التسمم : دليل شامل للأنواع، الوقاية، والعلاج

يعَد التسمم من الحالات الطبية الطارئة التي قد تصيب الأفراد في أي مرحلة عمرية، سواء نتيجة التعرض العرضي للمواد الكيميائية، أو تناول أطعمة ملوثة، أو جرعات دوائية زائدة. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يُسجل سنويًا أكثر من 3 ملايين حالة تسمم عالميًا، 45% منها بين الأطفال دون الخامسة. في هذا الدليل، سنستعرض أنواع التسمم الرئيسية، الإسعافات الأولية، والاستراتيجيات الحديثة للوقاية والعلاج.
أنواع التسمم: تصنيف علمي مُحدَّث
1. التسمم الغذائي (Food Poisoning)
ينتج عن تناول أطعمة أو مشروبات ملوثة بالبكتيريا (مثل السالمونيلا، الإشريكية القولونية)، الفيروسات (كالنوروفيروس)، أو السموم الفطرية. تشمل الأسباب الشائعة:
- عدم طهي اللحوم جيدًا (خاصة الدواجن).
- تخزين الأطعمة في درجات حرارة غير مناسبة.
- تلوث الأطعمة الجاهزة أثناء التصنيع.
الأعراض:
- إسهال مائي أو دموي.
- غثيان وقيء متكرر.
- تشنجات بطنية.
- حمى فوق 38.5°م.
مضاعفات خطيرة:
- متلازمة انحلال الدم اليوريمية (HUS): تظهر عند 5-10% من حالات تسمم الإشريكية القولونية O157:H7، وتؤدي إلى فشل كلوي.
- التهاب السحايا الجرثومي: نادر، مرتبط ببكتيريا الليستيريا.
2. التسمم بأول أكسيد الكربون (CO Poisoning)
غاز عديم الرائحة واللون ينتج عن الاحتراق غير الكامل للوقود. يُعد السبب الرئيسي للوفيات المرتبطة بالحرائق المنزلية.
المصادر الشائعة:
- أنظمة التدفئة المعيبة.
- عوادم السيارات في أماكن مغلقة.
- الشوايات والفحم المستخدم في الداخل.
الأعراض (تتفاقم مع التركيز):
- صداع خفيف ودوار (عند 70 جزء في المليون).
- ضيق تنفس وارتباك (150-200 جزء في المليون).
- فقدان الوعي والوفاة (أعلى من 800 جزء في المليون).
التأثيرات طويلة المدى:
- تلف عصبي دائم (في 40% من الناجين).
- اضطرابات معرفية كفقدان الذاكرة.
3. التسمم بالمواد الكيميائية المنزلية
تشمل المنظفات، المبيدات الحشرية، والمواد البترولية. الأطفال دون الخامسة أكثر عرضة للابتلاع العرضي.
أخطر المواد:
- مبيض الكلور: يسبب حروقًا في الجهاز الهضمي.
- مبيدات الفوسفات العضوي: تؤثر على الجهاز العصبي.
- مضادات التجمد (الإيثيلين جلايكول): 30 مل كافية لقتل شخص بالغ.
4. التسمم الكحولي (Alcohol Poisoning)
يحدث عند تجاوز تركيز الكحول في الدم (BAC) 0.4%، مما يعطل وظائف الدماغ الحيوية.
عوامل الخطر:
- الشرب السريع (Binge Drinking).
- الجمع بين الكحول والأدوية المهدئة.
علامات الخطر:
- فقدان الوعي.
- انخفاض حرارة الجسم (تحت 35°م).
- توقف التنفس.
5. التسمم الدوائي (Drug Overdose)
يشمل الجرعات الزائدة من الأدوية الموصوفة (كالمسكنات الأفيونية) أو غير الموصوفة (مثل الباراسيتامول).
آلية التلف:
- الباراسيتامول: يتسبب في تلف الكبد عند تجاوز 4 جرام/يوم.
- الأسبيرين: يؤدي إلى حمضية الدم واضطراب التمثيل الغذائي.
العلاج الطبي: البروتوكولات الحديثة
1. الفحم النشط (Activated Charcoal)
يُستخدم خلال ساعة من الابتلاع لامتصاص السموم في المعدة. الجرعة: 50-100 جرام للبالغين.
موانع الاستخدام:
- إذا كان السم مسببًا للتآكل (كالأحماض).
- عند وجود اضطراب في مستوى الوعي.
2. الترياق (Antidote)
- النالوكسون (Naloxone): للتسمم بالأفيونيات، يعكس تأثيرها خلال دقائق.
- أسيتيل سيستئين (NAC): لجرعات الباراسيتامول الزائدة، يحمي الكبد عند استخدامه خلال 8 ساعات.
3. غسيل الكلى (Hemodialysis)
يُستخدم لإزالة السموم ذات الوزن الجزيئي المنخفض والقابلة للذوبان في الماء، مثل:
- الميثانول.
- الليثيوم.
- الساليسيلات.
4. العلاج بالأكسجين عالي الضغط (HBOT)
فعّال في حالات التسمم بأول أكسيد الكربون، حيث يقلل نصف عمر الـCO في الدم من 320 دقيقة إلى 23 دقيقة تحت ضغط 3 أجواء.
العلاجات المنزلية: متى تكون آمنة؟
1. الترطيب الفموي
- محلول معالجة الجفاف (ORS): يحتوي على الجلوكوز والإلكتروليتات لتعويض الفاقد.
- مشروبات الرياضة: كبديل مؤقت لتعويض الصوديوم والبوتاسيوم.
2. البروبيوتيك
- اللبن الطبيعي: يحتوي على بكتيريا Lactobacillus التي تعيد توازن الأمعاء.
- مكملات البروبيوتيك: جرعة 10-20 مليار وحدة/يوم.
3. الأعشاب الطبية
- الزنجبيل: يقلل الغثيان عبر تثبيط مستقبلات السيروتونين.
- النعناع: يهدئ تشنجات الأمعاء بفضل مركب المنثول.
تحذير: تجنب العلاجات العشبية غير المدعومة بأبحاث، كاستخدام الفحم النباتي غير النقي.
الوقاية: استراتيجيات قائمة على الأدلة
1. تخزين المواد الخطرة
- احفظ المواد الكيميائية في خزانات مرتفعة ومقفلة.
- استخدم عبوات مقاومة للأطفال (Child-Resistant Packaging).
2. السلامة الغذائية
- قاعدة 4-60°م: لا تترك الأطعمة القابلة للتلف خارج الثلاجة لأكثر من ساعتين.
- الطهي الآمن: تأكد من وصول اللحوم لدرجة حرارة داخلية 75°م.
3. التثقيف الدوائي
- تطبيقات الجرعات: مثل Medisafe لتذكير بمواعيد الأدوية.
- التخلص الآمن: اتبع برامج إعادة الأدوية غير المستخدمة.
4. كاشفات أول أكسيد الكربون
- ثبت أجهزة الإنذار بالقرب من غرف النوم.
- اختبر البطاريات سنويًا مع تغيير التوقيت الصيفي.
التقدم التكنولوجي في تشخيص التسمم
1. أجهزة التحليل السريع
- الشرائط الكاشفة للسموم: تكشف عن مواد مثل الميثامفيتامين خلال دقائق.
- أجهزة قياس الكحول بالتنفس: دقة تصل إلى 0.001% BAC.
2. الذكاء الاصطناعي
- أنظمة التنبؤ: تحلل أنماط الأعراض للتمييز بين أنواع التسمم.
- الروبوتات الدوائية: تقلل أخطاء الجرعات في المستشفيات بنسبة 50%.
حالات دراسية: دروس مستفادة
الحالة 1: تسمم الأطفال بالرصاص
- المصدر: طلاء منازل قديمة.
- العلاج: استخلاب (Chelation Therapy) باستخدام EDTA.
- الوقاية: فحص المنازل المبنية قبل 1978.
الحالة 2: تسمم جماعي بفطر الأمانيت
- الخطأ: الخلط بين الفطر السام والصالح للأكل.
- العلاج: غسيل معدة وعناية داعمة.
الخلاصة: التسمم ليس قدرًا محتومًا
مع التقدم في طرق التشخيص والعلاج، انخفضت وفيات التسمم بنسبة 70% خلال العقد الماضي. ومع ذلك، تظل الوقاية هي الحل الأمثل. اتباع إرشادات التخزين الآمن، والالتزام ببرامج التطعيم (كلقاح التيتانوس)، والتوعية المجتمعية يمكن أن تنقذ آلاف الأرواح سنويًا. تذكر: في حالات الشك، لا تتردد في الاتصال بمركز مكافحة السموم المحلي فورًا – فالدقائق الأولى قد تحدد مصير المصاب.
مصادر للاستزادة:
- المعهد الوطني للصحة (NIH) – إرشادات علاج التسمم.
- منظمة الصحة العالمية – تقرير التسمم العالمي 2023.
- الجمعية الأمريكية لمراكز مكافحة السموم (AAPCC).