تُشكل أفخاذ قبيلة البلوي إحدى اللبنات الأساسية في البنية القبلية العربية، حاملةً إرثًا يمتد بجذوره إلى أعماق التاريخ. فهذه القبيلة العريقة تنحدر من بلي بن عمرو بن الحافي بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن زيد بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، لتُصنف بجدارة ضمن قبائل قضاعة الحميرية العظيمة. ما يميز أفخاذ قبيلة البلوي ليس فقط عراقة النسب، بل الانتشار الجغرافي الواسع الذي جعلها جزءًا حيويًا من النسيج الاجتماعي في غالبية أقطار الوطن العربي، حافظةً تقاليدها وهويتها عبر القرون.
جذور عميقة وامتداد قاري: حكاية قبيلة
لطالما شكلت القبيلة في التاريخ العربي وحدة اجتماعية وسياسية وثقافية متماسكة. وقبيلة بلي، بفصائلها المتعددة، تجسد هذا المفهوم بأسمى معانيه. هجرة أفخاذ قبيلة البلوي من موطنها الأصلي في الحجاز لم تكن هروبًا من جفاف أو صراع، بل كانت توسعًا طبيعيًا لقبيلة قوية سعت وراء المراعي وموارد العيش، حاملةً معها قيم الكرم والشجاعة والمروءة التي طبعت هويتها. هذا الانتشار لم يمحُ الروابط، بل نسج شبكة معقدة من العلاقات والتحالفات عبر البلدان، تذوب فيها الحدود السياسية الحديثة أمام قوة الانتماء إلى الأصل الواحد.
مواضيع ذات صلة : تغلب بن حلوان : سيرة قبيلة عريقة ونسبٌ ضارب في أعماق التاريخ
المملكة العربية السعودية: القلب النابض لتجمع أفخاذ قبيلة البلوي
تعد أراضي المملكة العربية السعودية الحاضن التاريخي الأكبر والأكثر تنوعًا لـ أفخاذ قبيلة البلوي. فهنا تتجلى قوة التفرع والتنظيم القبلي، حيث تتوزع الفخوذ في تجمعات رئيسية، كل منها يحمل اسمًا وعادات وتفاصيل تدعم الوحدة في إطار التنوع:
- المواهيب: وتعد من التجمعات البارزة، وتضم فخوذًا راسخة مثل:
- المناصير
- الشوامى
- السراحين
- آل عبيد: وينقسمون بدورهم إلى الرحيات، العودة، الدغامين. يمثل هذا التقسيم الدقيق داخل الفخذ الواحد نموذجًا للتنظيم الاجتماعي المتجذر لدى أفخاذ قبيلة البلوي.
- العرادات: هذا التجمع يضم فخوذًا تتميز بوحدة النسب والمنطقة، ومن أبرزها:
- الهشيمات
- الوعاوعة
- القرون
- وابصة: وهو تجمع كبير ومهم، يضم مجموعة واسعة من الفخوذ التي لعبت أدوارًا تاريخية، مثل:
- القواسمة
- الخضرة
- القردان
- الزروط
- الغضيات
- السبوت
- البركات: يبرز هذا التجمع بتنوع فخوذه وكثرتهم، مما يعكس قوة انتشار أفخاذ قبيلة البلوي، ويشمل:
- المعاقلة
- الفريعات
- الصوامعة
- الوحشة
- الرموث
- الهلبان
- الخوالي
- الحمران
- النجيدات
- الهروف: تجمع يضم فخوذًا قوية ومتماسكة، منها:
- الشرمان
- الضياعين
- الحماد
- الحوامدة
- المتاعبة
- بالإضافة إلى فروع الحمر المهمة: السيف، آل محمد، الحميدان، القبل، العوادين، الصوالحة، النصاصير، السليم.
- الزبالة: تجمع واسع يضم عددًا كبيرًا من الفخوذ ذات التأثير، مثل:
- المشاعلة
- الصرابطة
- العصابين
- الجذول
- البوينات
- الخشمان
- العبلة
- السميرات
- القراعطة
- الجحوم
- الشتاوية
- المساعرة
- العوامرة
- تجمعات رئيسية أخرى: تكتمل خريطة أفخاذ قبيلة البلوي في السعودية بتجمعات لا تقل أهمية:
- القواعين: (الخضراء، العلي، العلياني، النواضية، المقابلة)
- السحمة: (المظهر، الرواحلة، الزبن، الجمعان، السليمان، السالم)
- الفواضلة: (الرقاقصة، الحميطات، الذراعين)
- المطارفة
- المقابلة
- الأحامدة
- العريفات
- المعاقلة (الرفادات): وتُعد هذه الفخذ مشيخة قبيلة بلي التقليدية، حيث يتركز أغلب أفرادها في منطقة الوجه وضواحيها، حاملين مسؤولية الزعامة والحفاظ على التقاليد الكبرى للقبيلة. ابن رفادة هو الاسم المشهور لأفراد هذا الفخذ المهم.
هذه الفسيفساء الغنية من أفخاذ قبيلة البلوي في السعودية ليست مجرد أسماء، بل هي عائلات مترابطة بعلاقات النسب والمصاهرة والمنفعة، شكلت ولا تزال تشكل جزءًا أساسيًا من التركيبة الاجتماعية والثقافية لمناطق انتشارها، حافظةً للهوية ومشاركةً في بناء الوطن.
المملكة الأردنية الهاشمية: امتداد حيوي ومجتمع متماسك لأفخاذ قبيلة البلوي
يشكل وجود أفخاذ قبيلة البلوي في الأردن نموذجًا رائعًا لقدرة القبيلة العربية على الاندماج في المجتمعات الجديدة مع الحفاظ على هويتها وروابطها. يتجلى هذا الوجود في تقسيمات رئيسية معقدة وغنية:
- البصابصة: يسكنون أم البساتين في ناعور بعمان، وينقسمون إلى الفقرا والفالح. رغم انضمامهم تاريخيًا ضمن عشائر العجارمة، إلا أن انتمائهم الأصلي إلى أفخاذ قبيلة البلوي معروف ومحفوظ في ذاكرتهم الجماعية.
- البلاونة: هذا الاسم (بلهجة أهل الأردن) هو أشهر مرادف لـ أفخاذ قبيلة البلوي في المملكة، ويشير إلى تجمعهم الرئيسي في غور البلاونة (حيث يقع ضريح الصحابي الجليل أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه) وشفا البلاونة (في محافظات عجلون وجرش وأطراف إربد). البلاونة هم خليط من عشائر تنحدر من مختلف بطون بلي الحجازية، ويمكن تقسيمهم إلى أربعة أقسام رئيسية، كل قسم يضم فخوذًا وعشائر متعددة:
- أ. المخالدة: ويرجح أن تسميتهم تعود لتفرعهم من بطون مخلد من بلي. ويضمون:
- ابوزنيمة (الزنيمات): من الثوابتة من الصرابطة من زبالة من بلي (القواسمة، الخضرة…). يتفرعون إلى المبارك، الصليبي، والعيسى. برز منهم الشيخ يوسف السلمان ابوزنيمة، القاضي العشائري الشهير الملقب بـ “قاضي الضفتين”.
- ابوعمارة (العمارات)
- ابوغوش (الغوشة): من زبالة من بلي، وينقسمون إلى المناور، السلامات، الدوجان، المسعود.
- الحراوي: من البركات من بلي.
- الراشد: من البركات من بلي.
- الرواجبة: أصلهم من بلدة “راجب”، ويستقرون اليوم في غور البلاونة وشفا البلاونة ومنطقة الضليل في الزرقاء.
- الشهاب: من زبالة من بلي.
- العوايدة: أصلهم من البقور من قبيلة عباد (اندماج وتحالف).
- الياسين: من زبالة من بلي.
- ب. الخناطلة: ويضمون:
- الخدام: من العرادات من بلي.
- الشنيور.
- الصفـران: ومنهم فخذ الرويعي، وهم من القرينات من المواهيب من بلي.
- الضيافلة: أصلهم من الضيافلة من قبيلة بني حسن (اندماج).
- الموسى: أصلهم من بلدة “برما” في محافظة عجلون.
- ج. العلاونة: ويضمون:
- ابوسليم.
- الخليفات.
- العادي.
- العسرات: برز منهم الشيخ ابن عسرة في حروب البلاونة التاريخية مع عشيرة العدوان.
- العديسيين (الشلقان): لم يتبق منهم إلا ذرية شلقان العديسي.
- الفقير (الفقرا): من فخذ وابصة من بلي.
- د. عشائر أخرى من البلاونة: تقيم في قرى تابعة لمحافظتي جرش وعجلون ضمن شفا البلاونة، وتشمل: الجوابرة (من البركات)، الفواضلة (من الفواضلة)، الرغايفة، الرحاحلة، المعين (من زبالة)، والعيد.
- هـ. عشائر بلي في الأغوار: هم من أفخاذ قبيلة البلوي التي نزلت فلسطين ثم خرجت منها بعد نكبة 1948، ويستقرون في بلدة فنوش، وأهمهم:
- الصهابين: من العرادات من بلي.
- البحيري: من زبالة من بلي.
- الهروف: من الهروف من بلي.
- أ. المخالدة: ويرجح أن تسميتهم تعود لتفرعهم من بطون مخلد من بلي. ويضمون:
- فروع رئيسية أخرى لأفخاذ قبيلة البلوي في الأردن:
- الجفيرات: يسكنون أراضي ماعين قرب مادبا.
- الحلاقي: أبناء عمومة الجفيرات، ويسكنون مادبا.
- الزففة: ينقسمون إلى الطلافيح (هاجروا من الحجاز إلى غزة ثم الأردن)، العميان، البلوش، العويمر، الهميسات.
- السعيدات: استقروا في مناطق متعددة، ينقسمون إلى الخلايفة والروايضة.
- السلايطة: انضموا تاريخيًا إلى بني صخر (فرقة الطوقة)، ويتألفون من العميرات (ومنهم الغثيان شيوخ السلايطة)، المدالشة، الجاريين.
- السويلميين: بدو يسكنون وادي عربة قرب العقبة.
- الشبيكات: قدموا إلى الأردن قبل ثلاثة قرون ويقطنون طبربور شمال عمان.
- الشخاترة: من الفريعات من البركات من بلي، في مادبا وأربد.
- الشرايرة: من فخذ وابصة من بلي، في إربد.
- العرادات: من فخذ العرادات، في مرج الحمام بعمان.
- الفقرا: من فخذ وابصة، يتفرعون إلى الفلاح، القبلان، الداوود، السلامة.
- الكنيعان الوابصي: من العلا بالحجاز، في مادبا.
- اللصاصمة: من فخذ وابصة، في صرفا شمال الكرك.
- المساندة: في مادبا.
- المعاقلة: نزحوا من الحجاز واستقروا في الكرك.
- الهرفي: في الزرقاء.
- عائلات متفرقة: تتواجد في العقبة، سحاب، المفرق، البقعة، عين الباشا، منتمية لمختلف أفخاذ قبيلة البلوي.
- بلي القادمون من فلسطين: نزحوا من بادية بئر السبع بعد نكبة 1948، وهم من فخوذ متعددة، يتركزون في الزرقاء، جرش، البقعة، وعمان.
هذا التنوع الهائل داخل أفخاذ قبيلة البلوي في الأردن، من البلاونة المتماسكة في الشمال إلى الفروع المتناثرة في الجنوب والوسط، يصور قدرة القبيلة على الصمود والتكيف، مشكلةً جزءًا لا يتجزأ من النسيج الوطني الأردني.
جمهورية مصر العربية: صفحة مضيافة في سفر أفخاذ قبيلة البلوي
حملت رياح التاريخ والتوسع العديد من أفخاذ قبيلة البلوي إلى أراضي مصر الخصبة. استقرت فروع عديدة من القبيلة في ربوعها، حاملةً معها أسماء بطونها وأصولها، وأبرز هذه الفروع التي ذكرها المؤرخون وكتب الأنساب تشمل:
- بنو عمر
- بنو هاشم
- بنو هرم
- بنو سوادة
- بنو حارثة
- بنو أراش
- بنو ناب
- بنو شاد
- بنو عجيل بن المريب
إن وجود هذه الأسماء في مصر يؤكد عمق التواصل التاريخي واتساع رقعة انتشار أفخاذ قبيلة البلوي، حيث اندمجوا في المجتمع المصري مع الحفاظ على جذورهم القبلية في الذاكرة والهوية.
فلسطين: حضور تاريخي لأفخاذ قبيلة البلوي
شكلت أراضي فلسطين، خاصة باديتها في الجنوب، موطنًا مهمًا لعدد من أفخاذ قبيلة البلوي قبل النكبة. ومن أبرز العشائر والفخوذ التي سكنت فلسطين:
- البلاونة
- الشبيكات
- الشخاترة
- الزففة
- المعاقلة
- الظُلام
- الهروف
- القرينات
- فخذ وابصة
كان لهذه الفخوذ دور في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مناطقها، قبل أن يضطر العديد منها للنزوح إلى الأردن ودول عربية أخرى بعد عام 1948، حاملين معهم حكاية وجودهم في الأرض الفلسطينية.
خاتمة: أفخاذ قبيلة البلوي.. عراقة تتحدى الزمن
يمثل التوزيع الجغرافي الهائل والمفصل لـ أفخاذ قبيلة البلوي عبر السعودية، الأردن، مصر، فلسطين، شهادة حية على عراقة هذه القبيلة وقدرتها الفائقة على التكيف والاستمرار. فهذا الانتشار ليس مجرد أرقام أو أسماء، بل هو قصة حية لجماعات بشرية حملت هوية مشتركة، ونسجت تاريخًا مشتركًا، وشاركت في تشكيل الحضارة العربية الإسلامية في أرجاء متعددة.
إن دراسة أفخاذ قبيلة البلوي تفتح نافذة على فهم ديناميكية القبيلة العربية، وطرق هجرتها، وآليات اندماجها في المجتمعات الجديدة مع الحفاظ على أصالتها. إنها قصة روابط النسب، قوة التقاليد، ومرونة الهوية في مواجهة تحديات الزمن وتغير الحدود. تبقى أفخاذ قبيلة البلوي، بتشعباتها وتاريخها وحضورها الممتد من الخليج إلى المحيط، جزءًا أصيلاً من التراث العربي والإنساني، ونسيجًا متينًا في نسيج الأمة العربية.