راجح بن غالب لبوزة.. الشرارة التي أشعلت ثورة وأسقطت إمبراطورية

من يتيم دبسان إلى أسطورة التحرير
في جبال ردفان الشامخة، حيث تنسج أساطير الرجال، وُلِدَ راجح بن غالب لبوزة (1917-1963) ليكون مصباحاً ينير درب الثورة. نشأ يتيماً في قرية دبسان، لكن صقل شخصيته القيادية التي ستصبح لاحقاً أول شرارة في ثورة 14 أكتوبر المجيدة.
راجح بن غالب لبوزة مسيرة نضالية من ردفان إلى صنعاء
لم يكن لبوزة مجرد مقاتل عابر، بل كان استراتيجياً ثورياً سبق عصره:
- 1942م: قاد أولى الهجمات المسلحة ضد ثكنات “جيش شبره” البريطاني في ردفان.
- 1962م: انضم إلى ثورة 26 سبتمبر في الشمال، حيث قاد مجموعة من 150 مقاتلاً من ردفان إلى جبهات القتال في إب والحديدة.
- 1963م: عاد إلى ردفان حاملاً خبرته القتالية، ومسلحاً بإيمان الثوار لبدء المعركة الحاسمة.
14 أكتوبر 1963.. راجح لبوزة ورفاقه يصنعون اليوم الذي هزّ عرش بريطانيا
في ليلة تاريخية، اجتمع لبوزة مع 70 من رجاله الأبطال بعد أن اعتقل البريطانيون أحد رفاقه. عند الفجر، انطلقت أول رصاصة ثورة من جبال ردفان، لتبدأ أعظم ملحمة تحرير في جنوب الجزيرة العربية.
مواضيع ذات صلة: محمد قحطان السيرة الذاتية لسياسي خلف القضبان
وفي ظهيرة ذلك اليوم المشهود، استشهد لبوزة بعد إصابته بشظية مدفعية اخترقت قلبه. لكن رصاصته الأولى كانت قد أحدثت صدعاً في جدار الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
إرث لا يموت.. من ردفان إلى كل اليمن
م تمت أفكار المناضل لبوزة بـرحيله الجسدي، بل امتد تأثيره وتحول إرثه الخالد إلى:
- نبراساً ورمزاً حياً للثورة الجنوبية الذي ألهم أجيالاً من ثوار الجنوب الأحرار ومقاتلي الحرية.
- نموذجاً للقيادة الفذة والقدوة الحسنة للقائد الذي ضحى بدمه الزكي فداءً للوطن ليشعل لهيب الثورة ضد الظلم والاستعمار.
- أسطورة بطولية شعبية راسخة في الذاكرة الجماعية، تُروى بفخر في ساحات العز والفداء والمقاهي، كتجسيد للشجاعة والإقدام.
اليوم، وحتى بعد عقود طويلة (أكثر من 60 عاماً بحسب التاريخ الحالي 2025) على استشهاده، تبقى كلماته ومبادئه الثورية الخالدة، وخاصة مقولته الشهيرة المُلهمة: “الثورة لا تحتاج إلى عدد، بل إلى إرادة وتصميم“، تتردد بقوة في كل مناسبة وطنية وتجمع شعبي، مؤكدةً أن تضحيات وبطولات رجال من طراز لبوزة، أصحاب العزيمة الصلبة، هي ما يصنع أمجاد الأوطان ويرسم ملامح مستقبلها المشرق.
“لبوزة لم يمت.. إنه يعيش في كل حجر ألقي على دبابة بريطانية، وفي كل رصاصة أطلقت نحو محتل، وفي كل قلب ينبض بحب الوطن.”
راجح بن غالب لبوزة – مفجر شرارة ثورة 14 أكتوبر
لا تُذكر ملحمة ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، ثورة التحرير الوطني الأبرز في جنوب اليمن ضد الاستعمار، حتى يقفز إلى الذاكرة أول اسم ورمز وشهيد للوطن فيها، وهو البطل القومي الشهيد غالب راجح لبوزة.
مواضيع ذات صلة:- علي سالم البيض.. مسيرته ورحلته السياسية
هو أيقونة الثورة، ثائر ومناضل من أجل الاستقلال وشخصية اجتماعية بارزة.. من مواليد مديرية ردفان بمحافظة لحج، يعد أحد أبرز قادة الكفاح المسلح في ثورة 14 أكتوبر ومفجر شرارة المقاومة الشعبية ضد المحتل البريطاني.
نشأ يتيماً في منطقة دبسان، لكن ذلك صقل إرادته للنضال. شارك بفعالية في أحداث ثورة 26 سبتمبر الجمهورية في شمال اليمن، وبعد اكتساب الخبرة القتالية هناك، عاد إلى موطنه في جنوب اليمن المحتل واستقر في ردفان ليقود العمل الثوري.
ومن هناك، أشعل مع رفاقه الأبطال شرارة الانتفاضة الكبرى، ثورة 14 أكتوبر، في صباح 14 أكتوبر 1963، ليسقط شهيداً خالداً في أول ساعات المواجهة العسكرية ضد القوات البريطانية المحتلة.
بدأ لبوزة مشواره الثوري الكفاحي والنضالي مبكراً بتشكيل نواة لخلايا سرية للمقاومة من أبناء ردفان وتعبئتهم لمقارعة المستعمر البريطاني، ورغم أنها كانت جماعات غير منظمة في مراحلها الأولى، إلا أنها شكلت بداية فعلية للانتفاضات الأولى ضد سلطات الاحتلال البريطاني. وبالفعل، كان باكورة عملها المسلح في عام 1942م عبر هجمات جريئة ضد ثكنات عسكرية لجيش شبره التابع للإدارة الاستعمارية للقوات البريطانية في منطقة ردفان الحصينة.
دوره في دعم ثورة 26 سبتمبر
في عام 1962، بادر راجح لبوزة، بالتعاون مع آخرين من أبناء منطقته، إلى تكوين مجموعة من الشباب المتبرعين، وذلك بهدف القتال في صف ثورة 26 سبتمبر والدفاع عنها. وبالفعل، كونوا مجموعة كبيرة من أبناء ردفان توجهت بدايةً إلى قعطبة، حيث بلغ عددهم حوالي «150» شخصاً. من هناك، تم ترحيلهم أولاً إلى إب، ومن ثم إلى الحديدة. أخيراً، وعند وصولهم إلى الحديدة، سلّمت لهم أسلحة شخصية وذخيرة تجهيزاً لهم.
واصل لبوزة المسير من الحديدة إلى منطقتي عبس برفقة قائد لواء إب الشهيد المقدم أحمد الكبسي، وعند وصولهم كان في استقبالهم هناك قائد القوات المصرية المرابطة في عبس والمحابشة. بعد ذلك، تم تمركز القوة التي كان يقودها الشهيد لبوزة في المحابشة في منطقة الوعلية والمفتاح.
العودة الى ردفان
لما اجتمع الرئيس قحطان ورفاقه بالسلال تم الاتفاق على عودة لبوزة من المحابشة إلى ردفان مسلحين بأسلحة مختلفة.
ولما علم الانجليز بعودته كتبوا إليه يطلبون إليه تسليم نفسه ومجموعته فرفض.
وفي 13 أكتوبر بعد ذلك يوم 13 أكتوبر تحركت القوات البريطانية في وادي المصراح، واخترقوا الوادي، فاعتقلوا واحداً من زملاء الشهيد لبوزة وهو أحمد مقبل عبدالله بعد أن قاموا بمهاجمته فأخذوا سلاحه وصادروه واحتجزوه. ولما وصل الأمر لراجح لبوزة اجتمع ب70 من الثوار ليلاً كون من خلالها العديد من المجموعات النضالية الثورية.
بعد أن حرك الجيش الإنجليزي قواته، سرعان ما بدأت المعركة بإطلاق النار بين الجانبين. لاحقاً، وفي الساعة الحادية عشرة ظهراً تحديداً، أصيب موقع لبوزة بخمس طلقات مدفعية ثقيلة. ونتيجة لذلك، أصابته منها شظية في الجانب الأيمن تحت الإبط. والتي بدورها اخترقت جسده حتى الجانب الأيسر على موقع القلب، مما أدى إلى ارتقائه شهيداً في يوم 14 أكتوبر 1963.
في أعقاب استشهاده، عمت الثورة بعد ذلك كثيراً من مناطق الجنوب اليمني واستمرت حتى العام 1967.
شاهد فيديو لدور الشهيد راجح بن غالب لبوزة في اشعال ثورة 14 اكتوبر المجيدة.