كتب : فيصل الشبيبي ( صحفي يمني )
الأستاذة / سامية العنسي، ابنة الشاعر الكبير / محمد ناصر صَبِر المعروف بشاعر الثورة، غنيةٌ عن التعريف كونها أحد الأصوات الإذاعية المرموقة على مدى عقود، فقد عرفها السواد الأعظم من أبناء الشعب اليمني من خلال إذاعة صنعاء العريقة، حيث كانت من أبرز مذيعيها ومُقدمي البرامج فيها.
ومن الواجب إنصافها، خاصةً مني كأحد تلاميذها، حيث تشرفت بالتعرف عليها إلى جانب كبار هامات الإذاعة، مطلع الألفية عقب التحاقي بالعمل في إدارة الأخبار.
كانت إذاعة صنعاء، مدرسة لكل من حالفه الحظ والتحق بها، وكانت أيضاً قلعة من قلاع الإعلام اليمني والعربي، والأستاذة سامية العنسي، إحدى أركان هذه القلعة.
لها من اسمها نصيب، فمن يعرفها عن قُرب، يعرف سمو وجمال روحها واعتدادها بنفسها، وكذلك بأخلاقها العالية وتواضعها الجمّ، وحرصها على عملها واحترامها لجمهورها، حيث نذرت عمرها للناس وخدمة لمهنتها التي آمنت بقدسية رسالتها، وظلّت تحلِّق بصوتها الساحر ومعلوماتها الثرية ولُغتها الجميلة على مدى عقود، وما أجمل حين تستهل النشرة أو البرنامج بجملة (هنــا صنعـــــاء، إذاعــة الجمهـوريـة اليمنيــة).
كل يوم سبت، كانت الأستاذة سامية تقرأ نشرة أخبار الساعة الثالثة عصراً، ولأن مُذيعي الأخبار كانوا يحترمون المهنة والمستمع، ومن حرصها على عملها وحبها واحترامها له، تحضر قبل النشرة بنصف ساعة، على أقل تقدير، تُراجعها خبراً خبراً معنا في الإدارة، وفي أحيان كثيرة يدور بيننا في هيئة التحرير وبين مذيع النشرة نقاشات طويلة سواءاً لُغوية أو موضوعية، حتى يذهب المذيع إلى الاستوديو ويقرأ النشرة دون أخطاء.
كانت الأستاذة سامية، متمكنةً لغوياً – نحواً وصرفاً -، ومع ذلك تحترم كل من حولها بتواضع العالِم الذي لا يدّعي الكمال فتسأل أحياناً نادرة، وتُجيب في الغالب عن كل استفسار.
تشرّبت العمل الإذاعي منذ نعومة أظافرها، حيث شاركت في تقديم برامج الأطفال في إذاعة تعز، قبل انتقالها إلى صنعاء في العام 1977 م، واكتسبت خبرة كبيرة من والدها المرحوم الشاعر / محمد ناصر صبر في فن الإلقاء.
مواقف كثيرة جمعتنا مع الأستاذة سامية وعشرات الأساتذة والزملاء الأعزاء، لن تُنسى، بعضها طريف وبعضها إنساني، حيث كان موظفو الإذاعة رغم أن عددهم يتجاوز الـ 300، إلاّ أنهم كالأسرة الواحدة، يتشاركون الأفراح والأتراح.
سألتها ذات يوم، لماذا تقوم بتشكيل النشرة رغم خبرتها التراكمية الطويلة وتمكُنها من اللغة؟.
أجابت : إن من لا يحترم المستمع، لا يحترم نفسه، وإن المذيع الناجح هو من يراجع نشرته ولا يستهين بمستمعيه أو مُشاهديه، إضافةً إلى أن المراجعة تجعله يتدارك الوقوع في أي خطأ لُغوي أو إملائي أو من حيث الصياغة، قد يقع فيه المحرر بقصد أو بجهل منه.
كانت أيضاً تقدم عدداً من البرامج، من بينها الفترة المفتوحة الصباحية، إلى جانب عدد من المذيعين المُميّزين أمثال الأستاذ علي أحمد السياني والأستاذ عبد الباسط المبرزي رحمه الله والأستاذ عبد الوهاب الذاري رحمه الله والأستاذ محمد علي الشرفي وغيرهم من الأسماء المرموقة، وكانت تلك البرامج غنية بالمعلومات والمعارف في كل المجالات الدينية والثقافية والأدبية والفنية والتكنولوجية والزراعية وغيرها، زرعوا من خلالها الحب ونثروا الوفاء، أوصلوا المعلومة بكل سلاسة، صنعوا مجداً لهم ولجمهورهم.
كان الهم الأول والأخير عند المذيعين والمعدين والمحررين والفنيين، هو الإبداع والتميز لا سواه، لأن كل شخص يشعر بحجم المسؤولية المُلقاة على عاتقه، ويشعر برقابة ذاتية قبل الرقابة الإدارية، لذلك يعمل بضمير واحترام للمستمع قبل غيره، والأستاذة سامية في مقدمة هؤلاء المبدعين الأوفياء الكرام، فلها كل التحية والتقدير والاحترام.
