يجيب هذا المقال عن استفسار الكربي وش يرجع ونسب قبيلة الكرب وأصلها وتواجدها الجغرافي في الجزيرة العربية، بالإضافة إلى التعريف عن تاريخها وتراثها القبلي الاصيل.
قبائل الجزيرة العربية تحمل في أنسابها أسرار تاريخ منسيّ، وأسماء عائلات تختزل حكايا هجراتٍ وحروبٍ وتحالفات. ومن بين الألقاب التي تثير حيرة النسّابين ويشتد حولها الجدل، يأتي لقب “الكربي” كشاهد على تعقيد النسيج القبلي في جنوب الجزيرة. فهل هم فرعٌ من سبيع النجدية؟ أم أبناء حمير اليمنية الأصيلة؟ أم قبيلةٌ مستقلة بذاتها؟ هذا اللغز الذي حيّر المؤرخين ليس مجرد سؤال عن نسب، بل هو بوابة لفهم تحولات سياسية وديموغرافية كبرى شهدتها المنطقة.
عندما يصبح اللقب لغزاً أنثروبولوجياً
في البوادي الممتدة بين حضرموت وشبوة، حيث تتلاطم رمال الربع الخالي بجبال اليمن الشاهقة، تتردد أصداء اسم “الكربي” بين أطلال القرى القديمة ومخيمات البدو الرحل. هذا اللقب الذي يحمله آلاف العائلات اليوم ليس مجرد هوية عائلية، بل هو حقل ألغام تاريخي. فما إن تبدأ برحلة البحث عن أصولهم حتى تجد نفسك في متاهة من الروايات المتضاربة، والمخطوطات المتناثرة، وشهادات الرحّالة التي لا تكتمل. السؤال “الكربي وش يرجع” يفتح صندوقاً من الأسئلة الأعمق: كيف تضيع أنساب القبائل؟ ولماذا تختلف الروايات إلى هذا الحد؟ وما سر الارتباط الأسطوري بين الكربي وجيرانهم “الصيعر” الذي جعل العرب تقول: “الكرب والصيعر” كأنهما جسد واحد؟
الفصل الأول: رحلة في متاهات النسب – ثلاث روايات متصارعة
الرواية الأولى: أبناء البادية الأحرار (نظرية الاستقلال القبلي)
يرى أنصار هذه النظرية أن الكرب “قبيلة أصل لا فرع” ، نشأت ككيان مستقل في قلب الصحراء اليمنية. فهم جزء من تحالف قبلي عريق يُعرف بـ “بلعبيد” (أو بني العبيد)، لكن هذا لا يعني انصهارهم في كيان آخر. دليلهم الأقوى هو الاستقلال السياسي والاجتماعي الذي حافظت عليه القبيلة عبر القرون، حيث كانت لها مشيختها الخاصة وأرضها المحددة وقوانينها العرفية. يصفهم الرحالة “نزيه مؤيد العظم” في مذكراته:
“سكان الكرب أشداء أقوياء، والفوضى ضاربة عندهم لغياب المرشدين الدينيين، لكنهم يحكمون أنفسهم بعصبية قبلية صارمة”.
وهو ما يؤكده تقسيمهم الداخلي المحكم إلى سبع عشائر كبرى، لكل منها شيخها ونظامها.
الرواية الثانية: الدم الحميري الملكي (الانتساب إلى حمير أو كندة)
تقول هذه المدرسة إن جذور الكربي تمتد إلى مملكة حمير العظيمة أو قبيلة كندة المالكة. يستند المؤيدون إلى عوامل عدة:
- الموقع الجغرافي: فمناطق انتشارهم (شبوة، حضرموت) هي قلب أراضي حمير التاريخية.
- المفردات اللغوية: بعض مصطلحاتهم المحلية تحمل آثار لغة حمير القديمة.
- الشواهد الشعرية: في الموروث الشعبي اليمني إشارات إلى “كرب حمير”.
لكن المعضلة هنا أن كتب أنساب حمير وكندة المفصّلة لم تذكر “الكرب” كفرع مباشر، مما دفع البعض للقول إنهم حلفاء قديمون لهذه القبائل، لا أبناءً لها.
الرواية الثالثة: الصلة النجدية المثيرة للجدل (الفرع السبيعي النازح)
هذه الرواية الأكثر إثارة للجدل تُصر على أن الكرب “فرع من سبيع” نزح من نجد إلى اليمن. القصة المتداولة تقول:
“غادر الأسود الكربي (الجد المؤسس) رنية في نجد باحثاً عن مراعي جديدة مع إخوته. وعند وصولهم اليمن، قرر الاستقرار هناك بينما عاد إخوته”.
ويستدل أصحاب هذه النظرية بـ:
- التشابه في الأسماء بين عشائر سبيع والكرب.
- وجود عائلات تحمل لقب “الكربي” في نجد حتى اليوم.
- كتابات بعض المؤرخين مثل الذي ذكر في نصك: “قبيلة الكرب فرع نازح من سبيع”.
لكن المفارقة أن كبار مشايخ الكرب اليوم ينكرون هذه الصلة جملة وتفصيلاً!
الفصل الثاني: التشريح القبلي – عشائر الكرب ومشايخهم
التركيبة الداخلية: سبع عشائر كبرى تشكل النواة الصلبة
قبيلة الكرب ليست كتلة واحدة، بل هي اتحاد قبلي معقد يتكون من سبع عشائر رئيسية، لكل منها وزنها وقوتها:
- آل مسفر:
العمود الفقري للقبيلة، زعامتهم في آل حسن، وأشهر شيوخهم مبخوت بن عسكر الكربي (الملقب بالنوفي) الذي خلف أباه شيخ شمل القبيلة. - آل عويرة:
تُعرف بالحكمة السياسية، زعامتهم في آل قطيان، ويترأسهم الشيخ مفرج بن حمد بن بقصة. - آل جعيول:
أصحاب الأرض والمراعي، زعامتهم في آل زيد، ويقودهم الشيخ حمد بن ناصر بن زيد. - القعطة:
فرسان القبيلة وحماة الحدود، شيوخهم من آل مخيريان، وأبرزهم الشيخ علي بن مبخوت مخيريان. - آل باثنية:
يشملون عائلات النخبة (آل المكرمي، آل عوض، آل راشد، آل العرمي)، الزعامة لـ دار المكرمي. - المطاحلة:
خبراء تربية الإبل، ومنهم آل غانم. - الحولان:
حراس التقاليد والعادات البدوية الأصيلة.
نظام الحكم: شيخ الشمل ومجلس العرفاء
على رأس الهرم يقف شيخ شمل الكرب (مبخوت بن عسكر حالياً) لكن سلطته ليست مطلقة. فكل عشيرة لها استقلالها الداخلي، والقرارات الكبرى تُتخذ في “المجلس العام” الذي يضم:
- شيوخ العشائر السبعة.
- كبار العرفاء (حكماء القبيلة).
- ممثلين عن “عيال الأسود” (الفرع المؤسس).
الفصل الثالث: الجغرافيا والتاريخ – من حضرموت إلى الخليج
القلب النابض: أرض الكرب في اليمن
تمتد ديارهم التاريخية وفقاً لخرائط الرحالة:
- الحدود: من غرب عبيدة ودهم إلى شرق نهد، ومن جنوب بلعبيد جبل سلم إلى شمال الصيعر.
- الإحداثيات: بين خطي عرض 15° – 16.30° شمالاً، وخطي طول 47.10° – 48.30° شرقاً.
- الطبيعة: أرض رملية وجبلية مختلطة، ذات مراعي واسعة إذا أمطرت، كما وصفها الرحالة البصراوي:
“آكام من الرمال تنبت الزهر (مرعى الإبل) والعلقا والثمام، كأنها بساط أخضر مفاجئ وسط الصحراء”.
البطولات التاريخية: يوم وقف الكرب مع الكثيري
سجل التاريخ دورهم المحوري في معركة 1263هـ/1847م حين حشد المقدم علي بن قطيان الكربي رجال القبيلة لدعم السلطان عبود بن سالم الكثيري ضد قبيلة يافع. هذه المشاركة لم تكن عسكرية فقط، بل كانت تأكيداً على مكانتهم السياسية كقوة إقليمية فاعلة.
الهجرات الحديثة: الانتشار في الخليج
لم تقتصر القبيلة على اليمن، بل امتدت فروعها إلى:
- السعودية: في شرورة والربع الخالي.
- الإمارات: وبرز منهم الشيخ منصر ناصر العصيمي الكربي.
- قطر وعمان: مجتمعات صغيرة لكنها محافظة على هويتها.
الفصل الرابع: الكرب والصيعر – علاقة أسطورية تتحدى الجغرافيا
“قالت العرب: الكرب والصيعر”
هذه الجملة الشهيرة ليست مجرد مقولة، بل هي تعكس حقيقة عميقة:
- التماثل الاجتماعي: نفس العادات، اللهجة، وحتى أنماط السكن.
- التكامل الاقتصادي: تبادل الرعي والموارد في فترات الجفاف.
- التحالف الدفاعي: كانوا يشكلون جبهة موحدة ضد القبائل الغازية.
الرحالة الذين مروا بالمنطقة في القرن 19 كانوا يخلطون بينهما، حتى أن بعض الخرائط القديمة تضع أراضيهما تحت اسم واحد!
الفصل الخامس: بلعبيد – الجذور الضاربة في قضاعة
شجرة النسب المنسية
مهما اختلفت الروايات، تظل الصلة بـ قبيلة بلعبيد (بني العبيد) هي الثابت التاريخي الأقوى. فالكرب – وفقاً للمصادر الموثوقة – هم جزء من:
- الفرع الرئيسي: باحيان (من بلعبيد).
- النسب الأعلى: العبيد بن الأبرص بن عمرو بن أشجع… حتى قضاعة بن حمير.
وهذا ما يفسر تشابه أنظمة الحكم والعادات بين الكرب وبقية فروع بلعبيد في وادي دهر ووادي عرماء.
الخاتمة: الغموض التاريخي… إرثٌ لا يُختزل
بعد هذا الغوص في أعماق أنساب الكرب، يبقى السؤال: الكربي وش يرجع؟ والإجابة الأصدق هي:
“هم أبناء التاريخ المتشابك لليمن، حَمَلةُ هوية قبلية فريدة، تَشَكَّلت من رواسب حمير وكندة، وتحالفات بلعبيد، وهجرات فردية من نجد، وتمازج مع الصيعر. غموض نسبهم ليس ضعفاً، بل دليل ثراءٍ جعلهم قبيلةً لا تشبه غيرها”.
اليوم، يحمل الكربي هويات وطنية متعددة (يمنيون، سعوديون، إماراتيون)، لكنهم يحتفظون بذاكرة قبلية موحدة. قد تختلف الروايات، لكن الأرض لا تكذب: تلك الصحاري بين شبوة وشرورة هي الشاهد الأصدق على مسيرة قبيلة كتبت وجودها برماح رجالها وعرق إبلها.
ملحق: شهادات الرحالة عن الكرب
- الرحالة نزيه مؤيد العظم:
“عدد مقاتلي الكرب ثلاثة آلاف رجل، يسكنون من حدود عبيدة إلى أطراف الصيعر، أشداء تعوزهم الهداية الدينية”. - الرحالة البصراوي:
“بلاد الكرب مثال للفوضى المنظمة، حروبهم الداخلية لا تنتهي، لكنهم يتحولون إلى جيش واحد إذا جاء عدو خارجي”.
“قبيلة بدون أصل واضح كشجرة بدون جذور، لكن الكرب شجرة جذورها متشعبة تحت الأرض، لا يُرى منها شيء لكنها تمسكها من الانهيار” – مثل بدوي من حضرموت.
مواضيع ذات صلة:
-
-
-
-
-
-
-
-
