المصطلحات المرادفة للتغير الاجتماعي

يرى “هوب هاوس” أن مهمة علم الاجتماع و علماؤه يجب أن تكرس من اجل تحديد المفاهيم التي تربط بين النمو والتطور والتقدم والتغير ، و ذلك عن طريق تطوير نظرياته و إسهامه في زيادة أنماط المعرفة الإنسانية . ولتوضيح العلاقة بين كل من مفهوم التغير و التطور، والنمو والتقدم وغيرها من المصطلحات، علينا أن نحلل طبيعة المعنى الدال لكل هذه المفاهيم:
أ- التغير الاجتماعي والتقدم:
يتضمن معنى التقدم التغير إلى الأفضل و يشير إلى عملية مستمرة ينتقل المجتمع بمقتضاها من حالة إلى حالة أفضل، أو يسير في اتجاه مرغوب، وقد يشمل معناه الأوجه المادية والمعنوية من الحياة الاجتماعية، كما قد يقتصر على النواحي المادية لسهولة قياسها. و الأغلب أن الحكم على اتجاه عملية التغير يعتمد عادة على معايير يصعب اعتمادها حتى في المسائل المادية من الثقافة يعني ذلك بأن مفهوم التقدم يشير إلى حالة التغير التقدمي الذي يرتبط بتحسن دائم في ظـروف المجتمع المادية واللامادية ، حيث يسير نحو هدف محدد، ويعني ذلك أن كل صورة من صور المجتمعات أفضل بالضرورة من سابقتها.
الاختلاف بين مفهومي التقدم والتغير: التقدم الاجتماعي يحمل معنى التحسن المستمر نحو الأمام. التغير الاجتماعي قد يكون تقدماً أو تخلفاً. وبالتالي يكون مصطلح التغير أكثر علمية، لأنه يتوافق مع واقع المجتمعات (واقع التقدم وواقع التخلف)، فالمجتمعات ليست دائماً في تقدم مستمر، وإنما يعتريها التخلف أيضا.
ب- التغير الاجتماعي والتغير الثقافي:
يميل علماء الاجتماع إلى التمييز بين التغير الاجتماعي والتغير الثقافي، فأولهما هو الذي يطرأ على العلاقات الاجتماعية، بينما الثاني يعتري القيم والمعتقدات والمثُل والرموز الشـائعة فـي المجتمع، غير أن الواقع الفعلي، يشير إلى صعوبة الفصل بين هذَين النمطَين من التغير. يوجد خلط بين هذين المفهومين و لا تميز بعض النظريات بينهما، و ربما يرجع ذلك للارتباط الشديد بين مفهومي الثقافة والمجتمع، إلا أنه هناك فروق بينهما يوضحها “جودة بنـي جـابر” كالآتي:
فالتغير الاجتماعي يشير إلى التحول في أشكال التفاعل الاجتماعي و الاتصالات الشخصية بينما التغير الثقافي يشير إلى التغير في أنساق و أفكار متنوعة من المعتقدات و القيم و المعايير. التغير الاجتماعي يحدث في التنظيم الاجتماعي أي في بناء المجتمع ووظائفه و يعتبر جزء من التغير الثقافي، بينما التغير الثقافي يشمل جميع التغيرات التي تحدث في أي فرع للثقافة كالفن والعلم و التكنولوجيا إضافة إلى التغيرات التي تحدث في أشكال التنظيم الاجتماعي و قواعده، و بذلك يكون التغير الاجتماعي نتيجة من نتائج التغير الثقافي.
ج- التغير الاجتماعي والتطور
يعرف التطور على أنه التحول المنظم من الأشكال البسيطة إلى الأشكال الأكثر تعقيداُ، وهو النمو البطيء المتدرج الذي يؤدي إلى تحولات منتظمة ومتلاحقة تمر بمراحل مختلفة ترتبط كل مرحل بالمرحلة التي تسبقها. يتضمن معنى مفهوم التطور أن التغيرات خارجة عن إرادة الإنسان، بل قد يعتبر تدخل الإنسان أو تنظيماته عاملا معيقا للمسيرة الطبيعية للأشياء، يستخدم مفهوم التطور في الماركسية، كما جاء في المادة التاريخية لوصف عمليات التحول الاجتماعي تاريخيا، ويختلف معنى المفهوم هنا من حيث كونه عملية تغير أساسها استغلال الإنسان للإنسان ، ويختلف هذا المفهوم عن التقدم في أن هذا الأخير لا ينفي دور الإنسان في عملية التغيير.
يمكننا القول أن التطور العضوي يعنى أن الأنواع الحية قد نمت مع الزمن وبصورة متزايدة التعقيد ، فهو إضافة ”حجميه”دون حذف أو استبدال لبنى قديمة، أما التطور المجتمعي فيعنى أن ثقافة المجتمعات قد نمت مع الزمن وبصورة متزايدة التعقيد، بإضافة ”كمية ونوعية” مع حذف واستبدال لبنى قديمة، أي أن التطور الاجتماعي قد أهمل جانباً مهماً في تغير المجتمع حيث استبعد فكرة التخلف الاجتماعي التي تنطبق على واقع المجتمعات، فيكون مصطلح التغير الاجتماعي هو الأكثر علمية وواقعية لحالة المجتمعات الإنسانية.
د- التغير الاجتماعي والنمو :
إذا كان التطور هو التغير الطبيعي للمجتمع، فإن عملية النمو تعني الزيادة الطبيعية في جانب اجتماعي محدد، كالزيادة السكانية و لا يرتبط مفهوم النمو بحكم تقويمي، بل يعبر فقط عن الزيادة الطبيعية في أحد الأوجه الاجتماعية، وقد أصبح هذا من المفاهيم المركزية في عملية التنشئة بما يرتبط بالنمو الجسماني والعقلي والوجداني والأخلاقي للإنسان، إن النمو هو عملية النضج التدريجي والمستمر للكائن وزيادة حجمه الكلي أو أجزاء في سلسلة من المراحل الطبيعية وهو تغير كمي، ومن الأمثلة على ذلك حجم السكان وكثافتهم والتغيرات في أعداد الوفيات والمواليد.
يرتبط مفهوم النمو بمفهوم التغير ارتباطاً وثيقاً، ذلك لان التغير له جوانب عديدة، من هذه الجوانب (الجوانب الكمية) التي يمكن أن تقاس من خلال معدلات النمو، ولكن وجود هذه المؤشرات وغيرها لا يعبر عن كل جوانب التغير الاجتماعي. دراسة التغير الاجتماعي تحتاج إلى بيانات أكثر تفصيلاً حول التغيرات الكيفية في العلاقات الاجتماعية وفى الثقافة والقيم، ويختلف عن التنمية في كونه تلقائياُ، بينما التنمية عملية إرادية مخططة من الناحية النظرية، فمفهوم النمو يقترب من مفهوم التطور، ولكنه لا يتطابق معه (النمو الاجتماعي) أي النمو الذي يتعلق بالمجتمع، ويعنى نمو السمات الفردية بما يتفق مع الأنماط الاجتماعية المقررة والبيئة الاجتماعية من ناحية أخرى. النمو الاجتماعي أكثر تعقيداً من النمو العضوي.
يختلف مصطلح النمو الاجتماعي عن التغير الاجتماعي في عدة نقاط مجملها في الآتي:
- يشير النمو إلى الزيادة نسبياً، والمستمرة في جانب واحد من جوانب الحياة، أما التغير فيشير إلى البناء الاجتماعي والنظام والأدوار والقيم وقواعد الضبط الاجتماعي، وقد يكون هذا التحول ايجابياً أو سلبياً ولا يتصف ذلك بالثبات إطلاقاً.
- يكون النمو بطيئاً وتدريجياً، أما التغير الاجتماعي فيكون على عكس ذلك فقد يكون سريعاً ويتضمن قفزات إلى الأمام وإلى الخلف.
