الاخبار الرئيسيةشؤون دولية

الأيادي الخفية: كيف صاغ الجنرال كوريلا مسار المواجهة في الشرق الأوسط

في خضم الأزمة الأخيرة التي هزت أركان الشرق الأوسط، برز اسم جنرال واحد كقوة دافعة خلف كواليس صناعة القرار الأمريكي، متجاوزًا التوقعات ومقللًا من نفوذ قادة البنتاغون التقليديين. إنه الجنرال إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، الذي وُصف بـ “الصقر المتشدد” تجاه إيران، ومُنح صلاحيات غير مسبوقة من قبل وزير الدفاع بيت هيغسيث. هذه السلطة الاستثنائية، التي لم يُعهد مثلها لجنرال واحد في ظل إدارة سعت لتقليص نفوذ الجنرالات ذوي الأربع نجوم، رسمت مسارًا تصعيديًا خطيرًا بين طهران وتل أبيب، وكشفت عن ديناميكيات معقدة داخل أروقة البنتاغون والبيت الأبيض.
صعود “الغوريلا” وتجاوزه للحواجز البيروقراطية
لقد حظي الجنرال كوريلا، المعروف بلقب “الغوريلا” بين زملائه، بمستوى غير عادي من الثقة والنفوذ، لا سيما في علاقته المباشرة بالرئيس دونالد ترامب. ففي الوقت الذي يسعى فيه وزراء الدفاع عادةً إلى تأكيد السيطرة المدنية على الجيش وتقليص نفوذ القادة العسكريين، بدا أن هيغسيث يتبنى نهجًا مختلفًا تمامًا مع كوريلا. تُشير المصادر إلى أن جميع طلبات كوريلا تقريبًا، بدءًا من زيادة حاملات الطائرات وصولًا إلى نشر المزيد من الطائرات المقاتلة في المنطقة، قد قوبلت بالموافقة الفورية.

هذا التمكين غير المسبوق، والذي يتعارض مع الصورة التي سعى رئيس البنتاغون إلى إظهارها كقائد صارم يعيد تأكيد السيطرة المدنية، يطرح تساؤلات جدية حول آليات صنع القرار ومدى تأثير الأفراد في رسم السياسات الخارجية.

تُفسر بعض المصادر هذا النفوذ الواسع بالاحترام الواضح الذي يكنه هيغسيث لكوريلا، مؤكدة أن وزير الدفاع “يُقتنع بسهولة بوجهة نظر كبار العسكريين إذا بدوا أقوياء ومقاتلين”. وقد أثبت كوريلا، بخبرته العسكرية الطويلة وعلاقاته القوية مع شخصيات نافذة مثل مايك والتز، مستشار الأمن القومي السابق، براعته في تحقيق أهدافه. لم يكن غريبًا أن يحظى بلقاءات وجهًا لوجه مع الرئيس ترامب أكثر من معظم الجنرالات الآخرين، مما منحه خط اتصال مباشر بالقيادة العليا، متجاوزًا التسلسل الهرمي التقليدي للبنتاغون. هذا الوصول المباشر، إلى جانب حقيقة أن كوريلا يقترب من نهاية ولايته كقائد للقيادة المركزية الأمريكية، قد يكون قد منحه حرية أكبر في الضغط لتحقيق رؤيته دون الخوف من العواقب المهنية.

صراع الأيديولوجيات: الحذر مقابل التصعيد

لم تكن رؤية الجنرال كوريلا للتصعيد في الشرق الأوسط متوافقة مع الجميع داخل البنتاغون. فقد تعارضت حججه لإرسال المزيد من الأسلحة الأمريكية، بما في ذلك الدفاعات الجوية المتطورة، مع آراء رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين ومسؤول السياسة في البنتاغون إلبريدج كولبي. دعا كل من كين وكولبي إلى الحذر من الإفراط في الالتزام العسكري في الشرق الأوسط، محذرين من مخاطر الانجرار إلى صراعات أوسع نطاقًا قد تستنزف الموارد وتشتت الانتباه عن أولويات عالمية أخرى.

هذا التباين في الرؤى يُسلط الضوء على الانقسامات الأيديولوجية داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية حول كيفية التعامل مع التحديات الجيوسياسية. فبينما يرى “الصقور” أمثال كوريلا أن الحل يكمن في استعراض القوة العسكرية والردع النشط، يفضل آخرون نهجًا أكثر تحفظًا يركز على الدبلوماسية والحلول السياسية. وقد وصف مصدر مطلع هذا التباين بشكل صريح، مشيرًا إلى أن “القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) تسعى إلى انتزاع كل ما يمكنها من موارد من أي مسرح عمليات آخر. هذا ما تفعله القيادة المركزية الأمريكية دائمًا”. هذا التصريح يعكس التنافس الدائم بين القيادات القتالية المختلفة على الموارد والاهتمام من القيادة العليا، مما يبرز التحديات التي تواجه البنتاغون في تحقيق توازن استراتيجي على مستوى عالمي.
نفوذ يتجاوز الحدود: سيطرة كوريلا على أصول البنتاغون
ما يميز نفوذ كوريلا بشكل خاص هو قدرته على تجاوز الهياكل التقليدية للسيطرة على الأصول العسكرية. عادةً ما يخضع كبار الجنرالات لسيطرة قادة البنتاغون الذين يتولون مسؤولية الموازنة بين الوجود العسكري الأمريكي العالمي. ومع ذلك، تشير المصادر إلى أن هيغسيث لم يرفض أي طلب من طلبات كوريلا للحصول على المزيد من الأصول العسكرية، مما يشير إلى مستوى غير مسبوق من التفويض. هذه الديناميكية الفريدة، حيث يتمتع قائد ميداني بمثل هذه السلطة الواسعة في تحديد حجم ونوع القوات والمعدات المخصصة لمنطقة معينة، تثير تساؤلات حول فعالية الإشراف المدني على الجيش ومدى قدرة القيادة العليا على فرض رؤيتها الاستراتيجية الشاملة.
من جانبهم، سعى مسؤولو البنتاغون إلى التقليل من شأن أي خلافات داخلية، مؤكدين أن وزير الدفاع “يُمكّن جميع قادته المقاتلين بنفس الطريقة، من خلال لامركزية القيادة والاستفادة من خبراتهم العملية”. كما رفض المتحدث باسم البنتاغون شون بارنيل فكرة وجود خلاف بين كوريلا وكين، مشيرًا إلى أن “القائدين يعرضان خياراتهما بشكل مشترك على ترامب” وأن “لا يوجد أي خلاف على الإطلاق بين كوريلا وكاين. إنها علاقة تكاملية”. ومع ذلك، تتناقض هذه التصريحات الرسمية مع شهادات المصادر المطلعة، التي تؤكد وجود توترات وانقسامات حقيقية حول حجم ومستوى الالتزام العسكري في الشرق الأوسط.

النتائج والتداعيات: مستقبل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط

إن صعود الجنرال كوريلا ونفوذه غير المسبوق في رسم مسار الأزمة الأخيرة في الشرق الأوسط يسلط الضوء على عدة نقاط حرجة. أولاً، يُظهر أن السلطة داخل البنتاغون يمكن أن تتركز بشكل كبير في أيدي أفراد معينين، خاصة عندما يتمتعون بثقة مباشرة من القيادة السياسية العليا. ثانيًا، يُبرز التحدي المستمر في الموازنة بين الحاجة إلى المرونة التشغيلية على الأرض والإشراف الاستراتيجي من قبل القيادة المدنية. ثالثًا، يعكس التوتر الدائم بين الرغبة في ردع الخصوم بقوة عسكرية وبين الدعوات إلى ضبط النفس وتجنب الانخراط المفرط في صراعات إقليمية معقدة.
مع اقتراب كوريلا من نهاية ولايته، يظل السؤال مطروحًا حول ما إذا كان هذا النفوذ الاستثنائي سيستمر مع القائد التالي للقيادة المركزية الأمريكية، وما إذا كانت إدارة ترامب ستواصل تبني نهج أكثر تصعيدًا تجاه إيران. إن الدرس المستفاد من هذه الأزمة هو أن الشخصيات الفردية، بخبرتها وعلاقاتها ورؤيتها، يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل السياسة الخارجية، حتى عندما تتعارض مع التوجهات الرسمية أو آراء كبار المسؤولين الآخرين.

إن مستقبل الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، والعلاقات المعقدة مع القوى الإقليمية، سيعتمد بشكل كبير على كيفية توازن البيت الأبيض والبنتاغون بين هذه المصالح والرؤى المتضاربة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock