ضوران آنس : رحلة عبر التاريخ والأنساب في قلب اليمن

تتربع مديرية ضوران آنس في محافظة ذمار، شمال غرب اليمن، كشاهد حي على عراقة التاريخ وتجذر الأنساب في هذه البقعة من الأرض. تمثل هذه المديرية فسيفساء فريدة من القبائل والعائلات التي حافظت على هويتها وأصولها عبر القرون. في هذا السرد، ننطلق في استكشاف جزء من تاريخ ضوران آنس، نتعرف على قبائلها وأماكنها وأنسابها، ونستجلي جذورها الضاربة في أعماق التاريخ اليمني.
جغرافيا ضوران آنس: موقع استراتيجي وتضاريس متنوعة
تقع مديرية ضوران آنس في الجزء الشمالي الغربي لمحافظة ذمار، محاطة بتضاريس متنوعة وسلاسل جبلية شامخة. تحدها من الشمال محافظة صنعاء (مديريات بلاد الروس، بني مطر، الحيمة الخارجية)، ومن الجنوب مديريتي جهران والمنار، ومن الشرق مديرية جهران، ومن الغرب مديرية جبل الشرق. تمتد المديرية على مساحة تقدر بنحو 1008 كيلومتر مربع، مما يجعلها من أكبر مديريات محافظة ذمار.
تتخذ المديرية من مدينة ضوران الجديدة مركزًا إداريًا لها. وتضم في جنباتها 255 قرية متوزعة على 32 عزلة، تحمل أسماء ذات دلالات تاريخية وجغرافية عميقة، منها: أحلال، بكيل، بني الأشرم، بني حاتم، بني سويد، بني الشيعي، بني عيسى، بيت الحجري، بيت العميسي، بيت العنسي، ثمانة، الجبل، جبل السوق، الحبس، حمير، خمس بني السهاقي، خمس بني فضل، خمس حزيم، خمس الحقل، خمس الوساط، السلف، شارح، الصيح، ظليم، العارضة، عرجز، القطعة، الكعب، مخلاف ضوران، المرون، هداد، ويتار.
مواضيع ذات صلة : قبائل جهران بمحافظة ذمار
أصول التسمية ودلالاتها التاريخية:
يشير القاضي المؤرخ محمد الحجري في كتابه “مجموع بلدان اليمن وقبائلها” إلى أن اسم “آنس” يأتي على وزن “فاعل” بمد الهمزة وكسر النون، وأن مركز المديرية يحمل اسم “ضوران”. ويذكر أن اسم ضوران هو اسم حميري قديم، ويقع في النصف تقريبًا من مديرية آنس. أما كلمة “ضوران” بالضاد المعجمة المضمومة، فهي على وزن “غمدان”، المدينة الحميرية الشهيرة.
ويضيف الحجري أن مدينة ضوران كانت تُعرف قديمًا باسم “الدامغ” بالعين المهملة، وذلك لكثرة عيون الأنهار الدامعة فيها. وقد كانت ضوران من المعاقل الحميرية الهامة والمدن الجبلية الزيدية البارزة، ومركزًا لقضاء الجهة الأنسية.
عزل مديرية ضوران آنس: محطات تاريخية وأنساب عريقة:
تضم مديرية ضوران آنس العديد من العزل التي تحمل في طياتها تاريخًا عريقًا وأنسابًا موغلة في القدم، ومن أبرز هذه العزل:
- أحلال: قرية ومركز إداري، يُنسب إليها آل الحلالي أهل صنعاء، وهم من الأسر العلمية والتجارية المعروفة.
- بكيل: قبيلة تسكن شمال جبل ضوران، ويُطلق عليهم “بكيل ألهان”، وإليهم يُنسب “قاع بكيل” المشهور في المنطقة. وتعتبر بكيل من القبائل اليمنية الكبيرة ذات التاريخ الحافل.
- بني الأشرم: مركز إداري يضم محلات مثل البرار والضلعة ووادي حيد والموقر وحمام سيان والحُمره وغيرها. وقد تكون هذه المناطق مسرحًا لأحداث تاريخية لم يتم توثيقها بشكل كامل.
- بني حاتم: مركز إداري آخر، من بلدانه عاثين وحمير وأحلال. ويشترك بني حاتم مع مناطق أخرى في اليمن في هذا الاسم، مما قد يشير إلى أصول مشتركة أو هجرات تاريخية.
- بني الشيعي وبني عيسى: مركزان إداريان آخران في مديرية ضوران آنس، وتحتاج تسميتهما إلى مزيد من البحث لتحديد دلالاتها التاريخية أو الأنساب المرتبطة بها.
- الحبس: مركز إداري في جبل ضوران، يضم قرى مثل بيت حاتم وبيت السملي وبيت الشامي وبيت العدواني وبيت السلطان وبيت معوضه وبيت الرُباعي. ويُنسب إليها “آل الحبسي” أهل ذمار ورداع، وهم من أولاد محمد بن القاسم الرِسِّي من أحفاد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وقد برز من هذه الأسرة علماء ومؤرخون مثل العلامة يحيى بن علي بن محمد القاسمي الحبسي، المتوفى سنة 1104هـ، صاحب كتاب “ذيل الإفاده” في التاريخ، وولده العلامة محمد بن يحيى الحبسي، المتوفى سنة 1110هـ. وهذا يشير إلى دور هام لعبته هذه الأسرة في الحياة العلمية والاجتماعية في المنطقة.
- خمس بني فضل: منطقة تضم قرى هامة مثل حرف العُبَّاد والقُبَّه والصيح ومَوثِب. ويُنسب إليها القاضي العلامة صالح بن عبدالله بن أحمد الفضلي، المتوفى سنة 1357هـ، وولده القاضي عبدالله بن صالح. وقد تقلد أفراد هذه الأسرة مناصب قضائية وإدارية هامة في اليمن، مما يدل على مكانتهم الاجتماعية والنفوذ الذي كانوا يتمتعون به.
- خمس حزيم: مركز إداري يشمل قرى مثل شبانه وبيت الجوفي وهجرة الشاوري والمحرم وحرثان وبيت السدرة والحسن والحرابه وغيرها. وقد تُعرف أيضًا باسم “حزيم الوسط”.
- السلف: مركز إداري يضم محلات مثل أسلع والأحصم وبوقه.
- الصيح: مركز إداري آخر، من بلدانه الخرابه وهجرة الصيح وبني سند وبني صبر وسمح وحصن الحرف وقاع بكيل. وقد نُسب إليها الفقيه العلامة سعيد بن سند الصيحي، أحد أعيان القرن الحادي عشر الهجري. كما شهدت منطقة الصيح وقعة مشهورة في عام 647هـ بين السلطان المنصور عمر بن علي بن رسول وقبائل بكيل وألهان والصيح وعساكر الشريف الحمزي.
- ظليم: بلدة تقع شمال غرب مدينة ذمار، سُميت نسبة إلى ظُليم بن ألهان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ويسكن ظُليم طائفة من “آل العياني” من ذرية الإمام المنصور القاسم بن علي بن عبدالله بن محمد بن القاسم الرسي الحسني، المتوفى سنة 393هـ. وهذا يربط المنطقة بتاريخ الأئمة الزيديين في اليمن.
- العارضة: عائلة عُرفت بهذا اللقب نسبة إلى قرية العارضة في جبل ضوران آنس.
- القطعة: مركز إداري يسكنه آل الكاملي وآل المغربي، ويضم قرى مثل جرف طاهر وبيت أيوب وبيت فرحان وهجرة الشرقي.
- مخلاف ضوران: يشمل جبل ضوران المشهور المعروف بـ “الدَّامغ”، وتقع في سفحه الشمالي بلدة “ضوران” التي كانت تُعرف سابقًا باسم “الحُصين”. وقد اتخذها الحسن بن الإمام القاسم بن محمد لإمارته وتوفي بها سنة 1048هـ، ثم اتخذها الإمام المتوكل إسماعيل ابن الإمام القاسم عاصمة مُلكه وتوفي بها سنة 1087هـ. وقد تعرضت المدينة للعديد من الهزات الأرضية والزلازل، كان آخرها زلزال عام 1982م الذي أدى إلى تهدمها بالكامل، ليتم إنشاء مدينة جديدة تحمل نفس الاسم في منطقة بكيل بجوار بلدة البُستان. ويشير ذكر الأئمة إلى الدور السياسي والديني الهام الذي لعبته ضوران في تاريخ اليمن.
- المرون: بلدة ومركز إداري ذات آثار تاريخية، وصفها العلامة محمد بن عبدالملك المروني بأنها من أجمل المدن اليمنية لما تتميز به من أنهار وأشجار متنوعة. وكانت المرون من مراكز العلم الهامة التي قصدها الطلاب، وينتمي إليها “آل المروني” أهل صنعاء، وهم من بيوت العلم الشهيرة الذين يرجع نسبهم إلى الإمام الهادي يحيى بن الحسين.
- ألهان: مخلاف كبير يُعرف اليوم بناحية آنس، وقد اقتصر استعمال اسم ألهان أخيرًا على جبل في مخلاف حمير من ناحية آنس. ويُذكر في كتاب “البلدان” لياقوت أن ألهان هو اسم قبيلة تنتسب إلى ألهان بن مالك بن زيد بن أوسله بن ربيعة بن الخيار بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وهو أخو همدان. وقد قام الملك الحسن بن الإمام القاسم بن محمد في القرن الحادي عشر الهجري باختطاط جبل ضوران وبناء حصن فيه سماه الدامغ وتعمير المدينة وسماها الحصين، وأجرى إليها الأنهار لتصبح جنة، وتوفي فيها عام 1048هـ، ثم اتخذها المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم مقرًا لدولته حتى وفاته عام 1087هـ.
الحياة الاجتماعية والاقتصادية في ضوران آنس:
تتميز ضوران آنس كغيرها من مناطق اليمن بتقاليد وعادات أصيلة تعكس تاريخها وبيئتها الجبلية. يعتمد السكان في الغالب على الزراعة وتربية المواشي كمصدر رئيسي للرزق، بالإضافة إلى بعض الحرف والصناعات اليدوية التقليدية. وتشتهر المنطقة بإنتاج بعض المحاصيل الزراعية مثل الحبوب والخضروات والفواكه. كما أن الروابط الاجتماعية القوية والتكاتف القبلي يلعبان دورًا هامًا في حياة السكان.
الآثار والتراث الثقافي:
تحتضن مديرية ضوران آنس العديد من المواقع الأثرية التي تشهد على تاريخها العريق، بما في ذلك بعض الحصون القديمة والمباني التاريخية التي تعود إلى فترات مختلفة. كما أن للمنطقة موروثًا شعبيًا غنيًا يتجلى في الشعر والأغاني والرقصات والأزياء التقليدية التي تعبر عن الهوية الثقافية المميزة لأهل ضوران آنس.
الخلاصة:
تُعد مديرية ضوران آنس في محافظة ذمار منطقة ذات أهمية تاريخية وجغرافية وثقافية بارزة في اليمن. فهي موطن للعديد من القبائل والعائلات العريقة التي حافظت على أنسابها وتقاليدها عبر القرون. إن استكشاف تاريخ وأنساب هذه المديرية يمثل نافذة تطل على جزء هام من تاريخ اليمن وتراثه الغني والمتنوع. ويتطلب فهم أعمق لهذه المنطقة إجراء المزيد من البحوث والدراسات لتسليط الضوء على مختلف جوانب تاريخها وحاضرها.