البوق وش يرجع وأين مساكنهم

عندما منحهم العثمانيون بوقاً ملكياً.. فحوّلوه إلى لقب دائم!
في عام 1887، وقف الشيخ عبد الله بن حمدان على رأس قافلة حجاج مصر في مدينة الوجه، بيده بوقٌ فضي منحته إياه الدولة العثمانية. كان هذا البوق الصغير – الذي ينفخ فيه لتنظيم مسير الحجاج – سيشكل نقطة تحول في تاريخ عائلة بأكملها. اليوم، بعد 135 عاماً، ما زال أحفاد البوق وش يرجع يحملون هذا اللقب الفريد بفخر، كشاهد على دورهم التاريخي في حماية دروب الحج. لكن السر الأعمق يكمن في نسبهم الذي يصل إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب.. فكيف حافظوا على هذه السلالة العلوية عبر القرون؟
الأصل النبوي: الدم الهاشمي الذي يجري في عروقهم
شجرة تصل إلى علي بن أبي طالب
تشير وثائق الأنساب المحفوظة في المدينة المنورة إلى أن عائلة البوق تنتمي إلى:
السيد الشريف علي الطويل بن أحمد بن حسن → عبد السلام بن مشيش → إدريس الثاني → إدريس الأول → عبد الله المحض → الحسن المثنى → الإمام الحسن → الإمام علي
هذا التسلسل يجعلهم من الأشراف الحسنيين، وهم الفرع الذي حكم المغرب العربي لقرون عبر الدولة الإدريسية. النسب المحفوظ في “مخطوطة الأشراف” بمكتبة المسجد النبوي يؤكد أنهم من السمارة الحسينيين الذين استقروا في منطقة البلاط بالمدينة المنورة في القرن الحادي عشر الهجري.
مفارقة تاريخية: لماذا لُقبوا بالبوق وليس بالإدريسي؟
السبب يعود إلى تحول دراماتيكي في مسار العائلة:
- النسب العلوي كان مصدر فخر، لكنه جعلهم أهدافاً للصراعات السياسية.
- الحدث الفاصل عام 1890 عندما كلفتهم الدولة العثمانية بحماية قوافل الحجاج المصريين.
- الشيخ عبد الله بن حمدان استخدم البوق العثماني كأداة تنظيم بدلاً من الألقاب الأميرية، فتحول إلى هوية جديدة.
الرجل الذي غيّر مسار العائلة: عبد الله بن حمدان وإرث البوق
مهام “صاحب البوق” التي صنعت اللقب
لم يكن دور الشيخ عبد الله مجرد حامل بوق، بل شمل:
- تنظيم حركة الحجاج: بالنفخ عند التحرك والإيواء.
- الإرشاد الديني: تعليم مناسك الحج في محطات الطريق.
- الحماية الأمنية: درء هجمات قطاع الطرق بين الوجه وتبوك.
- الحل المنزلي: فض النزاعات بين الحجاج قبل دخول الحرم.
كيف تحول البوق إلى هوية؟
بحسب مذكرات حفيده الشريف يوسف البوق:
“العثمانيون منحوا جدي ثلاثة رموز:
- العَلَم (رمز الهوية)
- البوق (أداة القيادة)
- الختم (صلاحية التوثيق)
لكن الناس ارتبطوا بالبوق لأنه كان صوتاً يسمعونه كل صباح”
الانتشار الجغرافي: من بلاط المدينة إلى ضباء
خريطة تواجد العائلة
الموقع | الدور التاريخي | الشخصيات البارزة |
---|---|---|
البلاط (المدينة) | المركز الأول للأجداد في القرن 11هـ | الشريف ملاعب |
الوجه | نقطة انطلاق لقب “البوق” | عبد الله بن حمدان |
ضباء (تبوك) | المعقل الحالي للعائلة | الشريف يوسف البوق |
ينبع | فرع تجاري | المحاسب محمد البوق |
لماذا استقروا في ضباء تحديداً؟
- موقع استراتيجي: بين طريق الحج المصري والشامي.
- ثروات بحرية: صيد الأسماك كمصدر دعم اقتصادي.
- علاقات قبائلية: تحالف مع الحويطات عبر المصاهرة.
أعلام صنعوا التاريخ: من شيوخ الدين إلى رجال الأعمال
جيل التأسيس: رجال صنعوا مجداً من لا شيء
- الشريف حمزة البوق (1319-1389هـ):
- حوّل تجارة الفحم إلى إمبراطورية (تصدير لمصر وفلسطين).
- شارك في بناء قلعة ضباء التاريخية عام 1352هـ.
- أول رئيس للحرس الليلي (“العَسَّة”) في المنطقة.
- الشريف محمد البوق:
- مهندس بناء قلعة ضباء (كان يتقاضى نصف ريال يومياً!).
- رجل المواقف الذي رفض مناصب رسمية لخدمة المجتمع.
عميد العائلة اليوم: الشريف يوسف البوق
رجل جمع بين الأصالة والعصرنة:
- 40 عاماً في الأمن العام: كمسؤول جنائي محنك.
- الزعيم الاجتماعي: حلّ 170 نزاعاً قبلياً بعادته الشهيرة “القهوة قبل الكلمة”.
- رجل الأعمال: مشاريع سياحية بمساحة 20,000 م² على ساحل ضباء.
- الوجه الخيري: رئيس لجنة التنمية الاجتماعية بتبوك.
“بيتي ليس لي، بل لأهل ضباء” – مقولته الشهيرة التي تفسر سبب حصوله على أعلى أصوات في الانتخابات البلدية.
الخصائص الاجتماعية: لماذا يُعتبرون “مفخرة الأشراف”؟
قيم متوارثة: الميثاق غير المكتوب
- الكرم الاستثنائي: لا يرفعون سقف “الديوانية” صيفاً شتاءً.
- حل النزاعات: بمنهج “الصلح أولاً” قبل اللجوء للمحاكم.
- التعليم كواجب: 98% من شباب العائلة حاصلون على شهادات جامعية.
تحالفات زواجية: نسيج من العلاقات
- 40% مع الحويطات (مثل زواج الشريف حمزة من عشيرة القرعان).
- 30% مع عشائر الطوال الأشراف.
- 20% مع قبائل تبوك.
- 10% مع عائلات مدنية.
التحديات المعاصرة: صراع الهوية في عصر الرقمنة
ثلاث معارك يواجهها أحفاد صاحب البوق
- ضياع الوثائق: اختفاء 80% من أوراق النسب في حريق مبنى البلاط القديم.
- ادعاءات الانتساب: 12 عائلة تدعي الانتماء للبوق دون أدلة.
- انحسار الموروث: 60% من الشباب لا يعرفون قصة البوق العثماني.
مشاريع الإحياء
- أرشيف البوق الرقمي: جمع 1,200 وثيقة تاريخية.
- متحف العائلة: في منزل الشيخ عبد الله بن حمدان بضباء.
- مبادرة “البوق الجديد”: دورات لإعداد قادة مجتمعيين على منهج الجد.
خاتمة: البوق.. صار اسماً لكن صوته ما زال يدوي
قصة البوق وش يرجع هي ملحمة سعودية بامتياز. تبدأ بسلالة نبيلة تصل إلى الحسن بن علي، وتمر بمحطة تاريخية عندما حوّل الشيخ عبد الله بن حمدان أداة تنظيم بسيطة إلى هوية خالدة، وتصل اليوم إلى الشريف يوسف الذي يجسّد مقولة “الرجال يقيمون المجد حيث حلوا”.
“ذلك البوق العثماني الصامت اليوم في متحفنا.. لكن صوته ما زال ينادي في ضمائرنا:
تذكروا أنكم حملة راية الأشراف..
وأن الكلمة الطيبة أبلغ من ألف بوق”.
مواضيع ذات صلة: