يوم التروية رحلة الإيمان والاستعداد إلى عرفة

يطل علينا يوم الترويه كواحد من الأيام الفاصلة في مناسك الحج، ذلك الركن العظيم من أركان الإسلام. يوافق هذا اليوم المبارك الثامن من شهر ذي الحجة، وهو بمثابة البوابة التي ينطلق منها الحجاج نحو ذروة المشاعر وأعظم لحظات الحج على صعيد عرفة. في هذا اليوم، تبدأ معالم المناسك تتجلى بوضوح، وتتهيأ القلوب لاستقبال أعظم أيام الدنيا. لطالما ارتبط اسم هذا اليوم في الأذهان بمعاني الاستعداد الروحي والجسدي، وتجسدت فيه أسمى معاني الطاعة والتوكل على الله سبحانه وتعالى، كما تبرز أهمية معرفة أفضل مايقال في يوم التروية كزادٍ إيماني للقاصدين.
الانطلاقة الفعلية: من مكة إلى منى في يوم التروية
في صباح يوم التروية، يتحرك ركب الحجيج من مكة المكرمة باتجاه مشعر منى، معلنين بداية المرحلة العملية للحج. هنا تتمايز أحكام الإحرام حسب نوع النسك:
- المتمتع: عليه أن يحرم بالحج في هذا اليوم، بعد أن كان قد أحل من إحرام العمرة سابقًا. فهو يبدأ نسك الحج من منى.
- المفرد والقارن: يظلان على إحرامهما الأول (للحج فقط أو للعمرة والحج معًا) ولا يحتاجان لتجديد الإحرام في منى، بل يواصلان مناسكهما.
وتبقى سنة النبي صلى الله عليه وسلم نبراسًا يُهتدى به، حيث يبيت الحجاج في منى ليلة التاسع من ذي الحجة (ليلة عرفة) اقتداءً به. ويؤدون في منى خمس صلوات كاملة: الظهر، العصر، المغرب، العشاء، ويبيتون ثم يصلون الفجر. وهذا الفجر الذي يصلونه في منى هو فجر يوم عرفة العظيم، حيث ينطلقون بعده مباشرة إلى صعيد عرفة.
سر التسمية: لماذا سُمي يوم التروية بهذا الاسم؟
يحمل اسم “يوم التروية” في طياته دلالات عميقة، اختلفت فيها آراء العلماء والمؤرخين، وكلها تصب في معاني الإعداد والتفكير والاستباق:
- التروية بالماء والاستعداد للظمأ: هذا هو السبب الأكثر شهرة ورواجًا. ففي الزمن الأول، وقبل توفر المياه بكثرة في مشعر عرفة ومنى كما هو الحال الآن، كان الحجاج في هذا اليوم “يروون” من الماء في مكة ويحملونه معهم في القِرب (الروايا) ليرتووا به ويستعدوا لأيام الحج التالية في عرفة ومزدلفة ومنى، حيث شُحَّت المياه آنذاك. يقول العلامة البابرتي في “العناية شرح الهداية”: “وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ بِالْمَاءِ مِنْ الْعَطَشِ فِي هَذَا الْيَوْمِ يَحْمِلُونَ الْمَاءَ بِالرَّوَايَا إلَى عَرَفَاتٍ وَمِنًى”.
- التروي والتفكر في أمر إبراهيم عليه السلام: رواية أخرى تربط الاسم بقصة خليل الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام. ففي ليلة الثامن (ليلة التروية)، رأى إبراهيم في المنام ما يفيد أمر الله له بذبح ابنه إسماعيل. فلما أصبح (في يوم التروية)، “رأى” أي فكّر وتدبر وتروى طوال النهار من الصباح حتى المساء: هل هذا الرؤيا من الله تعالى حقًا أم هي وسوسة من الشيطان؟ فسمي اليوم بيوم التروية لهذا التروي والتفكر في الأمر الجلل. ويوضح العلامة العيني في “البناية شرح الهداية” هذا المعنى بقوله: “وإنما سمي يوم التروية بذلك؛ لأن إبراهيم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ رأى ليلة الثامن كأنَّ قائلًا يقول له: “إن الله تعالى يأمرك بذبح ابنك”، فلما أصبح رؤي، أي: افتكر في ذلك من الصباح إلى الرواح؛ أمِنَ الله هذا، أم من الشيطان؟ فمِن ذلك سمي يوم التروية”.
وهكذا، يجمع اسم “التروية” بين الاستعداد المادي بحمل الماء للارتواء من العطش، والاستعداد الروحي والقلبي بالتروي والتفكر والتأهب لطاعة الله، ممثلة في قصة الذبيح.
سنن وأعمال الحاج في يوم التروية: بناء الجسور إلى عرفة
يوم التروية ليس مجرد محطة انتقال، بل هو يوم عبادة له سننه وأعماله المستحبة التي ينبغي للحاج أن يحرص عليها:
- الإحرام من منى (للمتمتع): على المتمتع أن يحرم بالحج من منى في هذا اليوم، بعد أن يكون قد تحلل من عمرته. والسنة ألا يتشدد ويتحرج فيدخل في الإحرام قبل وصوله إلى منى من مكة.
- المبيت بمنى: من أهم السنن المؤكدة المبيت بمنى ليلة التاسع من ذي الحجة (ليلة عرفة). وهذا المبيت سنة نبوية ثابتة.
- إقامة الصلوات الخمس: يصلي الحاج في منى الظهر والعصر والمغرب والعشاء وفجر يوم عرفة، كل صلاة في وقتها. والسنة هنا تقصير الصلاة الرباعية (الظهر والعصر والعشاء) دون الجمع بينها. فيقصر الرباعية إلى ركعتين، ويصلي المغرب والفجر كاملتين دون قصر. (الجمع غير مشروع في منى في هذا اليوم).
- الإكثار من التلبية: يستحب للحاج أن يكثر من رفع صوته بالتلبية: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبي ويرفع صوته بها.
- الإكثار من الذكر والدعاء والاستغفار: يستغل الحاج هذا اليوم في التقرب إلى الله بكثرة التسبيح (سبحان الله)، والتحميد (الحمد لله)، والتهليل (لا إله إلا الله)، والتكبير (الله أكبر)، والاستغفار، والدعاء بكل ما يحتاجه في دينه ودنياه وآخرته. وهو وقت مثالي لسؤال الله القبول والنجاح في مناسك الحج.
- الاستعداد النفسي والجسدي: يكون هذا اليوم فرصة للحاج ليرتاح ويستعد جسديًا ونفسيًا ليوم عرفة الطويل المليء بالروحانيات والطاعات. كما يتجهز للانطلاق إلى عرفة بعد صلاة فجر يوم التروية (الذي هو فجر يوم عرفة).
أفضل مايقال في يوم التروية: أدعية تروي القلوب وتجبر الخواطر
لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مخصوص بلفظ معين ليوم التروية، مما يفتح الباب واسعًا للحاج ولغير الحاج للدعاء بكل خير. غير أن جموع المسلمين تداولت على مر العصور أدعية جامعة مليئة بالمعاني الإيمانية العميقة، تتناسب مع روح هذا اليوم واسمه، وتعد من أفضل مايقال في يوم التروية، نذكر منها:
- دعاء الارتواء الروحي والجبر:
“يَارَبِّ ارْوِ خَاطِرِي بِالْجَبْرِ، وَصُبَّ عَلَى قَلْبِي مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَأَدِمْ عَلَيَّ مِنْ فَضْلِكَ بِالسِّتْرِ، وَأَذِقْنِي حَلَاوَةَ الْعِوَضِ بَعْدَ الرِّضَى وَالصَّبْرِ، وَاسْقِنِي مِنْ يَدِ حَبِيبِكَ الْمُصْطَفَى ﷺ شَرْبَةً هَنِيئَةً مَرِيئَةً لَا أَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا..
يَا مَنْ لَا تُرَدُّ سَائِلًا دَعَاكَ أَبَدًا، أَجِبْنِي وَارْوِ عَطَشَ قَلْبًا لِلْإِجَابَةِ رَاجِيًا مُنْتَظِرًا، يَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ وَيَا أَكْرَمَ مَنْ أَجَابَ وَأَعْطَى يَا الله..” - دعاء السعادة والفرح والنصيب الوافر:
“اللَّهُمَّ فِي يَومِ التَّرْوِيَةِ أَرْوِ أَعْيُنَنَا بِفَرَحِ الْحَيَاةِ وَغَيْثِ السَّعَادَةِ، وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ خَيْرِكَ أَوْفَرَ الْحَظِّ وَالنَّصِيبِ..” - دعاء الإصلاح الشامل والتحقيق:
“اللَّهُمَّ لَا تُخْرِجْنَا مِنْ يَومِ التَّرْوِيَةِ إِلَّا وَقَدْ أَصْلَحْتَ حَالَنَا وَقَوَّيْتَ إِيمَانَنَا وَأَسْعَدْتَ حَيَاتَنَا وَحَقَّقْتَ مَا فِي قُلُوبِنَا، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ..” - دعاء الجبر والفرح بالإجابة والتوسل بالنبي ﷺ:
“اللَّهُمَّ أَرْوِ قُلُوبَنَا جَبْرًا وَفَرَحًا بِالِاسْتِجَابَةِ، وَارْزُقْنَا شُرْبَةً مِنْ يَدِ حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ ﷺ لَا نَظْمَأُ بَعْدَهَا أَبَدًا. صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.” - دعاء الرحمة والمغفرة وقبول الحج:
“اللَّهُمَّ فِي هَذَا الْيَومِ الْمُبَارَكِ، يَومِ التَّرْوِيَةِ، ارْوِ قُلُوبَنَا بِفَيْضِ رَحْمَتِكَ وَعَظِيمِ مَغْفِرَتِكَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا السَّكِينَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ وَالرِّضَا، وَعَافِنَا وَاعْفُ عَنَّا، وَارْفَعِ اللَّهُمَّ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللَّهُمَّ فِي هَذَا الْيَومِ الْمُبَارَكِ اكْتُبْ لَنَا حَجَّ بَيْتِكَ وَتَعْظِيمَ شَعَائِرِكَ، وَامْنُنْ عَلَيْنَا بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ..” - دعاء الثبات والتزين والتكفير والرحمة:
“اللَّهُمَّ فِي يَومِ التَّرْوِيَةِ أَكْثِرْ حَسَنَاتِنَا بِالْمِيزَانِ، وَأَوْرِثْنَا جَنَّةً ذَاتَ أَفْنَانٍ، وَثَبِّتْنَا بِالتَّقْوَى وَالْإِيمَانِ، وَزَيِّنْ يَومَنَا بِالتَّوْبَةِ وَالْغُفْرَانِ، وَأَصْلِحْ حَالَنَا وَأَحْوَالَنَا يَا رَحْمَنِ، وَاحْفَظْنَا مِنْ شَرِّ الْإِنْسِ وَالْجَانِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَنَجِّنَا مِنَ النِّيرَانِ، وَاجْعَلْ أَيَّامَنَا مُبَارَكَةً فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَاجْعَلْ دَارَنَا وَدَارَ وَالِدِينَا جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ يَا عَظِيمَ الْإِحْسَانِ.” - دعاء الحمد والاستعاذة والاستوداع:
“اللَّهُمَّ أَكْرَمْتَنِي فَلَكَ الْحَمْدُ، وَسَتَرْتَنِي فَلَكَ الْحَمْدُ، وَرَزَقْتَنِي فَلَكَ الْحَمْدُ، وَعَافَيْتَنِي فَلَكَ الْحَمْدُ، رَبِّي لَكَ الْحَمْدُ حُبًّا وَشُكْرًا، وَلَكَ الْحَمْدُ يَوْمًا وَعُمُرًا، وَلَكَ الْحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَلَكَ الْحَمْدُ إِذَا رَضِيتَ، وَلَكَ الْحَمْدُ بَعْدَ الرِّضَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ قَهْرٍ يُؤْلِمُنِي، وَمِنْ هَمٍّ يُحْزِنُنِي، وَمِنْ فِكْرٍ يُقْلِقُ عَقْلِي، رَبِّ اسْتَوْدَعْتُكَ نَفْسِي وَأَهْلِي فَاحْفَظْنَا بِحِفْظِكَ.” - دعاء الرجاء والمضطر والتوسل بالنبي ﷺ:
“اللَّهُمَّ أَنْتَ رَجَاءُ الْمُذْنِبِينَ، وَآمَالُ الْخَائِفِينَ، وَمُجِيبُ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، فَاسْتَجِبْ دُعَاءَنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.”
أدعية نبوية مأثورة: جوهرة الدعاء في يوم التروية
إلى جانب الأدعية السابقة الجامعة، فإن أفضل مايقال في يوم التروية على الإطلاق هو الأدعية المأثورة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهي تضمن للعبد البلاغ والكفاية:
- دعاء المغفرة والاعتراف بالذنب:
“اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.” - دعاء سؤال الخير كله والاستعاذة من الشر كله:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا.” - دعاء النور الشامل:
“اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَأَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَفَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، وَاجْعَلْ لِي نُورًا، أَوْ قَالَ: وَاجْعَلْنِي نُورًا.” - دعاء الإصلاح الشامل للدين والدنيا والآخرة:
“اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ.” - دعاء الهداية إلى الحق:
“اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.” - دعاء العبودية والاعتراف والاستغفار وسؤال الأخلاق:
“اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ.” - دعاء الاستعاذة من زوال النعمة وتحول العافية:
“اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.”
يوم التروية لغير الحاج: باب مفتوح للرحمة والأجر
لأن رحمة الله وسعت كل شيء، فإن فضل يوم التروية وأعماله وأدعيته لا تقتصر على الحجاج فقط. فمن لم يُكتب له الحج هذا العام، لا يزال أمامه فرصة عظيمة للتقرب إلى الله في هذا اليوم المبارك، والانتفاع ببركته، وتروي قلبه من معين الإيمان، وذلك بـ:
- الصيام: أجمع العلماء على استحباب صيام يوم التروية (الثامن من ذي الحجة) لغير الحاج. ورد في فضل صيام أيام العشر أن “صيام يوم منها يعدل صيام سنة، وقيام ليلة منها يعدل قيام ليلة القدر”. وهو كفارة للسيئات وزيادة في الحسنات.
- الإكثار من الذكر: التهليل (لا إله إلا الله)، والتكبير (الله أكبر)، والتحميد (الحمد لله)، والتسبيح (سبحان الله)، والتلبية (وإن لم يكن حاجًا، يستحب ذكر معناها). فهي من أحب الكلام إلى الله.
- الإكثار من الدعاء: الدعاء هو العبادة. ويمكن لغير الحاج أن يدعو بكل الأدعية السابقة الذكر للحاج، خاصة تلك التي تتناسب مع حاله وتتعلق بصلاح دينه ودنياه وآخرته، وتروي ظمأ قلبه للرحمة والرضا. ومن أفضل مايقال في يوم التروية لغير الحاج:
- “اللَّهُمَّ نَسْأَلُكَ فِي يَومِ التَّرْوِيَةِ صَحَائِفَ أَعْمَالٍ، يَمْلَؤُهَا رِضَاكَ وَعَفْوُكَ وَغُفْرَانُكَ، وَقُلُوبًا تَنْبَضُ بِذِكْرِكَ، وَارْوِ يَا رَبِّ ظَمَأَنَا يَومَ الْعَطَشِ الْأَكْبَرِ.”
- “اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي.”
- “اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا.”
- التوبة النصوح والاستغفار: استشعار معاني التروية في التروي عن المعاصي والعزم على التوبة.
- فعل الخيرات والصدقات: استغلال فضل العشر في البذل والعطاء.
الخاتمة: يوم التروية.. تروية للجسد والروح
يوم التروية ليس مجرد تاريخ في التقويم، ولا محطة عابرة في رحلة الحج. إنه يوم يحمل في اسمه فلسفة كاملة للاستعداد لملاقاة الله. تروية للجسد بالماء استعدادًا لأيام الجهد والعطش. وتروية للروح والقلب بالذكر والدعاء والتفكر والاستغفار والتوبة، استعدادًا للوقوف بين يدي الله في عرفة، أو استعدادًا لاستقبال بركات هذه الأيام المباركة. إنه يوم يعيد ترطيب الإيمان، ويروي الشوق إلى الطاعة، ويجبر الخواطر برحمة الله الواسعة. فاغتنموا فضله، وأكثروا فيه من أفضل مايقال في يوم التروية من ذكر ودعاء، وتوجهوا إلى الله بقلوب خاشعة مطمئنة، راجين رحمته وقبول عملكم، إنه سميع مجيب.







