قبيلة العقيدات حكايات البطولة والتراث في شرق سوريا

لا يزال اسم قبيلة العقيدات يتردد كصدى التاريخ العريق في سهول سوريا الشرقية وصحاريها، فهي ليست مجرد تجمع سكاني، بل هي إرث حي من الشجاعة والأنفة والترابط الاجتماعي الذي صمد عبر القرون.
تعد هذه القبيلة من أضخم الكيانات الاجتماعية وأكثرها نفوذاً في المنطقة الشرقية من سوريا ووسطها، حيث تمتد جذورها عميقاً في تربة التاريخ العربي، حاملةً معها سجلاً حافلاً بالأمجاد والمواقف الوطنية التي شكلت جزءاً لا يتجزأ من هوية المنطقة. يعود نسبهم، وفق جلّ الباحثين والمؤرخين، إلى بني زبيد الأصغر، الذين ينحدرون بدورهم من زبيد الأكبر بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج، ضمن قبائل كهلان القحطانية العظيمة. كانت منازل أسلافهم الأولى حتى القرن الثالث الهجري تقع في وادي تثليث الشهير، تلك البقعة الجغرافية التي تعرف اليوم بكونها ديار قبائل قحطان العريقة في شبه الجزيرة العربية.
مواضيع ذات صلة : اسماء قبائل سوريا العربية
أصول الهجرة: رحلة من نجد إلى ضفاف الفرات
يشير المؤرخون إلى أن نقطة التحول الكبرى في تاريخ قبيلة العقيدات كانت في القرن الثالث الهجري تقريباً، حين شهدت القبائل الزبيدية هجرة جماعية نحو الشمال. يوضح مضر حماد الأسعد، عضو مجلس القبائل والعشائر السورية، أن هذه القبائل حطت رحالها في جبال طي (أجا وسلمى)، حيث عاشت بجوار السكان الأصليين من بني طي. وقد ورد ذكرهم في قصائد المؤرخ ابن المقرب عند حديثه عن موقعة “لينة” الشهيرة، تلك المواجهة التي جمعت بين بني زبيد وطي من جهة، وقافلة حجاج العراق من جهة أخرى.
سبب التسمية: عقدة حائل.. منشأ الاسم والهوية
ترتبط هوية القبيلة ارتباطاً وثيقاً باسم “عقدة”، تلك البلدة الواقعة في منطقة حائل بنجد. فبعد هجرتهم منها باتجاه ضفاف نهر الفرات الخصبة في العراق وسوريا، حملوا معهم اسم موطنهم الأصلي، ليتحول مع الزمن إلى “العقيدات”. لقد كانوا آخر الموجات الزبيدية التي غادرت عقدة حائل في رحلة نحو الشمال، ضمن آخر الهجرات البدوية الكبرى من الجزيرة العربية. سبقتهم هجرة بني خالد الجبرية من الأحساء في القرن الحادي عشر الهجري، وتلتها هجرات شمر وعنزة في القرون التالية.
مواضيع ذات صلة: قبيلة النعيم في سوريا : عراقة النسب وعمق التاريخ
الصراع على الديار: زبيد وطي وتحول موازين القوة
يشير السيد الأسعد إلى أن بني زبيد تمكنوا لفترة من السيطرة على مناطق واسعة كانت تقطنها قبيلة طي في أجا وسلمى. لكن المشهد القبلي شهد تحولاً جذرياً مع نشوء تحالف طائي جديد تحت مسمى “شمر”، ضم قبائل زوبع والأسلم الطائيتين، وانضمام قبيلة عبدة المذحجية القادمة من تثليث. هذا التحالف العريض قلب موازين القوة ضد قبائل زبيد، فاضطر الأخيرون إلى التوجه شمالاً نحو تيماء، ثم واصلوا رحلتهم على شكل موجات بشرية متلاحقة إلى بوادي العراق وسوريا في حدود القرن التاسع الهجري.
موجات الهجرة وتشكيل الخارطة القبلية الجديدة
شملت هذه الهجرة الكبرى أهم القبائل الزبيدية مثل العقيدات والدليم والجبور والعزة والجنابيين والبو شعبان والبو محمد. وجدت هذه القبائل نفسها أمام واقع جديد: ديار يسكنها قبائل راسخة من القيسية وبني زبيد الأكبر وآل مِرَى الطائية. بعد سلسلة من المواجهات، نجحت قبائل زبيد الأصغر في إعادة تشكيل الخارطة القبلية، وأسست لنفسها مواقع نفوذ رئيسية على ضفاف دجلة والفرات. لاتزال آثار العقيدات شاهدة على وجودهم القديم في حائل، من خلال مواقع مثل قرية عقدة ووادي الصهيبي ومنطقة برزان.
التمركز والانتشار: من البادية إلى ضفاف الفرات
ظلت قبيلة العقيدات متمسكة بنمط الحياة البدوي، تجوب مع حلفائها التقليديين من قبيلة الموالي الطائية بادية الشام وحمص وحماة بقطعان ماشيتها. لكن مسارها التاريخي شهد منعطفاً حاسماً مع حدوث موجة هجرة زبيدية أخيرة نحو بلاد الشام والعراق في القرن العاشر الهجري تقريباً. يذكر الأسعد أن خلافاً نشب بين العقيدات وحلفائها الموالي، أدى إلى انفصال المسارين. فتقدمت قبيلة العقيدات، مصطحبة معها عدداً من القبائل والعشائر الشامية، نحو نهر الفرات لتبدأ مرحلة الاستقرار الدائم.
دير الزور: القلب النابض للعقيدات
استقرت القبيلة على ضفتي النهر الخالد في محافظة دير الزور، حيث امتدت مناطق نفوذها على الضفة اليمنى (الشامية) من التبني غرباً إلى قرية الهري على الحدود العراقية شرقاً. أما على الضفة اليسرى (الجزيرة)، فقد تمركزت من قرية خشام قرب دير الزور إلى الباغوز على الحدود العراقية. كما امتد وجودهم على ضفتي نهر الخابور، من شمال ناحية الصور حتى مصبه في الفرات عند ناحية البصيرة. تشكل العقيدات مع أحلافها ما يقارب 60% من سكان محافظة دير الزور، ولها امتدادات واضحة في محافظات سورية أخرى.
جهاد ضد المستعمر: صفحات مشرقة من البطولة
سطر أبناء قبيلة العقيدات، وخاصة عشيرتي البوخابور والعنابزة، أروع ملاحم المقاومة ضد القوى الاستعمارية. يؤكد الأسعد أنهم كانوا عماد ثورة عشائر العراق الكبرى عام 1920م، حيث كانت انتفاضتهم في دير الزور الشرارة التي ألهبت مشاعر القومية لدى عشائر الفرات الأوسط العراقي. لقد نجح مقاتلو العقيدات ليس فقط في تحرير دير الزور والبوكمال من البريطانيين، بل وطاردوا قواتهم داخل الأراضي العراقية لمسافة مئتي كيلومتر.
معارك خالدة في ذاكرة الأمة
خاض المقاتلون سلسلة من المعارك البطولية التي لا تزال تروى في المجالس، منها معركة تحرير البوكمال، ومعارك المجرود والمدكوك والنسورية وظبيعة ووادي الرتقة والصفرة. بل وصلت قواتهم إلى مشارف مدينة عانه العراقية، واشتبكت مع البريطانيين في معارك البارج والفحيمي. لعبوا أيضاً دوراً محورياً في حرب الإمدادات عندما كلفتهم الحكومة الشريفية بقطع خطوط الإمداد البريطانية بين بغداد والموصل، مما أدى لمواجهات عنيفة في حمام العليل والثرثار.
المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي: بطولة متجددة
لم يكن نضالهم ضد الفرنسيين أقل بأساً، حيث خاضوا معارك ضارية في البوكمال وخشام والبوخابور وأبو سيباط والمصلخة. وتوجوا كفاحهم بتحرير مدينة البوكمال في آذار 1945م، ليكونوا بذلك أول من حرر أرضه من الاحتلال الفرنسي قبل باقي المدن السورية، محققين انتصاراً تاريخياً سجله المؤرخون بأحرف من نور.
البنية القبلية: فروع وشبكة معقدة من النسب
تعود جذور قبيلة العقيدات إلى ثلاثة أخوة هم: كامل، كمال، وزامل أبناء غنام بن علي بن سالم الصهيبي. بالإضافة إلى ابن عمهم محمد بن سالم الصهيبي الملقب بالساري. من هذه الأصول الأربعة تشعبت الفروع الرئيسية:
- البو كامل: ينحدرون من كامل الغنام، وشيوخهم آل الهفل.
- البو كمال: ينحدرون من كمال الغنام، ويتفرعون إلى عشائر عدة أهمها البوكمال.
- الشعيطات: ينحدرون من زامل الغنام، وانضموا لاحقاً للبوكمال.
- البو سرايا: ينحدرون من محمد “الساري”، وشيوخهم آل الشلاش والفياض.
برز من شيوخ العقيدات على مر التاريخ أسماء لامعة مثل آل الهفل وآل الدندل والنجرس والجراح، ومنهم الشيخ خليل العبود الجدعان الهفل والشيخ جميل الرشيد الهفل، الذين تركوا بصمات واضحة في تاريخ القبيلة والمنطقة.
تفصيل عشائر البو كمال: نسيج متشعب
تتفرع عشائر البوكمال (نسبة لكمال الغنام) إلى عدة بطون رئيسية:
- الحسُّون (عيال حسن): وينقسمون إلى:
- العلي الحسون: ويتضمنون عشائر العساف (ومنهم شيوخ الدندل والناصيف)، والحمد (المكاليب، العبد، المصطفى)، والحمودي (الحمادة، الجرو، المعاقيد)، والعوران (الحسين العلي)، والخنافر (العبدالله العلي).
- المحمد الحسون: ويضمون الداغر، والبو عبدالله (الصويلح: الشلال، المخاميش، الحمودي، الحجاج).
- الدميم (أخوة ميثة): شيوخهم آل الجراح، ويتفرعون إلى:
- الحسين الدميم (الجراح – شيوخ الدميم، العباس، الطوطحة، الطبابشة).
- الحسن الدميم (العجارجة).
- العلي الدميم (الأذار، الفاعور). ويعد الشيخ نواف الفارس الجراح، السفير السابق، من أبرز شيوخهم.
- الجعالكة: عددهم قليل، يسكنون قرية السوسة بدير الزور ولهم وجود في الموصل.
- الشعيطات (عيال زامل): انضموا للبوكمال، ويتفرعون إلى أيوب الزامل (الخنفور، الرفاعي، الجبل، النهاب، القبلان، العثمان) وشهاب الزامل (الجدوع، الخلف).
- المريح (أخوة عفة): من أبناء بدران، ويتفرعون إلى جبارة البدران (مدلج الجبارة، الخليفات) وفنطل البدران (المحمد الفنطل: العثمان، الحديد، البو زعر، البو عفارة، الزاغات).
- المراشدة: من أبناء مرشد الداود الكمال، ومن فروعهم الموسى العبدالله والوزرة (المتلوين، العرار، الحسن الذياب).
- الدليج: من أبناء طرفي الحمود الكمال، ولهم وجود في العراق (البو إسماعيل، البو معيصف، المصاليخ).
- البو حردان: من أبناء علي الداود الكمال، ويتفرعون إلى الصبيخان، البو فقرة، البو حديد، النمر، البوعلي.
تفصيل عشائر البو كامل: العمود الفقري للقبيلة
تتفرع عشائر البوكامل (نسبة لكامل الغنام) – وشيوخهم آل الهفل – إلى:
- البو كامل (أخوة هدلة): من أبناء حمد وعزيز وخلف بن محمد الكامل. ويتضمنون:
- الحمد: ومنهم آل الهفل (شيوخ شمل العقيدات)، الطلاع الحمد، الصالح الحمد، المشالبة، الشهاب الحمد.
- البو عزالدين: الشهاب، الحجاج، البو خلف. ومن رموزهم الشيخ رامي الدوش والشيخ إسماعيل العسكر الهفل.
- البكير (أخوت عترة): من أبناء بكر بن محمد الكامل. ومن فروعهم القبيصة (كبيرهم سليمان الحمادة)، الفرج (حسين الكسار)، الحسن (العنابزة، المشرف، الركيوة، العيد، الخضير، الكامل، المحيمد). ومن شيوخهم البارزين عبدالعزيز الحمادة ومحمود الجبن.
- الشويط (أخوة السمرة): من أبناء مسرَّة الكامل. ومن فروعهم المشلب، الحمزات، العزام، الخالد، المجابلة، الساري، البو محمد.
- الثلث (البو حسن، البو رحمة، القرعان):
- البو حسن (أخوت عدلة): شيوخهم النجرس (عبد الكريم باشا، تركي بيك، فيصل النجرس). فروعهم: الحمد العلي، الحرقان، العشاعشة، الجعدان (الشويط، الخالد، النصر الله – ومنهم النجرس، الظاهر، المحمد، عزام).
- البو رحمة: فروعهم: الضاوين، العليوي المحمد، البو نصية، البو ناصر، الرحيمة. ومن شيوخهم الشيخ ارهيمان كوان الجبارة.
- القرعان (أخوة الحدبة): فروعهم: الحمد المحمد، البو عواد، الشنان، الحسن الأقرع، الزبيب (كبيرهم منادي الخليل).
- البو سرايا (ذروب، أخوة صبحة): شيوخهم الشلاش والفياض. فروعهم البو محمد (الجروات، الحسوني، البو عزام، البو عزالدين، البو شعيب، البو حمزة، العفيشات، البو مطر، الذياب، الموسى).
العشائر المتحالفة: نسيج اجتماعي مترابط
يضم نسيج قبيلة العقيدات أيضاً عشائر تحالفت معها وأصبحت جزءاً من كيانها الاجتماعي الكبير، مثل البو خاطر (من طي)، البو عيسى (آل ربيعة الطائيين)، الرحبيين (نسبة لرحبة مالك بن طوق)، الحلبيين (قيسية وبعضهم من البو شعبان الزبيدية)، الفليتة (آل فليت من زبيد الحلة)، السفافنة (من الحريث الطائي)، البو شيخ، والبو حميد (من البو شعبان الزبيدية).
الانتشار الجغرافي: حضور قوي في الخارطة السورية
تمتد جذور قبيلة العقيدات وفروعها عبر عدة محافظات سورية، مما يعكس قوتها وانتشارها:
- محافظة الحسكة: استقرت تجمعات جديدة من أبناء القبيلة فيها قادمين من دير الزور.
- محافظة الرقة: ومن أهم فروعهم فيها: البياطرة (كبيرهم فيضي الفواز)، البراغلة، الشمطة، البو سرايا.
- محافظة حلب: وأبرز فروعهم: البوليل (كبيرهم مصطفى شويطة، الشيخ مجحم الهيال)، الخرفان، الهرامشة، البوكمال (كبيرهم يوسف الشواخ)، الزغيفات، الفواضلة، البو عجيل، البو ثامر، البو حمد، البو حليحل، العون (من بني سعيد في منبج).
- محافظات حماة وحمص: ومن فروعهم: الدغامشة، البوسيف، البو سلامة، البو سرايا، الجحاونة، البو هرموش (كبارهم الغاطي)، البكير، البو عساف، البو حسن.
- ريف دمشق: يتوزع أبناء القبيلة في مناطق مثل عذرا والغوطة الشرقية ضمن عشائر الضامن، الحمودي، الحمد الإدريس، المعاضيد، الشويط.
عصور الازدهار: التعليم والتجارة والزراعة
يشير الأسعد إلى أن قبيلة العقيدات عرفت فترات ازدهار ملحوظة، خاصة بعد استقرارهم النهائي على ضفاف الفرات في منتصف القرن الثامن عشر. أدى الاستقرار إلى تحسن الأحوال المعيشية وفتح آفاق جديدة. تم إرسال عدد من أبنائهم للدراسة في مدارس العشائر التي أنشأها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في إسطنبول، بينما انتظم آخرون في صفوف فرق الهجانة العثمانية. تطورت حياتهم الاقتصادية لتعتمد على ثلاث ركائز: التجارة النشطة على طول النهر، والزراعة في الأراضي الخصبة المحيطة، وتربية الأبقار والماعز على ضفاف الفرات والخابور.
التعايش والتحالفات: نسيج اجتماعي معقد
عاش العقيدات في حالة من التعايش السلمي والتجاور مع القبائل والعشائر السورية المجاورة القوية، مثل الجبور والبكارة والبو شعبان والفدعان والدليم. وكان هناك تعاون اقتصادي واضح في مجال الزراعة والتجارة مع عشائر الحضر في مراكز المدن الرئيسية مثل دير الزور والميادين والقائم، ومن أهم هذه العشائر الحضرية: الخريشة (بني صخر)، الظفير، البوبدران، والجويشنة (من طيء). بالطبع، لم تخلُ العلاقات من بعض النزاعات والمواجهات الصغيرة، غالباً حول موارد المراعي أو نتيجة للتدخلات السياسية الخارجية من قبل العثمانيين أو القوى الاستعمارية اللاحقة التي حاولت استمالة هذه القبائل الكبيرة لصالحها.
رجالات صنعوا التاريخ: شيوخ وأدباء وعلماء
برز من بين صفوف قبيلة العقيدات عدد من الزعامات الكاريزمية التي تركت أثراً عميقاً، مثل رمضان باشا شلاش، الشيخ جدعان الهفل، الشيخ رشيد الهفل، الشيخ دحام الدندل، الشيخ مشرف الدندل، الشيخ فهد الدندل، ابن نجرس، ابن جراح، والفارس كوان الجبارة. كما أثرى أبناؤها الساحة الثقافية العربية بأدباء وشعراء متميزين، منهم: أسعد الفارس، محمود سلمان المصلح العقيدي، الشاعر سليمان العقيدي، مظهور العقيدي، عبدالعزيز العقيدي، زهير زهدي العقيدي، صالح العليان الشعيطي، حسين العلي العقيدي، والشاعرة والأديبة تماضر الموح. ولم يقتصر تميزهم على السياسة والأدب، فقد برز منهم أيضاً علماء دين وقضاة معروفون بمكانتهم وحكمتهم، مثل محمود الخزام، ابن صيفي، ابن مظهور، ابن منادي، صالح الجراح، ابن صبيخان، وظاهر الأحبش.
في عيون المؤرخين: شهادات على العظمة
ترك المؤرخون والرحالة شهادات حية تثبت مكانة قبيلة العقيدات الفريدة:
- البارون ماكس فون أوبنهايم: وصفهم في موسوعة البدو الشهيرة بقوله: “يمثل العقيدات، سكان الفرات الأوسط، أكبر قبيلة في بلاد الرافدين، وهم إلى هذا ميّالون جداً إلى الحرب، ومحاربون أشدّاء، وسّعوا منطقتهم عبر حروب متواصلة، ودافعوا عن حرّيتهم ببسالة، ضد الأتراك أول الأمر، ثم ضد الإنكليز والفرنسيين في الحقبة الأخيرة، وهم من أكثر قبائل الفرات جبروتاً”.
- الشيخ محمد البسام التميمي النجدي: كتب في “الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر” (1818م): “العقيدات بجانب الشامية القول فيهم إنهم ذهاب المحن وأرباب المدن وبدر الليل، وإن أجن، عوايدهم جميلة، وفوائدهم جليلة سقمانهم ألفان، وفرسانهم ثمانمئة”.
- العلامة أحمد وصفي زكريا: ذكر في كتابه المرجعي “عشائر الشام”: “العقيدات عشيرة كبيرة تُعد من أكبر العشائر الريفية في بلاد الشام عدداً، وأوسعها منازلاً ومحارثاً ومزارعاً، وأبعدها في باب الوثوب والمقارعة أثراً”. وأضاف متحدثاً عن فرعهم في حماة: “أصلهم من قبيلة العقيدات الكبيرة المستقرة في وادي الفرات في محافظة دير الزور، وهم على قلّتهم يعدون ذوي بأس شديد بين العشائر…”.
- سلطان بن طريخم السرحاني: أكد في “جامع أنساب العرب” أنهم: “من عشائر بادية الشام، وتعود في الأصل إلى عشيرة زبيد القحطانية. وهي ذات سلطة ونفوذ في أنحاء دير الزور… ولها أيام معدودة ما بينها وبين شمر والدليم والعمارات والفدعان والموالي. وهي ذات صيت وساعدت في طرد الفرنسيين من بلاد سوريا”.
إرث يتحدى الزمن: العقيدات في الزمن المعاصر
اليوم، لا تزال قبيلة العقيدات تشكل ركيزة أساسية في النسيج الاجتماعي والسياسي لشرق سوريا. لقد حافظت على تماسكها الداخلي وقيمها الأصيلة رغم كل التحديات والعواصف السياسية التي مرت بها المنطقة. يمثل تاريخهم العريق ونضالهم المستمر ضد الاستعمار مصدر فخر لأبنائهم، ودرساً في الصمود والكرامة للأجيال القادمة. فهم ليسوا مجرد قبيلة عربية عريقة، بل هم حراس تراث وحماة أرض، ساهموا في تشكيل هوية المنطقة ببطولاتهم وتضحياتهم وثقافتهم الغنية التي تتوارثها الأجيال. حكاية العقيدات هي حكاية الشرق السوري بكل ما فيه من قوة وصلابة وأصالة، حكاية مستمرة ترويها الرمال والأنهر وألسنة أهلها.