تتجلى في صفحات التاريخ اليمني أسماء لامعة لسلالات همدانية عريقة، لم تكتفِ بدورها القبلي الراسخ، بل امتد نفوذها ليؤسس سلطنات نافذة تركت بصماتها الواضحة في مختلف أرجاء اليمن. من بين هذه الأسر التي تبوأت مكانة السلطة والنفوذ، نذكر تباعًا:
آل كثير: إرث السيادة الحضرمية الممتد
ينحدر آل كثير، الذين أسسوا السلطنتين الكثيريتين المتعاقبتين في حضرموت، من صلب قبيلة آل كثير الهمدانية. يُعرفون، جنبًا إلى جنب مع قبائل همدانية أخرى استوطنت حضرموت، بـ “الشنافر”. تجسدت قوة هذه الأسرة في شخص السلطان بدر بن طويرق الكثيري الهمداني، الذي أرسى دعائم دولة امتد نفوذها ليشمل حضرموت والمهرة وظفار. وقد حظيت دولته بدعم الأئمة القاسميين في فترة من الفترات، قبل أن تخضع في نهاية المطاف لسيطرتهم. يُذكر أن آل عبدالله هم فرع من ذرية هذا السلطان المؤسس.
ذرية السلطان منصر بن صلاح الهمداني
ذرية السلطان منصر بن صلاح الهمداني: نفوذ ممتد من الجوف إلى السواحل
تفرعت من نسل السلطان منصر بن صلاح الهمداني سلالات حكم بارزة، منها سلاطين العوالق العليا والسفلى (“الدولة”)، الذين امتد نفوذهم في مناطق أحور ونصاب حتى زوال سلطنتهم مع رحيل الاستعمار البريطاني عام 1967م. كما برز منهم آل طالب، الذين حكموا في مرخة قبل أن يطيح بهم الاستعمار. وتنتشر فروع أخرى من هذه الذرية في نصاب وخورة.
يعود نسب هذه الذرية إلى بني معن، إحدى بطون قبيلة همدان التي قدمت من الجوف. وقد أطلق اسم هذه القبيلة على حلف “معن العولقي”. وتجدر الإشارة إلى أن بني معن الهمدانية حكموا عدن بعد بني زريع. أما قبائل العوالق، فهي تتكون من تحالف قبلي يضم بني معن والمحاجر، بالإضافة إلى قبائل أخرى تنتسب إلى بني الهميسع بن حمير (وهم الأغلب)، وقبائل من مذحج وكندة وهمدان من كهلان بن سبأ.
آل هرهرة: جذور همدانية في عرش يافع
يرجع نسب آل هرهرة، سلاطين يافع السابقين، إلى الأشراف الحمزات الذين قدم جدهم من منطقة الجوف، وهي موطن قبيلة همدان.
آل زريع: سادة عدن الزاهرة
تنتسب الدولة الزريعية، التي اتخذت من عدن عاصمة لها بعد الدولة الصليحية، إلى بني مكرم من جشم من قبيلة يام الهمدانية.
- آل الصليحي: توحيد اليمن تحت راية همدانية
يعود نسب الملك الكامل علي بن محمد الصليحي إلى بني أوام من قبيلة حجور الهمدانية. وقد انتقل والده إلى منطقة صلاحه في بلاد قبيلة الإخروج الحميرية (الحيمتين)، ونُسبوا إليها فعُرفوا بـ “الصليحي”. هناك وُلد محمد، الذي أطلق دعوته وأسس الدولة الصليحية، ليتمكن من توحيد اليمن وتوسيع نفوذه إلى أجزاء واسعة من الجزيرة العربية، قاضيًا على الدويلات الصغيرة التي كانت منتشرة في اليمن آنذاك. - آل الدعام: سلطنة همدانية راسخة في الجوف
كان لآل الدعام سلطنة في منطقة الجوف، وهم ينتمون إلى قبيلة أرحب الهمدانية، التي بقيت في موطنها الأصلي بعد هجرة فروع أخرى من القبيلة. - بني حاتم: إرث حضاري في محيط صنعاء
تنتسب قبيلة بني حاتم إلى جدهم حاتم اليامي الهمداني، وينتهي نسبهم إلى جشم من قبيلة يام من حاشد من همدان من كهلان بن سبأ. أسس بنو حاتم الدولة الحاتمية المشهورة، التي اتخذت من قرية المنظر بالقرب من الروضة شمال صنعاء عاصمة لها، وهي المنطقة التي شملها التوسع العمراني لمدينة صنعاء لاحقًا. وإلى حاتم يُنسب اسم روضة حاتم القريبة من صنعاء. - بني معن (نهم): حكام عدن بعد الزوال الزريعي
ينتمي بنو معن إلى قبيلة معن من قبائل نهم من بكيل من همدان بن مالك بن زيد، وقد هاجروا من الجوف وحكموا مدينة عدن وما حولها بعد انهيار دولة بني زريع. - بني أمير (آل حيدره): إمارة الظالع ذات الجذور الهمدانية والحميرية
تنحدر قبيلة بني أمير من ذرية أمير بن شاكر من بني شاكر من قبائل بكيل الهمدانية. وقد هاجرت هذه القبيلة من بلاد بكيل وهمدان واستقرت حول مدينة الظالع في بلاد بني الهميسع بن حمير، وعُرفت بلادهم بـ “بلاد الأميري”. برز من بني أمير آل حيدره، أمراء الظالع قبل الاستقلال، الذين سقطت إمارتهم عام 1967م مع رحيل الاستعمار وقيام النظام الجمهوري. ويُقال أيضًا أنهم من قبائل بني الهميسع بن حمير التي تستوطن الظالع وما حولها. - بني نشق: سلطنات وإمارات همدانية في الجوف والبون
ينتمي بنو نشق إلى قبائل بكيل من همدان، وقد أسسوا سلطنات وإمارات في مناطق الجوف والبون. ولا تزال بقاياهم في قبيلة همدان في الجوف، حيث احتفظ شيوخها الكبار بلقب “السلاطين” حتى عهد قريب، ويُطلق عليهم “سلاطين الجوف”. وتجدر الإشارة إلى أن الموطن الأصلي لقبائل يام كان في جبال يام بين مأرب والجوف في شرق اليمن، ثم تفرقوا، واستقر أغلبهم في وادي نجران وفي شرق شمال الجزيرة العربية، مع بقاء أعداد كبيرة منهم في جبال اليمن.
تُظهر هذه السلالات الهمدانية كيف أن قبيلة همدان لم تكن مجرد كيان قبلي، بل كانت منجمًا للقيادات التي استطاعت أن تؤسس دولًا وسلطنات تركت بصمات محورية في تاريخ اليمن وجغرافيته السياسية والاجتماعية.
