صلاة التسابيح كم ركعة

تُعد صلاة التسابيح من الصلوات النوافل التي حظيت باهتمام بالغ في التراث الإسلامي، نظراً لما ورد في فضلها من عظيم الأجر وجليل الثواب. تتميز هذه الصلاة بهيئة مخصوصة تختلف عن سائر الصلوات المعروفة، وتبرز فيها كثرة التسبيح والذكر لله تعالى. يهدف هذا البحث إلى تقديم دراسة شاملة لهذه الصلاة، تتناول تعريفها، أصلها، كيفيتها، فضائلها، وأبرز الآراء الفقهية والعلمية حولها، مع تسليط الضوء على الجوانب الدقيقة في النقاشات العلمية المتعلقة بصحتها ومشروعيتها.
تعريف صلاة التسابيح وأصل تسميتها
صلاة التسابيح هي صلاة نافلة تُؤدى بهيئة مخصوصة وتتميز بكثرة التسبيح فيها، حيث تحتوي على ثلاثمائة تسبيحة في مجموع ركعاتها الأربع. وقد سُميت بهذا الاسم “التسابيح” تحديداً لكثرة التسبيح فيها بخلاف العادة في غيرها من الصلوات الأخرى. هذا التركيز على الذكر والتسبيح يمنح الصلاة طابعاً فريداً، ويشير إلى أن جوهرها يتمثل في الإكثار من تمجيد الله تعالى وتسبيحه، مما يميزها عن غيرها من الصلوات التي قد يكون التركيز فيها على الدعاء أو تلاوة القرآن بشكل أكبر. كما تُعرف هذه الصلاة أيضاً بـ “صلاة الغفران” و”صلاة التوبة”، وهي تسميات تعكس ما ورد في فضلها من كونها سبباً عظيماً لتكفير الذنوب.
أهميتها وفضلها العام
تُعد صلاة التسابيح من الصلوات المستحبة وذات الثواب العظيم لمن واظب عليها، لا سيما في المواسم والأيام المباركة. وقد ورد في فضلها أنها مكفرة للذنوب، مفرجة للكروب، ميسرة للعسير، يقضي الله تعالى بها الحاجات، ويؤمن الروعات ويستر العورات. إن هذه الفضائل المتعددة، وخاصة التأكيد على تكفير الذنوب بجميع أنواعها، يضع هذه الصلاة في منزلة رفيعة كأحد السبل الفعالة لتحقيق التطهير الروحي والتقرب إلى الله تعالى، مما يجعلها محط اهتمام الباحثين عن المغفرة والسكينة.
لمحة عن الخلاف الفقهي حولها
تُعد صلاة التسابيح من الصلوات التي كثر الكلام فيها واختلفت آراء العلماء حول حكمها وصحة الأحاديث الواردة فيها. هذا الخلاف بين العلماء ينبع أساساً من اختلافهم في الحكم على صحة حديث صلاة التسابيح، فمنهم من صححه أو حسنه، ومنهم من ضعفه أو حكم عليه بالوضع. إن إدراك هذا الخلاف منذ البداية أمر بالغ الأهمية، فهو يهيئ القارئ لتفاصيل النقاش الفقهي والعلمي الذي سيتناوله البحث، ويؤكد أن المسألة ليست محل إجماع، بل تتطلب تحليلاً دقيقاً للمصادر والأدلة.
الأحاديث الواردة في صلاة التسابيح وصحة إسنادها
تعتبر الأحاديث النبوية الشريفة هي المرجع الأساسي في إثبات مشروعية العبادات وكيفيتها. وفيما يخص صلاة التسابيح، فقد وردت فيها عدة روايات، كان لها الدور المحوري في تشكيل الآراء الفقهية حولها.
عرض لأبرز الأحاديث الواردة
الحديث الرئيسي الذي يُعتمد عليه في وصف صلاة التسابيح وكيفيتها وفضلها هو ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس بن عبد المطلب: “ألا أعطيك، ألا أمنحك، ألا أحبوك، ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك أوله وآخره، وقديمه وحديثه، وخطاه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته؟ أن تصلي أربع ركعات…”. هذا الحديث يُعد حجر الزاوية في فهم هذه الصلاة. وقد ورد الحديث أيضاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
تفصيل أسانيد الحديث وطرق روايته
روى هذا الحديث أئمة كبار في علم الحديث مثل أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي والحاكم والطبراني والدارقطني وغيرهم. وقد ورد الحديث من طرق كثيرة ومتنوعة؛ فمنها ما هو مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما هو موقوف (أي على بعض الصحابة)، ومنها ما هو متصل، ومنها ما هو مرسل.
يذكر الحافظ ابن حجر أن الحديث روي عن أكثر من عشرة من الصحابة، وقد وجد أسانيد متصلة من عشرة منهم، وهم: عبد الله بن عباس، عبد الله بن عمرو، الفضل بن عباس، أبو رافع، عبد الله بن عمر، العباس بن عبد المطلب، علي بن أبي طالب، جعفر بن أبي طالب، ابنه عباس بن جعفر، أم سلمة، وصحابي أنصاري لم يُسمَّ. إن هذا العدد الكبير من الروايات والمساند يُعد عاملاً حاسماً في النقاش حول صحة الحديث. فبينما قد تكون بعض الأسانيد الفردية ضعيفة، فإن كثرة الطرق وتعدد الروايات من مصادر مختلفة يمكن أن يرتقي بالحديث من درجة الضعف إلى درجة الحسن أو حتى الصحة، وذلك وفقاً لمبادئ علم الحديث التي تنص على أن الطرق المتعددة يقوي بعضها بعضاً. كما وردت روايات مرسلة عن عدد من التابعين مثل محمد بن كعب القرظي، وأبي الجوزاء، ومجاهد، وإسماعيل بن رافع، وعروة بن رويم.
أقوال العلماء في تصحيح الحديث وتحسينه (مع ذكر الأدلة)
يرى جمهور العلماء سلفاً وخلفاً، وجماهير فقهاء المذاهب الأربعة، مشروعية هذه الصلاة واستحبابها. وقد ذهب عدد من كبار المحدثين والفقهاء إلى تصحيح الحديث أو تحسينه. فمن الذين صححوا أو حسنوا الحديث: الحافظ ابن حجر (حسنه)، والإمام النووي (الذي وصفه في “تهذيب الأسماء واللغات” بأنه حسن وسنة حسنة ينبغي العمل بها)، والإمام البيهقي، وابن الصلاح، والشيخ أحمد شاكر، وشعيب الأرناؤوط (حسنه)، والشيخ الألباني (صححه)، والشيخ الوادعي.
وقد صرح الشيخ سراج الدين البلقيني بأن حديث صلاة التسبيح صحيح وله طرق يعضد بعضها بعضاً، مؤكداً أنها سنة ينبغي العمل بها. كما قال الحافظ الديلمي في “مسند الفردوس”: “صلاة التسابيح أشهر الصلوات وأصحها إسناداً”. وذكر البيهقي أن عبد الله بن المبارك كان يفعلها وتداولها الصالحون، وهذا يُعد دليلاً على تقوية الحديث المرفوع. ترى دار الإفتاء المصرية أن الحديث في درجة الحسن لكثرة طرقه التي يقوى بها الطريق الأولى. ويذهب بعض العلماء إلى أن الحديث يرتقي بمجموع طرقه إلى الحسن أو الصحة، وبالتالي فهي سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أقوال العلماء في تضعيف الحديث أو الحكم عليه بالوضع (مع ذكر الأدلة)
في المقابل، ذهب بعض العلماء إلى تضعيف هذا الحديث أو الحكم عليه بالوضع. فمنهم ابن تيمية والشوكاني والإمام أحمد في ابتداء الأمر. ويرى الشيخ ابن باز أن صلاة التسابيح غير صحيحة عند أهل التحقيق، وأن أحاديثها ضعيفة وغير صحيحة ومخالفة للصلاة الشرعية. وقد قال الإمام الترمذي: “وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديث في صلاة التسبيح ولا يصح منها كبير شيء”.
أدرج الإمام ابن الجوزي الحديث في كتابه “الموضوعات” (الأحاديث الموضوعة)، ورأى أن طرقه كلها لا تخلو من وقف وإرسال أو ضعف رجال. وقال الإمام أبو جعفر العقيلي: “ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت”. ورأى الإمام أبو شامة أن الحديث غير صحيح رغم كثرة طرقه. أما الإمام النووي، فقد كانت له مواقف متضاربة؛ فبينما حسنه في “تهذيب الأسماء واللغات”، ذكر في “الأذكار” قول الدارقطني بأنه أصح ما ورد في فضائل الصلوات (مما قد يعني أنه أصح الضعيف)، وفي “المجموع” صرح بضعف الحديث وأن الصلاة لا تُفعل بسببه. إن هذا التباين في موقف الأئمة الكبار، مثل الإمام أحمد والإمام النووي، يبرز مدى الدقة والتحدي في نقد الأحاديث، ويؤكد أن الحكم على صحة الحديث ليس دائماً أمراً قطعياً بل قد يتطور أو يختلف باختلاف المنهج والنظر في الروايات.
اعتبر ابن تيمية الحديث كذباً موضوعاً على النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى أن أي صلاة تحدد عدداً معيناً من الآيات أو السور أو التسبيحات هي موضوعة بإجماع أهل الحديث، وأن هذه الصلاة لم يتبناها أحد من الأئمة. ورأى الشوكاني أن الحديث غير صحيح وأن فيه عللاً.
الخلاصة في حكم الحديث بناءً على قواعد علم الحديث
الرأي الراجح عند كثير من المحققين، ومنهم دار الإفتاء المصرية، أن الحديث يرتقي إلى درجة الحسن لكثرة طرقه وتعدد رواياته التي يقوي بعضها بعضاً. فكثرة الأسانيد، حتى لو كان في بعضها ضعف يسير، تدعم بعضها البعض وتجعل من الصعب الجزم بوضع الحديث أو شدة ضعفه، مما يرجح قبوله في فضائل الأعمال.
حتى على فرض ضعفه، فإن السلف اتفقوا على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وهذا ما أشار إليه الإمام ابن قدامة الحنبلي بقوله: “وإن فعلها إنسان فلا بأس؛ فإن النوافل والفضائل لا يُشْتَرَط صحة الحديث فيها”. هذا المبدأ الفقهي يوفر أساساً مشروعاً لممارسة الصلاة حتى لمن يميل إلى تضعيف حديثها، مما يوسع دائرة القبول لها في الممارسة العملية.
أما الاعتراض بأن كيفية الصلاة تخالف الصلوات المعروفة في هيئتها، فيُرد عليه بأن هناك صلوات أخرى بكيفيات مختلفة عن المعتاد، مثل صلاة الكسوف التي تتضمن ركوعين في كل ركعة، ولا أحد ينكرها. هذا يوضح أن التنوع في هيئات العبادات ليس بدعة إذا ثبت بدليل شرعي. كما أن تساهل ابن الجوزي في الحكم على الأحاديث بالوضع يُضعف من اعتباره في هذا الجانب.
حكم صلاة التسابيح في الفقه الإسلامي
تتأثر الأحكام الفقهية المتعلقة بصلاة التسابيح بشكل مباشر بالخلاف حول صحة الأحاديث الواردة فيها. وعلى الرغم من هذا الخلاف، فإن غالبية الفقهاء يميلون إلى مشروعيتها واستحبابها.
موقف جماهير العلماء من المذاهب الأربعة
القول بمشروعية هذه الصلاة واستحبابها هو ما نص عليه جماهير العلماء سلفاً وخلفاً، وهو ما عليه جماهير فقهاء المذاهب الأربعة المتبوعة. هذا الإجماع النسبي بين المذاهب يعكس قوة الأدلة التي استندوا إليها، أو تطبيقهم لمبدأ العمل بالضعيف في فضائل الأعمال.
فمن ذلك مذهب السادة الحنفية، حيث نص الإمام الكاساني في “بدائع الصنائع” على أن الأمة توارثتها. وجمهور الشافعية لم يمنعوا منها. ومن المالكية، يدل كلام ابن العربي على أنه لا يرى بها بأساً. أما الإمام أحمد بن حنبل، فرغم تردده الأولي في شأنها، يُنقل عنه أنه رجع إلى استحبابها، مما يشير إلى تطور موقفه بعد النظر في الروايات. إن هذا الارتباط الوثيق بين الحكم الفقهي ودرجة صحة الحديث يُظهر أن فهم علم الحديث ضروري لاستيعاب الأحكام الشرعية.
القول بالاستحباب والمشروعية
يُعدها كثير من المشايخ الكرام سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الحديث فيها صحيح أو حسن. ويعزز هذا الرأي أن العمل بها توارثه الصالحون بعضهم عن بعض عبر الأجيال، وهذا يقوي الحديث المرفوع ويشير إلى قبول الأمة لها. وقد ورد عن الإمام أبي عثمان الهيري قوله: “ما رأيت للشدائد والهموم والغموم مثل صلاة التسبيح” ، مما يدل على تجربته الشخصية وشهادة على عظيم نفعها.
القول بعدم المشروعية أو البدعية
في المقابل، أفتى بعض المشايخ الكرام في العصر الحديث ببدعية صلاة التسابيح، بناءً على أن الحديث الوارد فيها غير صحيح. ومن المعاصرين، ذهب الشيخ ابن باز إلى القول بعدم صحتها. هذا الرأي مبني بشكل أساسي على تضعيف الحديث أو الحكم عليه بالوضع، ويرى أصحابه أن ما لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند صحيح لا يجوز التعبد به.
قاعدة “لا يُنكَر المختلف فيه” وتطبيقها على هذه المسألة
تُقرر في قواعد الشريعة الإسلامية قاعدة عظيمة وهي: “إنما يُنكَر المتفق عليه ولا يُنكَر المختلف فيه”. هذه القاعدة لها تطبيقات عملية مهمة في التعامل مع المسائل الفقهية التي وقع فيها خلاف معتبر بين العلماء. لذلك، فإن من فعل هذه الصلاة وواظب عليها، خصوصاً في المواسم المباركة كليالي الجمعة وليالي العشر الأواخر من رمضان، فهو على خير وسنة ومتابعة لسلف الأمة وخلفها، فقهائها ومحدثيها. هذا الموقف يهدف إلى الحفاظ على وحدة الصف وتجنب التنازع.
وفي المقابل، من لم يفعلها تقليداً لمن ضعف حديثها وكره فعلها فلا حرج عليه، بشرط عدم الإنكار على من فعلها، لأنه لا إنكار في مسائل الخلاف. هذه القاعدة تساهم في تعزيز التسامح والقبول بين أفراد المجتمع المسلم، حيث تسمح بتعدد الممارسات العبادية ما دامت تستند إلى آراء فقهية معتبرة، وتمنع من تشتيت الناس واختلافهم بسبب مسائل الاجتهاد.
كيفية أداء صلاة التسابيح
تتميز صلاة التسابيح بكيفية أداء محددة ومفصلة، تتضمن عدداً كبيراً من التسبيحات الموزعة على أركان الصلاة المختلفة.
عدد الركعات والتسليمات
تُصلى صلاة التسابيح أربع ركعات. والراجح من أقوال أهل العلم أنها تُصلى متصلات بتسليمة واحدة في نهايتها. ومع ذلك، تجيز بعض الآراء أداءها بتسليمتين، أي ركعتين ثم تسليم، ثم ركعتين وتسليم آخر.
تفصيل التسبيحات في كل ركن من أركان الصلاة
يبلغ مجموع التسبيحات في الصلاة كلها 300 تسبيحة. وفي كل ركعة من الركعات الأربع، يتم تكرار التسبيحات الأربع (“سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”) 75 مرة. هذا العدد الكبير من التسبيحات يدل على أن الصلاة تهدف إلى غرس حالة عميقة من الذكر المستمر والتأمل في عظمة الله، مما يعزز الاتصال الروحي للمصلي.
تبدأ الصلاة بالنية واستحضارها، ثم تكبيرة الإحرام. في كل ركعة، يُقرأ بعد تكبيرة الإحرام الفاتحة وسورة من القرآن.
يتم توزيع التسبيحات في كل ركعة على النحو التالي:
- التسبيح قبل الركوع (في القيام): بعد الفراغ من القراءة وأنت قائم، تُقال التسبيحات الأربع 15 مرة.
- الركوع والتسبيح: بعد قول “سبحان ربي العظيم” ثلاث مرات، تُكرر التسبيحات الأربع 10 مرات.
- الرفع من الركوع والتسبيح: بعد قول “سمع الله لمن حمده” (وربنا لك الحمد)، تُكرر التسبيحات الأربع 10 مرات.
- السجود الأول والتسبيح: بعد قول “سبحان ربي الأعلى” ثلاث مرات، تُكرر التسبيحات الأربع 10 مرات.
- الجلوس بين السجدتين والتسبيح: بعد الدعاء المعتاد (مثل “رب اغفر لي وارحمني”)، تُكرر التسبيحات الأربع 10 مرات.
- السجود الثاني والتسبيح: مثل السجود الأول، بعد قول “سبحان ربي الأعلى” ثلاث مرات، تُكرر التسبيحات الأربع 10 مرات.
- الرفع من السجود الثاني (قبل القيام للركعة التالية): تُكرر التسبيحات الأربع 10 مرات.
هذا التوزيع الدقيق للتسبيحات يؤكد على الطبيعة الفريدة لهذه الصلاة، حيث أن العدد المحدد والتكرار المكثف يهدف إلى تحقيق أقصى درجات الذكر والخشوع.
السور المستحب قراءتها
يستحسن أن يقرأ في هذه الركعات الأربع بعد الفاتحة بسور مما جاء أنها تعدل نصف أو ثلث أو ربع القرآن، ليحصل المصلي على أكبر قدر من الثواب. ومن الأمثلة على هذه السور: في الركعة الأولى “الزلزلة”، وفي الثانية “الكافرون”، وفي الثالثة “النصر”، وفي الرابعة “الإخلاص”. هذا التوجيه يشير إلى أن الصلاة تجمع بين فضيلة التسبيح وفضيلة تلاوة القرآن الكريم، مما يضاعف الأجر المتحصل منها.
جدول: توزيع التسبيحات في الركعة الواحدة
يوضح الجدول التالي التوزيع التفصيلي للتسبيحات في كل ركعة من صلاة التسابيح، مما يسهل على المصلي تتبع العدد المطلوب في كل موضع:
موضع التسبيح (Position of Tasbih) | عدد التسبيحات (Number of Tasbihs) |
---|---|
بعد القراءة (في القيام) | 15 |
في الركوع (بعد تسبيح الركوع) | 10 |
بعد الرفع من الركوع | 10 |
في السجود الأول (بعد تسبيح السجود) | 10 |
في الجلسة بين السجدتين | 10 |
في السجود الثاني (بعد تسبيح السجود) | 10 |
بعد الرفع من السجود الثاني (قبل القيام) | 10 |
المجموع في الركعة الواحدة | 75 |
المجموع في أربع ركعات | 300 |
هذا التوزيع الدقيق للتسبيحات في كل ركن من أركان الصلاة يؤكد على الطابع الخاص لهذه العبادة، حيث أن الهدف هو تحقيق عدد معين من التسبيحات في كل ركعة، مما يميزها عن الصلوات الأخرى التي لا تحدد عدداً معيناً من الذكر في كل موضع.
فضائل وفوائد صلاة التسابيح
تُعرف صلاة التسابيح بفضائلها العظيمة وفوائدها الجليلة التي تشمل جوانب روحية ونفسية، مما يجعلها محط رغبة الكثيرين في التقرب إلى الله تعالى.
تكفير الذنوب
الحديث النبوي الشريف يذكر أن من فعلها غفر الله له ذنبه “أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته”. هذا الوصف الشامل للمغفرة يشمل جميع أنواع الذنوب، ويعد من أبرز الفضائل التي تميز هذه الصلاة. إن هذا الوعد بالمغفرة الشاملة يُعد حافزاً قوياً للمسلمين لأداء هذه الصلاة، حيث يمثل فرصة نادرة للتطهر من جميع الآثام والبدء بصفحة جديدة مع الله، مما يدل على عظيم رحمة الله وفضل هذه العبادة. لهذا السبب، تُعرف هذه الصلاة بـ “صلاة الغفران” و”صلاة التوبة”.
تفريج الكروب وقضاء الحاجات
تتجاوز فضائل صلاة التسابيح مجرد تكفير الذنوب لتشمل تفريج الكروب وتيسير الأمور الدنيوية. فقد ورد أنها مكفرة للذنوب، مفرجة للكروب، ميسرة للعسير، يقضي الله تعالى بها الحاجات، ويؤمن الروعات ويستر العورات. يربط هذا الفضل بين الجانب الروحي (مغفرة الذنوب) والجانب الدنيوي (تفريج الكروب وقضاء الحاجات). وقد قال الإمام أبو عثمان الهيري: “ما رأيت للشدائد والهموم والغموم مثل صلاة التسبيح”. هذا القول يؤكد على الأثر العملي لهذه الصلاة في حياة المسلم، حيث أن مغفرة الذنوب تؤدي إلى رضا الله تعالى، وهذا بدوره يزيل الهم والغم ويجلب السكينة والطمأنينة. هذا الترابط بين الصفاء الروحي والراحة النفسية يعكس فهماً عميقاً للعلاقة بين العبادة وحياة الإنسان.
وقت أداء صلاة التسابيح وتكرارها
تتميز صلاة التسابيح بمرونة في وقت أدائها، مع وجود توجيهات حول تكرارها، مما يجعلها متاحة للمسلم في أوقات مختلفة من حياته.
الأوقات المستحبة والمكروهة
يمكن أداء صلاة التسابيح في أي وقت من الليل أو النهار. وهذا يجعلها من “النفل المطلق” الذي لا يتقيد بوقت أو سبب معين، مما يوفر للمسلم مرونة كبيرة في أدائها متى شاء. ومع ذلك، تُكره الصلاة في الأوقات التي نهى عنها الشرع، وهي: بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس، ووقت استواء الشمس في كبد السماء (منتصف النهار)، وبعد صلاة العصر حتى غروب الشمس. هذا التحديد للأوقات المكروهة يضمن أن تظل الصلاة متوافقة مع الأحكام العامة للشريعة الإسلامية.
تكرارها في العمر (يومياً، أسبوعياً، شهرياً، سنوياً، مرة في العمر)
ورد في الحديث الشريف نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس حول تكرار هذه الصلاة، حيث قال: “إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة”. هذا التدرج في التوصية بتكرار الصلاة يدل على عظيم أهميتها وفضلها، وعلى مراعاة الشارع لقدرات الناس وطاقاتهم. إن مجرد أدائها ولو مرة واحدة في العمر يحقق فضلاً عظيماً، مما يجعلها في متناول كل مسلم، بغض النظر عن مدى التزامه اليومي بالنوافل. هذا التوجيه العملي يفتح باب الأجر الواسع أمام الجميع.
أداؤها في المواسم المباركة
يُستحب أداء صلاة التسابيح خصوصاً في المواسم المباركة، كليالي الجمعة وليالي العشر الأواخر من رمضان. ففي هذه الأوقات الفاضلة، يتضاعف الأجر والثواب، ويزداد الإقبال على العبادات، مما يجعل أداء صلاة التسابيح فيها فرصة عظيمة لتحصيل المزيد من المغفرة والرحمة.
أحكام متفرقة ومفاهيم خاطئة
تثار حول صلاة التسابيح بعض الأحكام المتفرقة والمفاهيم الخاطئة التي تحتاج إلى توضيح لضمان فهمها الصحيح وممارستها وفقاً للضوابط الشرعية.
حكم صلاتها جماعة
يجوز أداء صلاة التسابيح منفردًا أو في جماعة. وعلى الرغم من أن غالبية النوافل تُصلى فرادى، إلا أن أداء صلاة التسابيح جماعة أمر جائز، وقد جرت العادة بصلاتها جماعة في ليالي المواسم المباركة، مثل ليلة السابع والعشرين من رمضان. إن إجازة صلاتها جماعة تضفي عليها بعداً مجتمعياً، حيث يمكن للمسلمين أن يجتمعوا على هذا الذكر العظيم، مما يعزز الروابط الإيمانية ويشجع على العبادة الجماعية في أوقات الفضل.
الفرق بينها وبين قيام الليل والتهجد
من المهم التمييز بين صلاة التسابيح وبعض المصطلحات الأخرى المتعلقة بالصلوات النوافل الليلية. صلاة التسابيح هي نوع من أنواع النفل (الصلوات المسنونة) التي يمكن أداؤها في أي وقت من الليل أو النهار. أما قيام الليل، فهو مصطلح أعم يشمل جميع الصلوات النوافل التي تُصلى في الليل، من بعد المغرب حتى الفجر. ويُعد التهجد نوعاً خاصاً من قيام الليل يكون بعد نوم، أي أن المسلم يصلي العشاء وينام ثم يستيقظ ليصلي.
صلاة التسابيح يمكن أن تكون جزءاً من قيام الليل أو التهجد إذا أُديت في أوقاتهما، ولكنها ليست مرادفة لهما. هذا التوضيح يمنع الخلط بين المفاهيم ويضمن فهم كل عبادة على حدة بخصائصها وأحكامها، مع إدراك إمكانية تداخلها في الأداء الزمني.
توضيح بعض المفاهيم الشائعة حولها
- ادعاء البدعية: يدعي بعض الناس أن صلاة التسابيح بدعة وضلالة وأن حديثها مكذوب وموضوع. هذا الادعاء غالباً ما ينبع من عدم الإلمام بتفاصيل الخلاف العلمي حول الحديث أو من تبني رأي واحد في المسألة.
- الرد على ادعاء البدعية: هذا الادعاء غير صحيح عند جمهور العلماء، فالحديث فيها صحيح أو حسن، وقد عمل بها السلف الصالح وواظبوا عليها. إن الاستناد إلى رأي جمهور العلماء وعمل السلف يطمئن الممارس ويرد على شبهة البدعة.
- عدم الإنكار في مسائل الخلاف: من القواعد الشرعية الراسخة أنه لا يجوز الإنكار على من فعلها أو تركها، لأنها من المسائل المختلف فيها بين العلماء. هذه القاعدة تهدف إلى الحفاظ على الألفة بين المسلمين وتجنب النزاعات غير المبررة في المسائل الاجتهادية.
- التساهل في الحكم على الحديث بالوضع: يُلاحظ أن الإمام ابن الجوزي الذي أدرجها في الموضوعات معروف بتساهله في الحكم على الحديث بالوضع. وهذا يقلل من قوة حجته في هذا الجانب، ويُعيد الاعتبار لآراء من صححوا الحديث أو حسّنوه.
- أهميتها للشدائد والهموم: تُعتبر صلاة التسابيح وسيلة فعالة لتفريج الشدائد والهموم والغموم، لما فيها من مغفرة للذنوب. هذا الجانب العملي من فضائلها يجعلها ملاذاً للمكروبين وطالبي الفرج من الله تعالى.
الخاتمة والتوصيات
تُشكل صلاة التسابيح نموذجاً بارزاً للعبادات النفلية التي تُظهر عمق التراث الفقهي والحديثي في الإسلام، وتنوع سبل التقرب إلى الله تعالى.
تلخيص لأهم النقاط المستخلصة
صلاة التسابيح هي صلاة نافلة ذات فضل عظيم، تتميز بكثرة التسبيحات فيها، حيث يبلغ مجموعها 300 تسبيحة موزعة على أربع ركعات بهيئة مخصوصة. على الرغم من وجود خلاف علمي حول صحة حديثها، فإن جمهور المحدثين والفقهاء يرون أن الحديث يرتقي إلى درجة الحسن أو الصحة، وأن الصلاة مشروعة ومستحبة. تشمل فضائلها مغفرة الذنوب جميعها، وتفريج الكروب، وقضاء الحاجات، وتيسير العسير. يمكن أداؤها في أي وقت من الليل أو النهار باستثناء أوقات الكراهة، ويُستحب المواظبة عليها ولو مرة في العمر، وتتأكد أهميتها في المواسم المباركة.
نصيحة للمسلم في التعامل مع المسائل الخلافية
يجب على المسلم أن يعي أن التنوع في الفقه الإسلامي يمثل رحمة وسعة للأمة، وأن الاختلاف في بعض المسائل هو جزء طبيعي من طبيعة الاجتهاد البشري في فهم النصوص الشرعية. في المسائل المختلف فيها، مثل صلاة التسابيح، لا ينبغي الإنكار على من يعمل برأي فقهي معتبر، ولا على من يتركه، فلكل مجتهد أجره ووجهته. هذا المنهج يعزز الوحدة والتعاون بين المسلمين، ويحول دون تشتيت الصفوف بسبب مسائل الاجتهاد.
الأصل في المسلم هو الاجتهاد في العبادة والسعي لرضا الله تعالى بكل ما ثبت لديه من أدلة، مع التزام الأدب والاحترام بين المسلمين، والبعد عن التعصب والتشدد. إن العمل بحديث صلاة التسابيح مستحب عند جمهور العلماء، ومن أراد الفضل العظيم الموعود بها فليحرص عليها، ومن لم يفعل فلا حرج عليه، ما دام ذلك مبنياً على قناعة فقهية معتبرة. هذا التوازن بين الترغيب في العبادة واحترام الاختلاف الفقهي يعكس حكمة الشريعة ويسرها.
المصادر المقتبَس منها
فضيلة الشيخ الدكتور محمد حسان – YouTube