مقدمة
إذا تحدثنا عن الإيمان الذي لا يتزعزع، والشجاعة التي لا تُقهر، والمروءة التي تجري في العروق، فلا بد أن نذكر اسم سعد بن معاذ، الصحابي الجليل، والفارس المقدام، والرجل الذي اهتز له عرش الرحمن عند وفاته
هو اليمني الأصيل، الذي تعود جذوره إلى قبيلة الأزد العريقة، التي هاجرت من اليمن إلى يثرب، فكان منها هذا البطل الذي غيّر مجرى الإسلام في المدينة، وقاد قومه إلى النور، وحمل سيفه دفاعًا عن الإسلام حتى آخر رمق.
في هذا المقال، نروي قصة أسد الأوس، حامل راية العزة، ورمز الوفاء للإسلام، سعد بن معاذ، الذي لم يكن مجرد رجل من رجال المدينة، بل كان أمةً بأكملها، قائداً بحكمة الملوك، ومقاتلاً بشراسة الأسود، وعابدًا بإيمان الأنبياء.
من هو سعد بن معاذ؟
وُلد سعد بن معاذ في يثرب (المدينة المنورة) حوالي عام 600م، وكان من قبيلة الأوس، إحدى أكبر قبائل المدينة. كانت قبيلته تمتاز بـ البأس في القتال، والعزّة في النسب، والمكانة بين العرب.
سعد بن معاذ لم يكن مجرد رجل من قومه، بل كان سيدهم وقائدهم، يُشار إليه بالبنان، ويُحترم رأيه، ويُهاب موقفه. لم يكن يعرف يومًا التخاذل أو الجبن، بل كان صلبًا كالصخر، قويًا كالسيف، وعادلًا في حكمه كالقضاء الإلهي.
كان قبل الإسلام على دين قومه من الوثنية، لكنه كان رجلًا يبحث عن الحق، حتى جاءته البشرى الأعظم، فأسلم، ليكون من أعمدة الدعوة في المدينة.
إسلامه وتحوله إلى قائد إيماني
لم يكن إسلام سعد إسلامًا عابرًا أو مجرد قبول لفكرة جديدة، بل كان إيمانًا جارفًا غيّر مجرى حياته ومجرى تاريخ قومه بأكمله.
أسلم سعد عندما أرسَل النبي ﷺ مصعب بن عمير إلى المدينة ليُعلّم أهلها الإسلام. وعندما سمع سعد عن الأمر، ثار غضبه في البداية، وأراد طرد مصعب، لكنه قرر أن يستمع إليه أولًا.
وهنا كانت اللحظة الحاسمة… ما إن استمع سعد للقرآن الكريم حتى ارتعشت روحه، واهتز قلبه، وشعر أن الحق قد طرق بابه، فقال:
“ما أحسن هذا الكلام! كيف الدخول في هذا الدين؟”
أسلم سعد في تلك اللحظة، لكنه لم يكتفِ بذلك، بل عاد إلى قومه بني عبد الأشهل وقال لهم بكل قوة وحزم:
“كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله!”
وبكلمة واحدة منه، دخلت قبيلته بأكملها في الإسلام، وكان ذلك نصرًا عظيمًا للدع
مواقفه العظيمة في المعارك
غزوة بدر: كلماته التي هزّت النبي ﷺ
عندما قرر النبي ﷺ الخروج إلى بدر، استشار الصحابة في الأمر، وكان النبي ينتظر كلمة الأنصار، لأنهم لم يُلزموا أنفسهم بالقتال خارج المدينة.
هنا وقف سعد بن معاذ، سيد الأنصار، ليخلّد التاريخ كلماته العظيمة، حيث قال للنبي ﷺ:
“يا رسول الله، لقد آمنا بك وصدقناك، وأعطيناك على ذلك عهودنا، فامضِ يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، وما تخلّف منا رجل واحد!”
كانت كلماته كالسيف القاطع، والنار المشتعلة، والعهد المقدّس، فتهلل وجه النبي ﷺ، وانطلق الجيش، وكان النصر للمسلمين.
غزوة أحد: صموده رغم الانكسار
في أحد، حين انسحب بعض المسلمين بعد الهزيمة، كان سعد من القلة الذين ثبتوا مع النبي ﷺ حتى النهاية، وظل يقاتل ببسالة، ولم يتراجع خطوة واحدة، لأنه كان يرى أن الموت في سبيل الله حياة، والفرار من المعركة خيانة.
غزوة الأحزاب: الجرح الذي أوصله إلى الجنة
في غزوة الأحزاب، كان سعد من أشد المدافعين عن المدينة. وبينما كان يقاتل بكل قوته، أصابه سهمٌ في ذراعه، فأدى إلى نزيفٍ شديد.
لكن رغم إصابته، استمر في إصدار الأوامر، وتحفيز جنوده، والوقوف بجانب النبي ﷺ حتى انتهت المعركة.
وعندما خذلت بنو قريظة المسلمين، استشار النبي ﷺ سعدًا في حكمهم، فقال بكل حزم وعزة:
“أرى أن يُقتل رجالهم، وتُسبى نساؤهم وأبناؤهم”
فقال له النبي ﷺ:
“لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات!”
موتٌ اهتز له العرش
بعد غزوة الأحزاب، تدهورت حالة سعد الصحية بسبب إصابته. لكنه ظل يدعو الله بدعاء يهزّ القلوب:
“اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا فافتح لي إلى الشهادة”
وبعد أيام، فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها، وهنا وقعت أعظم شهادة في حق رجلٍ في الإسلام، حيث قال النبي ﷺ:
“اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ!”
لم يُقل هذا الوصف لأحدٍ غيره، وهذا دليل على أن سعد كان رجلًا من طراز فريد، لم يكن مجرد بطل في الدنيا، بل كان محبوبًا في السماء أيضًا.
فخر اليمن ورجاله
سعد بن معاذ لم يكن مجرد اسم في التاريخ، بل كان ملحمةً من الشجاعة والإيمان.
كان يمني الأصل، عربي الفطرة، مسلم القلب، فارسي القوة، وملكًا في عدله وحكمته. لم يُعش كثيرًا، لكنه ترك أثرًا خالدًا لا يُمحى، وظل اسمه رمزًا للعزة والكرامة.
يا أهل اليمن، لكم في سعد بن معاذ قدوةٌ ومثال، فليكن فخره فخركم، وعزته عزتكم، وقوته قوتكم!
فسلامٌ على سيد الأوس، وسيف الإسلام، ورجل اهتز له عرش الرحمن!
