد من النسابين أن الدواسر ينقسمون إلى فرعين رئيسيين:
- بنو وادعة مرهبة الدوسر: وهم بنو وادعة بن عمرو مزيقيا الأزدي، الذين يُعرفون بلقب “مرهبة الدوسر” أي مرهبة الجيش القوي. إلا أن التاريخ لا يذكر نزولهم وادي الدواسر أو المناطق القريبة منه.
- بنو عمران بن عمرو مزيقيا: وهم الذين يُعتبرون الجد الأعلى لمعظم قبيلة الدواسر الحالية، وينحدرون من بني العتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو مزيقيا الأزدي.
وقد ذكر الهجري أن بني العتيك نزلوا قرب وادي العقيق (الدواسر لاحقًا) بالقرب من بني قشير بن كعب. وبعد ارتحال بني عقيل عن الوادي، خلا لهم الوادي وانضم إليهم من بقي من عقيل وبني عامر، ومنذ ذلك الحين تغير اسم الوادي إلى وادي الدواسر.
مواضيع ذات صلة: شجرة قبيلة الدواسر
نسب بني العتيك بن الأسد (شجرة الدواسر الحالية):
ينتسب الدواسر الحاليون إلى: العتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن أمرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد.
وقد أعقب العتيك بن الأسد ولدين هما:
- عوف بن العتيك.
- الحارث بن العتيك، الذي أعقب خمسة أولاد، من بينهم الأسد بن الحارث بن العتيك، وهو الجد الذي يُنسب إليه الدواسر رهط الشاعر ثابت بن كعب.
وقد أعقب الأسد بن الحارث بن العتيك ثلاثة أولاد، من نسل أحدهم، وهو عمران بن الأسد بن الحارث، ينحدر آل زايد، وهم أبناء زايد بن سالم بن زياد بن عامر بن سويد بن سليمان بن محسن بن زيد بن عامر بن عراد بن جابر بن عوف بن دينار بن مرثد بن عمرو بن عمير بن عمران بن الأسد بن الحارث بن العتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو مزيقيا.
خلاصة:
تُظهر دراسة فخوذ الدواسر وأصولهم تعدد الروايات وتداخل الأنساب، مما يعكس طبيعة التحالفات القبلية في التاريخ العربي. ومع ذلك، يرجح أن النسبة الغالبة لقبيلة الدواسر الحالية تعود إلى بني العتيك بن الأسد بن عمران بن عمرو مزيقيا الأزدي، الذين استوطنوا وادي العقيق الذي حمل اسمهم لاحقًا، وانضم إليهم فروع أخرى ذات أصول مختلفة شكلت في مجموعها قبيلة الدواسر المعروفة.