هل تعلم أن عائلة الناشري تحمل في عروقها سرًا تاريخيًا يربطها بدماء النبي إسماعيل؟ جذورٌ تمتد من بطون بني أسد العريقة، وإرثٌ يتحدى الزمن من قلب تهامة السعودية إلى مشارف الحضارة الحديثة. في هذا التحقيق الشامل، نكشف النقاب عن نسب قبيلة الناشري الذي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك: الناشري يرجع إلى بني أسد بن خزيمة، حفيد النبي إسماعيل ذاته، مستندين إلى وثائق النسابين وشهادات التاريخ وأدلة الجغرافيا.
من اين الناشري
تؤكد المصادر الموثوقة مثل “جمهرة أنساب العرب” لابن حزم و”نهاية الأرب” للنويري أن نسب الناشري ليس مجرد انتماء قبلي عادي، بل هو شرفٌ يصل إلى النبي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. التفاصيل الدقيقة لهذا النسب هي:
ناشرة بن نصر بن سواءة بن سعد بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل
هذا التسلسل ليس نظريةً نسابيةً فحسب، بل هو إرثٌ محفوظ في ذاكرة شيوخ القبيلة ومُوثّق في مخطوطات عائلية قديمة. يشير المؤرخ الدكتور عبدالرحمن الأنصاري في أبحاثه عن غامد وزهران إلى أن “بني ناشرة” هم فرعٌ أصيل من بني أسد الذين حافظوا على نقاء نسبهم في تهامة رغم اختلاط القبائل.
الموطن الأصلي: تهامة حيث تلتقي الجبال بالبحر
لا يمكن فصل تاريخ النواشير عن جغرافيا تهامة الفريدة. فهذه العائلة لم تكن مجرد سكان عابرين، بل سادة الوادي الذين رسخوا وجودهم في:
- وادي قنونا: القلب النابض للقبيلة، حيث لا تزال بيوت الطين القديمة شاهدةً على مجدهم.
- برك الغماد: مركز القوة الاقتصادية التاريخي حيث سيطر النواشير على طرق تجارة البن والتمر.
- القنفذة والليث: معاقلهم الساحلية التي حمتها أساطيلهم البحرية من الغزاة.
“النواشير هم أسود تهامة.. من يسيطر على قنونا يمسك بخناق الحجاز” – مثل قبلي تهامي قديم.
شجرة قبيلة الناشري
شجرة الناشري ليست ساقاً واحدةً، بل هي شبكة معقدة من الأغصان المتشابكة التي شكلت نسيج تهامة الاجتماعي:
أولاً: عشيرة الفوز (قلب القبيلة النابض)
- المحاسنة: حراس التقاليد والأنساب
- آل عبد الكريم: سادة الإصلاح العشائري
- الجعدة: فرسان القتال الأشداء
- آل سلمان: أصحاب الحكمة والمشورة
ثانياً: قبيلة القنفذة (حماة الساحل)
- العطفة: ملّاك السفن والتجارة البحرية
- آل شيبه: حراس العقيدة والمقدسات
- الشتارية: خبراء الزراعة في الواحات
ثالثاً: عشائر المناطق (الامتداد الطبيعي)
- القحمان في وادي داما
- الخببة في حواري مكة
- الصفاوين في أطراف الطائف
البطولات التاريخية: عندما هزموا العثمانيين
لم يكن النواشير مجرد قبيلة مسالمة، بل كانوا مقاتلين أشداء سطروا ملاحم خالدة:
- معركة الأتراك (1290هـ): تحالف النواشير مع بني عمرو ضد الجيش العثماني عند ميناء الليث، حيث دمّروا ثلاث سفن حربية باستخدام “النيران الإغريقية” البدائية.
- حصار قوز بلعير (1342هـ): صدّوا هجوم قبائل عسير بقيادة الشيخ مبارك الناشري الذي حوّل الحصن الصخري إلى كابوس للمهاجمين.
- الدور في توحيد المملكة: قدموا 3000 مقاتل تحت لواء الملك عبدالعزيز، وكانوا عيوناً استخباراتية في جبال الحجاز.
أعلام العصر الحديث: من المسجد إلى المسرح
لقد برز من عائلة الناشري رجالٌ حملوا اسم القبيلة إلى آفاق لم يخطر لها على بال:
1. رواد الفن والأدب
- أحمد الناشري: “فنان تهامة الأول” الذي حوّل العرضة الجنوبية إلى ظاهرة فنية بأغنيات مثل “من أين” و”الحب إلا أنا”، وأوبريت تأسيس السعودية.
- محمد الناشري (المعلق الصوتي): صاحب الصوت الذي اجتاح الإذاعات من جدة إلى العالمية، وأول سعودي يُعلق بدوري الأبطال بالإنجليزية.
2. صُنّاع العلم والمعرفة
- د. علي الناشري: أستاذ الفيزياء بالكلية الجامعية بالقنفذة الذي قاد أبحاث الطاقة المتجددة في المناطق الساحلية.
- محمد عبدالله مرعي الناشري: الأكاديمي المتخصص في تعليم العربية لغير الناطقين بها بجامعة أم القرى.
3. قادة العمل المجتمعي
- حسن الناشري: مؤسس “جمعية بسمة شباب” التي حوّلت العمل التطوعي إلى ظاهرة اجتماعية في القنفذة.
- حسين الناشري: رائد الخدمات الطبية الطارئة الذي درّب المئات على إنقاذ ضحايا الحوادث في المناطق النائية.
لماذا التبس النسب؟ لغز الانتشار الواسع
الخلط في نسب الناشري يعود لسببين رئيسيين:
- الامتداد الجغرافي الهائل: انتشارهم من تهامة إلى مكة والطائف وعسير جعل بعض المؤرخين يظنونهم فروعاً من قبائل مجاورة.
- التسميات المتشابهة: وجود عائلات تحمل اسم “الناشري” في مناطق أخرى لا يعني اتحاد النسب، فـ “نواشير غامد” في السراة يختلفون عن “نواشير تهامة”.
التراث الحي: عندما تصبح العرضة صلاة
يحمل النواشير تراثاً ثقافياً فريداً يتجلى في:
- العرضة الناشرية: رقصة الحرب التي تتحول إلى فن، بمزج بين حركات السيوف البدوية وإيقاعات “الطبول التهامية”.
- القِرى الضيافة: لا يزال “مجلس القهوة المُرّة” طقساً مقدساً يُقدم فيه “القرص التهامي” على جمر العرعر.
- حِرَف الأجداد: صناعة “المجامع” (أوعية جلدية) و”الزنبيل” (حقائب نسائية) من سعف النخيل.
الختام: أكثر من قبيلة.. إرثٌ نبوي متجدد
ليست عائلة الناشري مجرد اسم في سجل الأنساب، بل هي وعاء حي يحمل:
- دم النبي إسماعيل في عروق رجالها
- بسالة بني أسد في مواجهاتهم التاريخية
- حكمة تهامة في حل النزاعات
- إبداع الشباب في الفنون والعلوم
إنهم باختصار: الجسر الحي بين ماضي العرب المجيد وحاضر السعودية المشرق، والبرهان الساطع أن الأصالة لا تناقض الحداثة، بل هي وقودها. فمن وادي قنونا إلى أبراج الرياض، ما زالوا يقولون: “نحن أبناء ناشرة.. من دم إسماعيل نُفاخر!”
مواضيع ذات صلة: