تُعد قبائل شمر في العراق واحدة من أكبر وأهم القبائل العربية، ولها حضور تاريخي وجغرافي واسع النطاق يمتد عبر جميع أنحاء البلاد، من الشمال إلى الجنوب. يقدر عدد أفراد هذه القبيلة بما يتراوح بين 8 إلى 9 ملايين نسمة، مما يجعلها قوة ديموغرافية واجتماعية لا يُستهان بها. تتميز شمر بتراثها العريق وبدورها المحوري في تشكيل تاريخ العراق، حيث شاركت في العديد من المعارك والحروب، وأثرت بشكل كبير في المشهد السياسي والاجتماعي.
الجذور التاريخية والنسب العريق لقبائل شمر
تُعتبر قبائل شمر من العشائر التاريخية ذات الأصول العربية الأصيلة. يُرجع المؤرخون والنسابون نسب قبيلة شمر إلى قبيلة طيء القحطانية العريقة، والتي تُعد من أقدم وأشهر القبائل العربية في شمال الجزيرة العربية. يُقال إن اسم “شمر” هو اسم جد جامع، أو أنه اسم لقبيلة تكونت من تحالف وتجمع لعدد من بطون طيء. هذا النسب القحطاني يمنح قبائل شمر عمقًا تاريخيًا وشرعية عريقة في المشهد القبلي العربي.
يرتبط نسب قبيلة شمر ارتباطًا وثيقًا بجبل شمر في منطقة حائل بالمملكة العربية السعودية، والذي يُعتبر موطنًا تاريخيًا للقبيلة قبل تمددها وانتشارها في الجزيرة العربية والعراق والشام. وقد لعبت هذه المنطقة دورًا محوريًا في صياغة هوية شمر وتشكيل فرسانها وقادتها.
مواضيع ذات صلة:
شيخ شمر : قبيلة عريقة وشيوخ ذوو نفوذ
رمز قبيلة شمر : رمز العراقة وقوة النفوذ
الانتشار الجغرافي وحجم قبائل شمر في العراق
تُعد قبائل شمر في العراق من أكبر التجمعات القبلية، حيث يُقدر عددهم بحوالي 8 إلى 9 ملايين نسمة. هذا الحجم الكبير يمنح القبيلة نفوذًا اجتماعيًا وسياسيًا كبيرًا في البلاد.
التوزيع الجغرافي: تنتشر قبائل شمر بشكل واسع في مختلف محافظات العراق، مما يدل على قدرتها على التكيف والانتشار في بيئات متنوعة. من أبرز مناطق تواجدها:
- الشمال: كركوك، نينوى (خاصة الموصل)، وصلاح الدين.
- الوسطى: ديالى، الأنبار.
- الجنوبية: أجزاء من الديوانية، النجف، وكربلاء.
هذا الانتشار الواسع جعل قبائل شمر مكونًا أساسيًا في النسيج الاجتماعي العراقي، حيث تتواجد في المدن والقرى والبادية، وتمارس أدوارًا مختلفة تتناسب مع طبيعة كل منطقة.
الفروع والعشائر الرئيسية لقبائل شمر في العراق
تتكون قبائل شمر من عدد كبير من الفروع والعشائر، مما يعكس تعقيد بنيتها القبلية وقوتها. على الرغم من أن بعض هذه الفروع قد حافظت على أسمائها القديمة، إلا أن هناك فروعًا أخرى اكتسبت أسماء جديدة، وإن كانت لا تزال تحت مظلة شمر الأوسع.
من أبرز هذه الفروع والعشائر:
1. السناعيس (شمر القحطانية / السنعودية):
تُعرف هذه القبائل بنخوتها الشهيرة “سناعيس”. وهي قبائل كثيرة، كلها من شمر القحطانية الأصيلة. يُقال إن أصل “سناعيس” هو “سنا العيس” أي سوقها بإلحاح وشدة، كناية عن سرعة نجدتهم وشجاعتهم. بينما يرى الأب الأستاذ أنستاس ماري الكرملي أن أصلها “قناعيس” ومفردها “قنعاس” وهو الرجل الشديد، وأن القاف يبدل بالسين في بعض اللهجات. تُعد قبيلة عبدة من أشهر وأكبر قبائل شمر السنعودية، ولها اتصال كبير مع عشائر العراق، ولها فروع في نجد والعراق.
فروع قبيلة عبدة:
- اليحيا: رئيسهم الشيخ عكاب بن عجل، وهو عارفة الكل. ومن فروعهم:
- الفضيل: رئيسهم الشيخ عكاب.
- آل سنان (رئيسهم ابن عجل)
- المناصير (رئيسهم نايف بن داود أبو الميخ)
- الحيساج (رئيسهم هايل بن صياف)
- المفضل: رئيسهم برجس بن جبرين.
- الجنده: رئيسهم ابن دهام.
- آلجري: رئيسهم حمدان الفديد.
- الشميلة: رئيسهم المشوي.
- آل هامل: رئيسهم صيلح بن مثيجل.
- السليط.
- الدغيرات: رئيسهم حواس بن هثمي، ويُعدون من اليحيا، ويُنسبون إلى جد واحد. من فروعهم:
- آل عليان (رئيسهم عسوك بن غازي)
- الحسين (رئيسهم كريدي بن سعدي)
- آل حتمور (فلاح الدوح)
- الحضر (البدو)
- الغيثه
- آل شريهه (رئيسهم التبيناوي)
- التريبان (رئيسهم مطلك بن دليهان الغازي)
- الربيعية: هؤلاء والغرير والحمدانيون يرجعون إلى أصل واحد، ولهم فروع في نجد والعراق. من فروعهم:
- الجعفر: رئيسهم عباس بن علي (والآن هايس العباس). منهم العدلان، الذين كانت فيهم إمارة جبل شمر قبل أن تتكون إمارة الرشيد.
- آل خليل: منهم إمارة الرشيد، التي خلفت إمارة آل علي في جبل شمر، وأصبح أميرها عبد الله بن علي بن رشيد سنة 1215 هـ (1836م).
2. الخرصة:
هذه القبيلة تعرف بصلتها بالرؤساء. من فروعها:
- آل علي: رئيسهم الشيخ العكاب.
- آل سبيه: رئيسهم حواس بن سبيه.
- آل دايس: فخذ الرؤساء آل عكاب.
- البريج: رئيسهم الكعيط، ويُعدون من الخرصة، لكنهم في الأصل من آل محمد. فروعهم:
- البهيمان (رئيسهم بهيمان وابن غراب)
- الحصنة (رئيسهم الكعيط وابن سعدي العارفة)
- الجداية (رئيسهم سلطان بن فلاح وغثيث بن جدعان)
- آل سويحان
- السعدي
- الغوارب
- الماجد
- الولفة
3. زوبع:
تعد هذه القبيلة نفسها من سنجارة أو أنها وسنجارة من جذم واحد، ويُحفظ أن زوبع هو اسم جد بهذا الاسم، ابن محمد الحريث، قبيلة معروفة من طيء. نخوتهم “معن”. تغلب البداوة على هذه القبيلة وإن كانت تقربت من المدن واتخذت الزراعة مهنة لها. رئيسهم الحالي خميس بن ضاري الظاهر المحمود. سكنوا في أراضي أبي غريب وفي اليوسفية وقسم منهم في البادية. فروعهم الأساسية:
- الحيوات: يتفرعون إلى:
- الحمام: يتشعبون من أولاد حمام (بكر وظاهر وعودة وعساف). فروعهم:
- الظاهر (المحمود، الحميدي، الحامد، الجعدان، الجنديل، المحمد، الفارس، الحماد، العواد).
- العودة (السعد، العكيدي).
- العساف.
- البكر (السليم، الطرفة، الحماد).
- السعدان: يتصلون بالحمام بجد واحد. فروعهم: الخضير، الخضر، العابد، الفرهود، اليونس، العبيد. ويلحق بهم: الزوينات (من الجبور)، العناز (من عنزة)، الخوابرة (من أهل الخابور).
- الشيتي: رئيسهم محمد العيد، ويتصلون بالحمام في جد واحد. فروعهم: الشيتي، الحليفات.
- الكروشيين: رئيسهم فزع الشنيتر، ونخوتهم “ضواري”. يسكنون في محيريجة، الربع الخالي، السلطانيات، أم عزب، وهوير معلى، كنيسة، العكروشيات، العجيلية، الزبدية، غبينة، عكروكية، وهوير الباشا في أبي غريب، السديرة، الشطافية، والسهيلية في الرضوانية. فروعهم: الزامل، الفليح، الشنادخة، الحناظلة، الخماس، الهداب.
- الجدادة: رئيسهم صلال المزعل، ونخوتهم “حميدي” أو “حميد”. يسكنون اليوسفية والدويليبي. فروعهم: الزبار، البرغوث، الخماس، الحميد، السهيل، الجهيم، الكمزان، العزم، الربعية، الذوالفة، الرموث، الراضي، البرطلية.
- الفداغة: رئيسهم عراك السعود ورعد المهاوش. أصلهم من سنجارة، ونخوتهم “غريب”، والعامة “زوبع”. يسكنون في أراضي اليوسفية. فروعهم: النابت، الدغيم، النصار، الزيود، الحرابة.
4. الصايح:
هذه التسمية أطلقت على مجموعة من قبائل شمر التي تابعت الصديد في نزاعه مع الجرباء. من أبرز هذه القبائل:
- الأسلم: تعرف بـ “ضنا كدير” و”أهل الحيسة” لكرمهم. نخوتهم “ستر سلمى” (حماتها وعزها). من فروعهم:
- انبيجان (اللحلحة، الهدر، الجباريين، اللهيب، الجذلة، السلمة).
- البعير (السلمان، الطريف، الهمزان، الزبيدات).
- الجحيش (الشوادحة، الجنيفة).
- الوهب.
- المنيع (الجامل، الغرير، المناصير، المسعود، المذعور، الوجعان، اللعنيصم، الزماي، العديم، الفضالة، الصلتة، النفكان، آل غشام، الفايد، الكتفه).
- الصبحي: نخوتها “صبحي” أو “صبحاي”. رئيسها جنعان ابن صديد. من فروعها:
- الحريرة (آل زعيل، آل صكر، الخليف، الشريان، الكويمة، البدن، آل موعد).
- الصديد (الميامين، الخماس، الوحدان، الشبيش، الصيداد).
- الزميل.
- التومان: يعدون الآن من الصايح لمتابعتهم الصديد، وهم في الأصل من الثابت. فروعهم: الاوضاح، الهدبة، النجبان، الصدقة، الصخيل، الربعة.
الدور التاريخي والسياسي لقبائل شمر في العراق
لعبت قبائل شمر دورًا محوريًا في تاريخ العراق، وتأثيرها لم يقتصر على الجانب الاجتماعي فحسب، بل امتد ليشمل السياسة والأمن.
المشاركة في المعارك والحروب
شمر قبيلة محاربة بطبيعتها، وشاركت في العديد من المعارك الكبرى التي شكلت تاريخ العراق. من أبرز هذه المعارك والوقائع:
- وقائع العراق في القرن الثامن عشر: ورد ذكرهم في وقائع العراق سنة 1169 هـ (1756م) وكان رئيسهم آنذاك بكر الحمام.
- الصراع مع المنتفق: كانت هناك خصومات ومعارك بين شمر والمنتفق.
- الصراعات القبلية: خاضت شمر العديد من الصراعات مع القبائل الأخرى على النفوذ والأراضي، مما أكسبها سمعة القوة والشجاعة.
- الصراع على إمارة جبل شمر: لعب الجعفر من عبدة، ومنهم آل علي (العدلان)، دورًا رئيسيًا في إمارة جبل شمر قبل أن تتشكل إمارة آل رشيد، التي أيضًا خرجت من شمر. هذا الصراع يعكس نفوذ شمر السياسي وقدرتها على تأسيس الدول والإمارات.
- الأدوار الحديثة: شاركت قبائل شمر في الأحداث السياسية والأمنية في العراق في العصور الحديثة والمعاصرة، وتلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد، خاصة في المناطق التي يتواجدون فيها بكثافة.
التحولات من البداوة إلى الزراعة
تعتبر قبائل شمر من القبائل التي شهدت تحولًا كبيرًا في نمط حياتها. ففي البداية، كانت حياتهم لا تختلف عن سائر قبائل البدو من اعتياد الغزو والتنقل. ولكن مع مرور الوقت، بدأوا يميلون إلى الزراعة والاستقرار. هذا التحول كان مدفوعًا بالرغبة في الراحة والطمأنينة، وقلة فرص الغزو.
- الاندماج: أدى ركونهم إلى الزراعة إلى تداخل أفخاذهم واختلاط فروعهم، حيث اندمجوا مع سكان الأراضي القدماء أو الملتفين حول القبيلة، بحيث أصبح من الصعب التفريق بين الشمر الأصليين والمستقرين الجدد.
- الحفاظ على الهوية: على الرغم من هذا التحول، لا تزال قبائل شمر محافظة على لغتها البدوية والكثير من عاداتها وتقاليدها الأصيلة، مما يدل على تمسكها بهويتها الثقافية.
التراث الثقافي لقبائل شمر في العراق
تتميز قبائل شمر بتراث ثقافي غني ومتنوع يعكس تاريخها الطويل وحياتها البدوية الأصيلة. هذا التراث يتجلى في:
- القصائد والأشعار: يشتهر شعراء شمر بقصائدهم الحماسية التي تصف البطولات والفروسية، وقصائد الفخر والحماسة، بالإضافة إلى الشعر النبطي الذي يحمل حكمة البادية وتجاربها. هذه القصائد تعد جزءًا حيًا من الذاكرة الشفهية للقبيلة.
- الأغاني الشعبية: تصاحب الأغاني الشعبية مناسباتهم المختلفة، وتعكس عاداتهم وتقاليدهم.
- العادات والتقاليد: من أبرز عاداتهم الكرم، وحسن الضيافة، والشجاعة، والاعتزاز بالنسب، والتضامن القبلي. هذه القيم تشكل جوهر هويتهم الثقافية وتنتقل من جيل إلى جيل.
- الأمثال والحكم: تنتشر بين أبناء شمر العديد من الأمثال والحكم التي تلخص خلاصة تجاربهم وحكمتهم.
شيوخ ورموز بارزة من قبائل شمر في العراق
أنجبت قبائل شمر على مر التاريخ العديد من الشيوخ والفرسان والشخصيات البارزة التي تركت بصمات واضحة في تاريخ العراق والمنطقة. من أبرز هذه الشخصيات (مع التركيز على المشهورين في العراق وتحديدًا من الفروع المذكورة):
- عجيل الياور الجربا: شيخ شيوخ شمر، ومن أبرز القادة الذين مالوا إلى الزراعة والاستقرار.
- الشيخ ضاري بن ظاهر المحمود: أحد شيوخ زوبع المعروفين، وله وقائع مشهورة.
- خميس بن ضاري الظاهر المحمود: الرئيس الحالي لزوبع.
- جَنعان ابن صديد: رئيس قبيلة الصبحي.
- خابور بن عجيل: عارفة قبيلة الصبحي المشهور.
- ذياب ابن إحسان: رئيس انبيجان من الأسلم.
- حواس بن ثامر بن مطني السراي: رئيس البعير من الأسلم.
- خلف بن دليان والشريطي: رئيس الجحيش من الأسلم.
- محمد بن ضاري بن طوالة: رئيس الوهب والمنيع من الأسلم.
هؤلاء الشيوخ وغيرهم قادوا قبائلهم في أوقات السلم والحرب، وحافظوا على تماسكها، وساهموا في بناء مجدها.
المساهمات الخيرية والإنسانية
لا يقتصر دور قبائل شمر على الجانب السياسي والعسكري، بل تمتد مساهماتهم إلى الجانب الإنساني والخيري. تقوم القبيلة بالعديد من الأعمال الخيرية، وتساهم في دعم المجتمع المحلي، وتقديم المساعدة للمحتاجين، والحفاظ على قيم التكافل الاجتماعي. هذه المبادرات تعكس روح العطاء والكرم المتأصلة في القبيلة.
الخلاصة
تعد قبائل شمر في العراق ركيزة أساسية في النسيج الاجتماعي والتاريخي للبلاد. بفضل تعدادها الهائل، انتشارها الواسع، وتفرعاتها الكبيرة، لعبت هذه القبيلة دورًا محوريًا في العديد من الأحداث التاريخية، من المعارك والتحولات السياسية إلى التطورات الاجتماعية والاقتصادية. إن عراقة نسبها، وتراثها الثقافي الغني، وشيوخها البارزين، جميعها عوامل تمنح قبائل شمر مكانة مرموقة في العراق والمنطقة العربية. على الرغم من التغيرات التي طرأت على نمط حياتها من البداوة إلى الاستقرار، لا تزال قبائل شمر محافظة على هويتها الأصيلة وقيمها البدوية التي تميزها، لتظل مثالًا حيًا على الصمود والاستمرارية القبلية.