عوامل التغير الاجتماعي الخارجية

إن تحديد تصنيف موحد للعوامل التي تتسبب في إحداث التغير الاجتماعي، في ظل هذا التشعب النظري لهو أمر في غاية الصعوبة والتعقيد، وذلك بسبب مشكلة التداخل بين هذه العوامل ومشكلات التعليل ومشكلة تصنيف عوامل التغير الاجتماعي، إلا أنه وبالرغم من كل ذلك يمكن تحديد التصنيف إلى قسمين عوامل داخلية وخارجية وهنا نستعرض العوامل الخارجية
أ – العوامل البيئية:
يقصد بالعوامل البيئية مجموعة التفاعلات بين الإنسان وبين محيطه الجغرافي البيئي وأثر التوزيعات الجغرافية مثل التضاريس نوع المناخ، نوع التربة، استقرار التربة أو تعرضها لحركة تغيٌر دائمة جراء الزلازل أو البراكين أو التصحر أو الجفاف وغيٌرها، وهي عوامل تسهم إلى حد بعيد في تحديد طبيعة النشاط الإنساني ونوعه، وكذا الاستقرار أو الهجرة، ويرى ابن خلدون أن للبيئة أثرا فعالا على البشر جسميا وعقليا حيث أفرد ذلك بعنوان بارز حول (اختلاف أحوال العمران في الخصب والجوع وما ينشأ عن ذلك من الآثار في أبدان البشر وأخلاقهم)
ويمكن إجمال العوامل البيئية التي تؤثر في التغير الاجتماعي فيما يلي:
- المناخ مثل )الرطوبة والرياح والحرارة والأمطار.(
- الموقع الجغرافي مثل (القرى أو المدن من البحر أو الصحراء أو خط الاستواء.)
- وجود المصادر الطبيعة مثل (البترول والمعادن والغازات والمياه)
- الكوارث وما يصاحبها من أمراض والكوارث الطبيعية
ب – العوامل الديموغرافية:
إن التغير في حجم السكان سواء أكان بالزيادة أو النقصان ، سيؤدي إلى تغيرات في تركيب المجتمع، فهناك ارتباط بين عدد السكان ومستوى المعيشة الذي ينعكس على النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما أن هناك ارتباطا بين حجم السكان والعمالة والبطالة ومستويات الأجور وقيام الصناعات واستعمال الآلات وغيرها مما يؤثر على الأفراد و على التركيب الاجتماعي للمجتمعات البشرية.
ج – العوامل الثقافية:
حيث أن معظم السمات الثقافية الجديدة تنتقل من خلال الانتشار، فإن المجتمعات الوثيقة الاتصال بغيرها من المجتمعات هي أكثر عرضة للتغير السريع، فأي تغير أو تطور اجتماعي يعود إلى العامل الثقافي وهذا ما يراه أنصار هذا العامل فكلما حدث تغير ثقافي في داخل المجتمع سواء أكان هذا التغيـر ماديـاً أم معنوياً أدى إلى أحداث تغيرات اجتماعية، في العادات والتقاليد والأعراف أو تتعدل أو تختفـي هذه المفاهيم كلياً. وأن التغيرات التي تحدث في الجانب المادي هي أسرع من الجانب المعنوي وخلال ذلك يحصل التخلف الثقافي كما أطلق عليه (وليم أوكبرن)، وليس بالضرورة أن يكون التغير الثقافي نتيجة لعوامل داخلية وإنما يحدث نتيجة لاستعارة سمة ثقافية أو مركب ثقافي من مجتمع أخر عن طريق الاتصال أو الهجرة أو وسائل الاتصال الأُخرى مما يؤدي إلى حـدوث تغير اجتماعي، فالعامل الاقتصادي له أهمية كبرى في التعجيل بالتغير الاجتماعي، ولكنه ليس العامل الحتمي، لأن باقي العوامل تتفاعل معه لتغير المجتمع، فالاتصال الثقافي عملية تسهم في إحداث تغير اجتماعي واسع النطاق خاصة في الثقافات المستقبلية، يظهر تأثير هذا الاتصال في الأفكار والمعتقدات السياسية والدينية وأساليب الحياة والتكنولوجيا، كما يعمل الاتصال على تنشيط العمليات الاجتماعية، وبالتالي يضفي بعداً دينامياً على البناء الاجتماعي القائم .
فالاتصال ببساطة هو تلك العملية التي تنتقل بواسطتها الرسالة أو الفكرة أو الاختراع من المرسل إلى المستقبل، الاتصال والتغير الاجتماعي ليسا مترادفين، إلا أن الاتصال هو العنصر المهم والفعال خلال عملية التغير الاجتماعي، لذلك فان مفهوم التغير الاجتماعي يتضمن (علاوة على عملية الاتصال) النتائج الفردية والجماعية التي تنجم عن ابتكار جديد أو حتى الاعتراض عليه ورفضه.
د- عوامل التحديث:
التحديث عملية معقدة تستهدف إحداث التغيرات في جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية والإيديولوجية، الاتصال والاحتكاك هو مطلب سابق للتحديث، يلعب التحديث دوراً هاماً في عملية التنمية التي تستلزم تشبعاً وتعقيداً مستمراً في النظم الاجتماعية التي يتكون منها المجتمع، والتي تتطلب بدورها تغيرات في التزامات الأفراد الاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية، فالتحديث هو أحد عوامل التغير الاجتماعي الهامة.
هـ– العوامل الاقتصادية:
يقصد بالعوامل الاقتصادية شكل الإنتاج والتوزيع والاستهلاك ونظام الملكية السائدة في المجتمع والتصنيع، تلعب هذه العوامل دوراً هاماً في إحداث التغير الاجتماعي، فطبيعة النشاط الاقتصادي للسكان تؤثر في العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد والجماعات، لأن العامل الاقتصادي هو المحور الأساسي لبناء المجتمع وتطوره، كما أن أسلوب الإنتاج هو الذي يحدد الطابع العام للعمليات الاجتماعية والسياسية في حياة الأفراد، وتختلف الصناعة الحديثة بصورة جوهرية عن أنساق الإنتاج السابقة التي كان مستوى الإنتاج فيها ساكنا إلى حد بعيد لأنه يهدف إلى تلبية الحاجات الاستهلاكية المعتادة، على عكس النسق الحديث نجد الرأسمالية تشجع إعادة النظر في ثقافة الإنتاج التي يجري فيها تطبيق كل الاكتشافات العلمية، ومن الأمثلة على التغير في المجتمعات الصناعية دخول المرأة بقوة إلى سوق العمل، حيث لعبت أدواراً مهمة في العمل والوظائف الحكومية والأعمال المهنية الأخرى.
وتعتبر العوامل الاقتصادية ذات تأثير بليغ في إحداث التغير الاجتماعي، حيث يرى ماركس أن عملية الإنتاج الاجتماعي تجعل الأفراد يدخلون في علاقات محددة معينة، تلك العلاقات توجد بغض النظر عن إرادتهم، وهي تطابق مرحلة معينة من مراحل تطور القوى المادية للإنتاج، وهي التي تحوى الكيان الاقتصادي للمجتمع، وهي الأساس للبناء القانوني والسياسي الذي يعرف بالبناء الفوقي. أي بعبارة أخرى، يعتبر ماركس الكيان الاقتصادي كقاعدة أساسية يقوم عليها القانون والسياسة وغيرها من الظواهر الاجتماعية الأخرى، لذلك فشكل الإنتاج في الحياة المادية هو الذي يقرر الطبيعة العامة للعمليات الروحية والاجتماعية والسياسية في المجتمع، كما تؤكد نظريته أن أي تغير في الأساس الاقتصادي يؤدي إلى تغير في الظواهر الاجتماعية الأخرى، أي أن تغير وسائل الإنتاج يؤدي إلى التغير في الكيان الاجتماعي .
من هنا نجد أن العامل الاقتصادي يلعب دواًر رئيساً في تطلعات المجتمع وإمكاناته ومشكلاته النوعية، فبعض البلاد تمثل الزراعة نسبا هامة من نشاطها الاقتصادي، وبلاد أخرى تمثل الصناعة اللون وفحم الغالب في نشاطها الاقتصادي، في حين أن بلاداً أخرى تمثل الثروة المعدنية من بترول وفوسفات وحديد أو غيرها من مصادر الطاقة، مكاناً رئيساً في اقتصاداتها.


