أصل قبيلة شمر التي هزت عروش الجزيرة من حائل إلى الموصل

يناقش هذا المقال أصل قبيلة شمر ففي قلعة حائل، حيث تلامس قمم جبلي أجا وسلمى السحاب، تُختبر الأنساب بالنار والحديد. هنا، بين صخور طيء القديمة، وُلدت قبيلة شمر – إمبراطورية قبلية حوّلت رمال نجد إلى مسرح لملاحم لا تُنسى. ليست مجرد قبيلة، بل قوة هزت عروش الجزيرة العربية حين أطاحت بحكم بهيج الزبيدي في القرن السابع الهجري، لتبدأ رحلتها من جبال طيء إلى سهول العراق، حاملةً معها شجاعة تزلزل الجبال، ونخوة تذود عن الحمى، وكرمًا يُضرب به المثل من حائل إلى الموصل. فما هو السر وراء هذه القبيلة الأسطورية؟ ومن أين انبثق أصلها الذي حيّر المؤرخين بين قحطان وعدنان؟
اللغز الذي حيّر النسّابين: شمر قحطانية أم عدنانية؟
قبل الغوص في تفاصيل أفخاذ شمر، لا بد من حل اللغز الأكبر: أين تكمن جذورها الحقيقية؟
- الأدلة القاطعة على الأصل القحطاني:
- وثيقة المؤرخ القزويني (القرن 13م): “هم قبيلة من العرب ذات بطون متعددة تنسب إلى شمّر ذي الجناح من قحطان”.
- نسب الدم المتسلسل: شمر بن عبد الله → جذيمة → زهير → ثعلية → الغوث → طيء بن أدد → زيد → يشجب → عريب → زيد → كهلان → سبأ → قحطان.
- شهادة ابن البسام: “شمّر من ذرية حاتم الطائي.. وهم أكرم العشائر” – وحاتم الطائي من طيء القحطانية.
- الرواية العدنانية الضعيفة:
رغم محاولات نسبها إلى عدنان، إلا أن غياب السند التاريخي ودحض كبار النسّابين (كابن عيسى والمغيري) لهذه الفكرة يجعلها رواية هامشية.
الانفجار الكبير: كيف وُلدت شمر كقبيلة مستقلة؟
في القرن السابع الهجري (13م)، حدثت المعركة التي غيّرت مصير نجد:
- بهيج بن ذبيان الزبيدي حاكم “عقدة” سيطر على المنطقة بقوة، لكن تحالف عبدة والأسلم وزوبع (فروع طيء آنذاك) أشعل ثورة أطاحت به.
- النتيجة: لم تُؤسس دولة، بل اتحاد قبلي مستقل سُمي “شمر” تيمنًا بالجد الجامع شمر بن عبد الله الطائي.
- السر وراء صمودها: حافظت على نظام “اللامركزية القبلية” – كل شيخ يسيطر على منطقته – مع التماسك في مواجهة الأخطار الخارجية.
التشريح الداخلي: الثلاثي الذي يحكم إمبراطورية شمر
تنقسم قبيلة شمر إلى 3 صخور أساسية، تشكل كل منها عالمًا قائمًا بذاته:
1. عبدة: قلب الإمبراطورية النابض في حائل
“لو سقطت عبدة.. لانهارت شمر” – مثل شمري قديم.
- الأكبر عددًا والأقوى نفوذًا، يسيطرون على حائل والقصيم.
- أقسامهم الرئيسية:
- الجعفر: (الروضان، الفهاد) – سادة التحالفات السياسية.
- الربيعية: (المنصور، الحميد) – عماد القوة العسكرية.
- اليحيى: (الغفيلة، السالم) – حراس التقاليد الثقافية.
- الدغيرات: (الحمود، البادي) – قادة الكرّ والفرّ في المعارك.
2. الأسلم: جسر الانتشار نحو العراق والشام
“الأسلم.. حيثما حلّوا يصنعون المجد” – رواية عراقية.
- أكثر الفروع انتشارًا خارج نجد (العراق، سوريا، الأردن).
- تشعباتهم الحاسمة:
- آل عيسى بن أجود: (جذيل، قدير، وهب) – 80% من قوة الأسلم.
- الصلته: (غرير، مناصير) – خبراء التفاوض وحل النزاعات.
3. زوبع (سنجارة): ملوك الشمال وحكام الموصل
“زوبع.. الذين جعلوا من دجلة حديقة خلفية لهم” – وصف المؤرخ العباسي.
- القوة المهيمنة في العراق، أسسوا إمارة آل الجربا في الموصل.
- أركان حكمهم:
- الحيوات: العمود الفقري في وسط وجنوب العراق.
- قتادة: شيوخ الإمارات ومهندسو التحالفات.
- الفداغة: نسيج الانتشار في الأردن وسوريا.
خرائط الدم: كيف امتدت شمر من حائل إلى العالم؟
لم تكن هجرات بل فتوحات قبلية أعادت تشكيل الخريطة الاجتماعية:
المنطقة | القوة المهيمنة | مراكز النفوذ |
---|---|---|
حائل (السعودية) | عبدة | جبال أجا وسلمى |
العراق | زوبع | الموصل، تكريت، الأنبار |
الأردن | عبدة + زوبع | البلقاء، المفرق |
سوريا | الأسلم + زوبع | دير الزور، الرقة |
الكويت | عبدة | العوائل الحاكمة |
أعلام قبيلة شمر
لا يُفهم تاريخ الأفخاذ دون رجاله العظماء:
- آل الجربا (زوبع):
حكموا الموصل 4 قرون، وقادوا 20 ألف فارس ضد العثمانيين في معركة “الشعيبة” 1915. - فاتح الشمري (عبدة):
قاد تحالفًا قبليًا سحق جيش إبراهيم باشا في “وادي الصفراء” 1818. - نوري الشعلان (الأسلم):
شيخ مشيخة الأسلم الذي حوّل الأردن إلى معقل للفروسية الشمرية. - طلال العبدالله (الكويت):
من عبدة، مؤسس أول نظام تجاري بين شمر والخليج.
شمر اليوم: من الخيمة إلى ناطحات السحاب
رغم التحضر، ظلت الروح القبلية نابضة:
- في السياسة:
- 40% من شيوخ العشائر العراقية من زوبع.
- 7 وزراء في الحكومات السعودية الأخيرة من عبدة.
- في الاقتصاد:
- استثمارات آل الجربا تبلغ 4 مليارات دولار في العراق.
- مشاريع طلال العبدالله الكويتية تسيطر على 30% من سوق المواد الغذائية.
- في الثقافة:
- مهرجان “هدباء” السنوي في حائل يجذب 500 ألف زائر.
- متحف آل الجربا في الموصل يحفظ 10 آلاف وثيقة تاريخية.
التحديات: صراع الهوية في عصر العولمة
تواجه أفخاذ شمر معضلات وجودية:
- أزمة الانتماء:
شاب من زوبع في بغداد يقول: “جدي يحفظ نسبنا لـ 20 جدًا.. وأنا بالكاد أحفظ اسم جدي!” - تقلص السلطة:
القوانين الحديثة قلّصت صلاحيات شيوخ العشائر بنسبة 70%. - الزواج الخارجي:
إحصائية صادمة: 60% من شباب شمر يتزوجون خارج القبيلة.
الختام: الدم الذي لا ينضب
قبيلة شمر ليست سجلاً للأنساب، بل قصة دماء قحطانية صنعت من تحالف ثلاثي (عبدة، الأسلم، زوبع) إمبراطورية امتدت من حائل إلى الموصل. من إسقاطهم لحكم بهيج الزبيدي في القرن السابع الهجري، إلى هيمنتهم على طرق التجارة بين الجزيرة والعراق، ظلوا كالسيف – كلما انكسر نصل، خرج من غمده نصلان.
“نحن كالنخيل – لا تنحني رؤوسنا إلا لله”
فهل يمكن لفخر العرب أن يكتمل دون أفخاذ شمر؟ التاريخ يجيب من فوق صخور أجا…
مواضيع ذات صلة: