تعد قبيلة الحروب أو قبيلة حرب من أعرق وأكبر القبائل العربية التي استوطنت منطقة الحجاز في المملكة العربية السعودية، تاركةً بصمات واضحة في تاريخ المنطقة وسكانها. يهدف هذا المقال إلى تقديم دراسة معمقة حول أصول هذه القبيلة العريقة، وتتبع أنسابها وفقًا للمصادر التاريخية المختلفة، بالإضافة إلى استعراض مسيرتها الجغرافية وتوسعها عبر العصور.
تعدد الروايات في أصل ونسب قبيلة الحروب
تكتنف أصول ونسب قبيلة حرب تعددًا في الروايات التاريخية، مما يستدعي نظرة فاحصة وتحليلًا دقيقًا للمصادر المتاحة.
يذكر محمد أمين السويدي في كتابه “سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب” أن قبيلة الحروب هم بطن من هلال بن عامر بن صعصعة، مشيرًا إلى منازلهم في الحجاز وتقسيمهم إلى ثلاثة بطون رئيسية: بنو مسروح، وبنو سالم، وبنو عبد الله، بالإضافة إلى فروع أخرى كزبيد الحجاز وبني عمرو.
في المقابل، يقدم أبو العباس القلقشندي في كتابه “نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب” تصورًا أكثر تنوعًا لأصول بني حرب، حيث يذكر عدة بطون تنتسب إلى قبائل مختلفة: بطن من الصبر من غسان الأزد القحطانية، وبطن من بكر بن وائل العدنانية، وبطون أخرى من همدان وكهلان القحطانيتين، بالإضافة إلى بطن خامس من بني هلال بن عامر بن صعصعة، وهو ما يتفق مع رواية السويدي حول سكنهم في الحجاز.
أما الشريف البركاتي في “الرحلة اليمانية”، فيركز على التقسيم الحالي لـ قبيلة الحروب إلى فخذين رئيسيين هما بنو مسروح وبنو سالم، مع تفصيل لفروع كل منهما.
إزاء هذا التباين في الروايات، يشير الشريف شرف البركاتي إلى أن العديد من الأقوال حول نسب قبيلة حرب تفتقر إلى الأدلة والسندات الموثوقة، مؤكدًا على ضرورة الاستناد إلى علماء الأنساب الموثوقين في تتبع هذه المسألة.
رواية الهمداني: الأصل اليماني لقبيلة الحروب
تبرز رواية الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني كأحد أهم المصادر التي تحدد أصلًا يمانيًا لقبيلة حرب. يذكر الهمداني في مؤلفاته أن نسب حرب يعود إلى حرب بن سعد بن سعد بن خولان من قحطان، مشيرًا إلى هجرة هذه القبيلة من صعدة في اليمن في عام 131 هـ. ويقدم الهمداني تفصيلًا متسلسلًا لأنسابهم وأولاد حرب بن سعد.
ويتفق مع هذا الطرح محمد بن إبراهيم المحابي، الذي أقام في بني حرب في منطقتي قدس وينبع، حيث ذكر سلسلة نسب تفصيلية لأبناء حرب بن سعد، مع الإشارة إلى بطون بني حرب المختلفة، ومنها بنو عامر، وبنو ذؤيب، وبنو عوف.
التوسع الجغرافي من اليمن إلى الحجاز
توضح المصادر التاريخية أن الديار الأصلية لقبيلة حرب كانت في محيط صعدة باليمن. إلا أن النزاعات التي نشبت بينهم وبين بني عمهم من الربيعة بن سعد دفعتهم للهجرة شمالًا نحو منطقة الحجاز.
بدأت قبيلة حرب بالتوسع في وادي العرج وجبال قدس، ومن ثم امتد نفوذها تدريجيًا ليشمل مناطق واسعة في الحجاز. ويشير الهمداني إلى أنهم أصبحوا يسيطرون على معظم الأراضي التي يمر بها طريق الحاج بين مكة والمدينة، مما يعكس قوتهم وتوسعهم في تلك الفترة.
ويفصل الهمداني كذلك جوانب من هذا التوسع، مشيرًا إلى معارك خاضتها قبيلة حرب مع قبائل أخرى مثل عنزة ومزينة وبني الحارث وبني مالك من سليم، والتي انتهت بسيطرة حرب على منطقتي الحرتين والنقيع، وتأمين ديارهم من تعديات القبائل الأخرى.
ويؤكد الشريف شرف البركاتي في “الرحلة اليمانية” على هذا التوسع، مبينًا أن ديار حرب امتدت من ينبع البحر غربًا إلى جدة، وصولًا إلى حدود قبائل عتيبة وسليم ومطير شرقًا، ومن الجنوب إلى حدود الأشراف ذوي بركات، ومن الشمال إلى حدود جهينة وعتيبة.
التقسيمات الرئيسية لفروع قبيلة حرب
تتكون قبيلة حرب في الوقت الحاضر من فخذين رئيسيين هما:
أولًا: بنو مسروح:
تعد قبيلة مسروح من أهم وأكبر فروع قبيلة حرب، وتنقسم إلى ستة عائلات أساسية:
- بنو علي (العلوي): وتتفرع منها قبيلتا مرير والجبور، وتتضمن الجبور بدورها فروعًا مثل الكلخة والدواعرة والفقوع والكتمة والشبول، بينما تتفرع من مرير الدهيم والطرفاء والجحوش.
- عوف: وتتكون من الصواعد والنواصف والمصحبي. تتفرع الصواعد إلى البطنة وعلاق، ويتفرع من علاق الذكري والمطرفي والحسينات. أما المصحبي فتتفرع منها المحيميدي والحويتي والسحيمي والحمراني والمعدود، بينما تتفرع النواصف إلى العلوي واللقماني والسهلية.
- بنو عمر: وينتسبون إلى عمرو بن زياد بن الفاحش بن حرب، وينقسمون إلى ولد عبد الله بن عمرو وولد محمود. تتفرع من عبد الله بن عمرو المواسية والجردات والركب والصبوح والمريخات، بالإضافة إلى قبيلة معبد التي تتفرع إلى عاصم ووهبانة. تتفرع من وهبانة الفطيمات والبراهمة والثوابتة والسليمات الحرانشة، بينما تتفرع من عاصم بنو جلال والسماليل الصرادحة والهدمة والحلسة المحاشير والزيود.
- مخلف: ويتفرع منها العديد من القبائل والعائلات، أبرزها الشباعين والثوابت والمعدي الصررة والعرامين والوصايفة والتمامير والشلاوين الخزاز.
- بنو سفر: وتعد من أكبر وأشهر عائلات مسروح، وينتسبون إلى السفر بن الخيار بن زياد بن الفاحش بن حرب، وتتفرع منها الوهوب والفردة والكنادرة والمهالية والطمح والنجمة والشواذي والشرزة.
- زبيد: ويتفرع منها أسلم وزبيد الشام وزبيد الشيخ وزبالة وزبيد اليمني العزرة وبنو يزيد الصحاف والمراعشة.
ثانيًا: بنو سالم:
يعتبر بنو سالم الفخذ الرئيسي الآخر في قبيلة حرب، وينقسم إلى قسمين أساسيين:
- ميمون: ويتفرع منها العديد من الفروع والعائلات الهامة، مثل الجريدي والصخارنة والشرماني والحمودي وعامري الذيابة والسواعد والحيادرة والروثان والسرح وصبح والمريودي والمبارك والموارعة وبنو عمر وبنو يحيا والقواد والمحاميد.
- مروح ومزينة: ويتفرع منهما عشائر وعائلات مثل البلايجة والحجلة والحوازم والحنيطات والظواهرة والردادة والسرابتة والعريمات والصحبة والقصيرين والبشارية والحناتمة والحصنان والحبارتة والهواملة والنحايتة والمراوين.
دور قبيلة حرب في التاريخ:
لعبت قبيلة حرب دورًا هامًا في تاريخ المنطقة، وشهدت لها العديد من المواقف والأحداث البارزة. ومن الأمثلة على ذلك، مواجهتها للدولة العثمانية في المملكة العربية السعودية بقيادة الشيخ سعد بن جزاء بن عامر بن جويبر الصميدي الأحمدي الميموني السالمي الحربي، شيخ الأحامدة من بني سالم، حيث تمكن من قتل القائد العثماني عثمان بك في عام 1254 هـ.
ختاما:
تظل قبيلة الحروب أو قبيلة حرب إحدى القبائل العربية الأصيلة ذات التاريخ العريق والممتد. وبينما تتعدد الروايات حول أصولها الأولى، تشير المصادر التاريخية إلى جذور يمانية وهجرة لاحقة إلى الحجاز، حيث استقرت وتوسعت لتشمل مناطق واسعة. ويعد تقسيمها الحالي إلى فخذي بني مسروح وبني سالم، وما يتفرع منهما من عائلات وقبائل، دليلًا على عمقها وامتدادها عبر الأجيال. إن دراسة أصول وأنساب وتاريخ قبيلة حرب تعد نافذة هامة لفهم جوانب حيوية من تاريخ شبه الجزيرة العربية وتكوينها الاجتماعي.
مواضيع ذات صلة:
-
-
-
-
-
-
-
-
