مفهوم الرغبة الجنسية (Libido) واضطراباته
تُعرف الرغبة الجنسية، أو ما يُسمى بـ “الـ ليـبـيـدو” (Libido)، بأنها قوة دافعة أساسية مشتركة بين الجنسين، تتأثر بتفاعل معقد بين وظائف الدماغ، مستويات الهرمونات، والسلوكيات المكتسبة. بينما يُعتبر التباين في مستويات الرغبة الجنسية أمراً طبيعياً وصحياً إلى حد ما، فإن أي إفراط أو نقص حاد فيها قد يترك آثاراً واضحة وملموسة على حياة الفرد الشخصية والاجتماعية.
الرغبة الجنسية في إطار التحليل النفسي (المنظور الفرويدي)
في التحليل النفسي، يُستخدم مصطلح الليـبـيـدو للدلالة على الطاقة الغريزية الناتجة عن دافعي البقاء والجنس. اعتبر سيغموند فرويد الليبيدو جزءاً محورياً من الهوية (Id)، والقوة الدافعة الأساسية وراء غالبية السلوكيات البشرية.
الليبيدو وعناصر الشخصية:
- الهوية (Id) والرغبة: تمثل الهوية الجزء البدائي واللاواعي الذي يولد مع الإنسان، وهي مستودع الطاقات الغريزية. تسعى الهوية لإرضاء الرغبات والحصول على المتعة الفورية، وقد يُفسر فرط الرغبة الجنسية (High Libido) بوصفها تعبيراً مباشراً عن طاقة الهوية غير المُنظمة.
- الأنا (Ego) والتحكم: تضطلع الأنا بمهمة تنظيم طاقة الهوية والتحكم فيها. بدلاً من الإشباع الفوري غير المقبول اجتماعياً، تقترح الأنا طرقاً مقبولة اجتماعياً لتلبية الحاجة الغريزية (مثل تأجيل المتعة والبحث عن وسيلة مشروعة).
- الأنا العليا (Superego) والأخلاق: تحتوي الأنا العليا على القيم الأخلاقية والمُثُل التي يكتسبها الفرد من المجتمع والوالدين. مهمة الأنا تكمن في التوسط والتوازن بين دوافع الليبيدو الغريزية والمعايير الأخلاقية التي تفرضها الأنا العليا.
فرط الرغبة الجنسية (Hypersexuality)
يجب التمييز بين الرغبة الجنسية القوية المُرضية (التي تُعد صحية ولها فوائد عديدة) وبين فرط الرغبة الجنسية غير المنضبط، الذي يصبح مصدر قلق عندما يُعطّل الحياة اليومية للفرد.
أعراض فرط الرغبة الجنسية:
- سيطرة الحياة الجنسية المتزايدة على أفكار وسلوكيات الفرد وعلاقاته وعمله وصحته.
- استخدام النشاط الجنسي كوسيلة للتعامل مع تحديات نفسية مثل الاكتئاب والقلق.
- تضرر العلاقات بسبب الرغبة الجنسية المرتفعة.
- الشعور بالفراغ أو عدم الرضا بعد الممارسة الجنسية.
- قد تكون الأفعال المتكررة مثل التحرش أو التحرش الجنسي المستمر علامات دالة على وجود خلل أو فرط جنسي.
أسباب وعلاج فرط الرغبة الجنسية:
غالباً ما تكون الأسباب طبية وغير شخصية، وتشمل:
- اختلال الهرمونات المنظمة للمزاج (مثل زيادة الدوبامين أو السيروتونين).
- الآثار الجانبية لبعض الأدوية.
- اضطرابات عصبية مثل الصرع أو الخرف، التي قد تؤثر على مناطق الدماغ المرتبطة بالسلوك الجنسي.
العلاج: يبدأ بتحديد السبب الجذري. قد يشمل تعديل جرعة الأدوية، علاج الاضطرابات الدماغية، أو اللجوء إلى العلاج النفسي ودعم ذلك بزيادة النشاط البدني.
انخفاض الرغبة الجنسية (Hypoactive Sexual Desire Disorder – HSDD)
يُعد نقص الرغبة الجنسية مشكلة واسعة الانتشار، وغالباً ما تكون قابلة للعلاج بعد تحديد أسبابها الكامنة.
أعراض نقص الرغبة الجنسية:
لا يوجد معيار سريري واحد، لكن الأعراض الشائعة تشمل:
- الإحجام التام أو الواضح عن الممارسة الجنسية مع الشريك.
- نقص أو غياب الخيال الجنسي والاهتمام بالعادة السرية.
- الشعور بالتوتر أو القلق المرتبط بالامتناع عن الجنس.
- قد يُشير الانخفاض المستمر إلى حالة HSDD (اضطراب الرغبة الجنسية قاصرة النشاط).
أسباب نقص الرغبة الجنسية:
- التغيرات الهرمونية: انخفاض هرمونات الاستروجين والبروجستيرون وخصوصاً التستوستيرون، الذي يُعتبر حيوياً للرغبة الجنسية لدى الرجال (نقص التستوستيرون الشديد يسمى قصور الغدد التناسلية)، وأيضاً لدى النساء، خاصة خلال فترة انقطاع الطمث.
- العوامل العاطفية والطبية:
- الإجهاد والتوتر المرتفع: يُعد من أهم العوامل، حيث يؤدي إلى إفراز هرمونات مُثبطة للرغبة مثل الكورتيزول والإبينفرين.
- بعض الأمراض المزمنة.
- تناول أدوية معينة.
- مشاكل العلاقة أو صورة الجسد السلبية.
أفضل طرق علاج نقص الرغبة الجنسية:
غالباً ما يتطلب العلاج مزيجاً من الاستراتيجيات المختلفة:
- العلاج السلوكي والجنسي: مساعدة الأخصائي في تحديد الجذور العاطفية للمشكلة وتقديم تقنيات عملية لزيادة الاهتمام والمتعة.
- الأدوية والعلاج الهرموني:
- للنساء: أدوية مُعتمدة مثل فليبانسرين و برمالانوتيد.
- للرجال: أدوية ضعف الانتصاب مثل السيلدينافيل (الفياجرا) قد تعمل كمُحفز للرغبة.
- العلاج ببدائل التستوستيرون أو استخدام التحاميل المهبلية مثل (Prestron) لتخفيف الألم أثناء الجماع.
- تغيير نمط الحياة لتعزيز الرغبة الجنسية:
- إدارة الإجهاد والنوم الكافي.
- التركيز على المداعبة قبل العلاقة، خاصة لدى النساء.
- تبني نظام غذائي صحي ومغذي والحفاظ على الوزن المناسب.
- التمارين المنتظمة (تعالج مخاوف صورة الجسد وتزيد الطاقة).
- التقرب من الشريك والتواصل حول الاحتياجات الجنسية.
- تجنب التدخين أو تعاطي المخدرات والكحول.
- الاستعانة ببعض الأعشاب والمُحفزات الطبيعية (كالماكا والجنكة) بعد استشارة طبية.
خلاصة القول
إن تباين الرغبة الجنسية أمر طبيعي، ولكن الإفراط أو النقص الحاد والمُعطّل للحياة يُعد مشكلة صحية. لحسن الحظ، تتوفر علاجات فعالة لموازنة هذه الرغبة. إذا كنت تعاني من أي من هذه الأعراض، فإن التحدث مع أخصائي متمرس هو الخطوة الأولى والأكثر أهمية لتحديد السبب ووضع خطة العلاج المناسبة.
هل تود معرفة المزيد عن دور الدوبامين والسيروتونين تحديداً في تنظيم مستويات الرغبة الجنسية؟
