دعاء العام الهجري الجديد : تجديد للعهد ورجاء للمغفرة وباب للأمل

مع كل نهاية عام وبداية عام جديد يتساءل البعض عن دعاء العام الهجري الجديد، حيث تتجدد في نفوس المسلمين الرغبة في التضرع إلى الله تعالى، طالبين منه الخير والبركة، والعفو والمغفرة. يُعدّ دعاء العام الهجري الجديد من الشعائر الروحية التي يُقبل عليها الكثيرون، مستلهمين من هذه المناسبة الفرصة لمراجعة الذات، وتجديد العهد مع الخالق، والتطلع إلى مستقبلٍ أفضل. هذه الأدعية، التي وإن لم يرد فيها نصٌ خاصٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنها تندرج تحت عموم استحباب الدعاء والذكر في كل حين، وتُشكل بلسماً للقلوب المتطلعة إلى رحمة الله وفضله.

جوهر دعاء العام الهجري الجديد: الأمل في العوض والفرج

تتسم غالبية أدعية العام الهجري الجديد بروح الأمل والتفاؤل، وتُركز على طلب العوض الإلهي والفرج بعد الشدة. إنها تعبيرٌ عن حاجة الإنسان الفطرية إلى اللجوء إلى خالقه في كل أحواله، مُسلماً أمره إليه، ومُوقناً بقدرته على تغيير الأحوال من حالٍ إلى حال.

مواضيع ذات صلة: دعاء اول جمعة في السنه الهجرية

طلب العوض والفرج وتيسير الأمور

يُبرز دعاء العام الهجري الجديد تطلعات المسلم نحو مستقبلٍ يحمل الخير والنماء، ويُجنبه الشرور والمحن. من أبرز هذه الأدعية:

دعوات شاملة لمختلف جوانب الحياة

يتضمن دعاء العام الهجري الجديد مجموعة واسعة من الطلبات التي تلامس حاجة الإنسان في دينه ودنياه وآخرته:

أصالة دعاء العام الهجري الجديد في التراث الإسلامي: بين الإجازة والتحذير

تثار أحياناً تساؤلات حول مشروعية أدعية خاصة ببداية العام الهجري، وما إذا كانت تُعتبر من البدع. للرد على ذلك، يمكن الرجوع إلى أقوال العلماء والمشايخ الذين تناولوا هذه المسألة.
أدعية الصالحين ومُجرَّبَاتهم: إجازة العلماء
يُذكر أن “دعاء أول العام ودعاء آخره” هما من أدعية الصالحين ومُجرَّبَاتهم، وقد استُحسنا وأُثرا عن مشايخ السادة الحنابلة منذ نحو ألف سنة. كان الإمام الولي الصالح أبو عمر المقدسي محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي (ت 607هـ)، أخو الإمام العلامة الموفق بن قدامة صاحب “المغني”، يُوصي بهما ويُعلِّمهما وينقلهما عن مشايخه.
وقد ذكر العلامة المؤرخ شمس الدين أبو المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في تاريخه “مرآة الزمان” أن شيخه علَّمه دعاء السنة، قائلاً: “ما زال مشايخنا يواظبون على هذا الدُّعاء في أوَّل كلِّ سنة وآخرها، وما فاتني طول عمري: أما أوَّل السنة فإنَّك تقول: اللهم أنتَ الأبدي القديم، وهذه سَنَةٌ جديدة، أسألك فيها العصمة من الشيطان وأوليائه، والعَوْنَ على هذه النَّفْس الأمَّارة بالسُّوء، والاشتغال بما يقرِّبُني إليك يا ذا الجلال والإكرام”. ويُعتقد أن هذا الدعاء له أثرٌ في إبعاد الشيطان، حيث يقول: “قد آيسنا مِنْ نفسه فيما بقي، ويوكل الله به ملكين يحرسانه”.
منذ ذلك الحين، تناقل أهل العلم من مختلف المذاهب هذه الأدعية ووصوا بها في أذكار العام دون نكير. هذا يُشير إلى قبولٍ واسعٍ لهذه الأدعية ضمن سياق الأدعية المطلقة غير المقيّدة بنصوصٍ نبويةٍ خاصةٍ لكل مناسبة.

الرد على دعوى البدعة: سعة الشرع وحكمة التنظيم

يرى بعض أهل العلم أن دعوى بدعية أدعية أول العام وآخره هي بحد ذاتها بدعة، لأنها تُحرم المسلمين من تحويل الأوامر الشرعية المطلقة إلى برامج عمل يومية أو أسبوعية أو شهرية أو سنوية أو موسمية. فالإسلام حثّ حثًّا مطلقاً على الدعاء، والأمر المطلق يقتضي عموم الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.
إن منع المداومة على الخير والتنظيم في العبادة هو ضربٌ من ضروب الجهل والصدّ عن ذكر الله تعالى. فلو تُرِك الناس دون هذه الترتيبات الموسمية، لأدَّى ذلك إلى الغفلة. والناهي عن ذلك قد سنَّ سنة سيئة في المنع من فعل الخير وتنظيمه والمداومة عليه، مُخالفاً بذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن عمله كان ديمة، ومن أن أحب الأعمال إلى الله أدومها.
كما أن هذه الفتاوى الباطلة التي تطعن في الأدعية الجليلة وتصفها بالبدعة، بدعوى أنها لم ترد في السنة، هي فتاوى مبتدعة لم يقل بها أحد من علماء الأمة، وتستلزم الطعن على علماء الأمة وصلحائها وسلفها وأئمتها، وهو ما يسعى إليه الأعداء لإبعاد المسلمين عن تراثهم وإفقادهم الثقة في أئمتهم الهداة.

أدعية مستحبة للعام الهجري الجديد: متنوعة وشاملة

بالإضافة إلى الأدعية المذكورة، هناك العديد من الأدعية المستحبة التي يمكن للمسلم أن يتضرع بها في العمل الهجري الجديد، سواء كانت عامة أو مُخصصة لأول جمعة من محرم:
أدعية عامة للعام الهجري الجديد

أدعية أول جمعة في السنة الهجرية

تُستحب أيضاً أدعية خاصة بأول جمعة من شهر محرم، وهي أدعية عامة جامعة لخيري الدنيا والآخرة:

شهر المحرم وفضله: بداية مباركة للعام الهجري

شهر المحرم هو أول أشهر العام الهجري، ويُعدّ من الأشهر الحُرم الأربعة التي اختصها الله تعالى بالفضل والشرف. ففيه يُعظم الأجر على الطاعات ويُعظم الوزر على المعاصي.

فضل الصيام في المحرم

يُستحب الصيام في شهر المحرم، خاصةً صيام يوم عاشوراء (العاشر من المحرم) ويوم تاسوعاء (التاسع من المحرم) مخالفةً لليهود. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: “أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل” (رواه مسلم). ويُستحب الصيام في أوله ووسطه وآخره، لعموم فضل الصيام في الأشهر الحرم.

التهنئة بالعام الهجري الجديد: مشروعية وفائدة

تُعدّ التهنئة بقدوم العام الهجري الجديد من الأمور المشروعة والمستحبة عند جمهور العلماء. فالتهنئة تُشرع عند حصول النِّعم وذهاب النِّقم، وبداية العام تتجدد فيها نعمة الحياة على كل إنسان. كما أن التهنئة بقدوم العام الهجري تُحيي ذكرى هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته رضي الله عنهم، وما فيها من معانٍ ساميةٍ وعبرٍ نافعةٍ تُجدد الإيمان وتُلهم الهمم.

دعاء العام الهجري الجديد لحفظ الأهل والأحباب وتحقيق الطموحات

من أهم جوانب دعاء العام الهجري الجديد هو طلب حفظ الأهل والأحباب وتحقيق الرغبات والطموحات. فالإنسان لا يعيش بمفرده، ويتأثر بمن حوله، ويسعى دوماً للتقدم في الدنيا والآخرة.

خاتمة: عامٌ جديد بقلبٍ جديد

إنَّ دعاء العام الهجري الجديد ليس مجرد كلمات تُردد، بل هو حالةٌ روحيةٌ من التضرع والخشوع، وتجديدٌ للعهد مع الله تعالى. إنها فرصةٌ لوداع عامٍ بما فيه من خيرٍ وشرٍ، واستقبال عامٍ جديدٍ بقلبٍ مُقبلٍ على الطاعة، ونفسٍ مُتطلعةٍ إلى المغفرة والرضا. في هذا العام الجديد، نسأل الله أن يجعله عام خيرٍ وبركةٍ، وأن يُحقق لنا فيه ما نتمنى، وأن يُعيننا على ذكره وشكره وحُسن عبادته، إنه وليّ ذلك والقادر عليه.

Exit mobile version