فيلم وثائقي بثته قناة العربية يثير جدلاً واسعاً حول الرئيس السابق عفاش

صنعاء، اليمن – أثار فيلم وثائقي بثته قناة العربية مؤخرًا حول كواليس المعركة الأخيرة بين الحوثيين والرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ولحظات مقتله، جدلاً واسعاً وتبايناً في الآراء بين النخب السياسية والإعلامية اليمنية.
وقد شكّل ظهور مدين علي عبدالله صالح، نجل الرئيس السابق، وإدلائه بشهادته على الأحداث التي عاصرها، نقطة تحول رئيسية في السرديات المتداولة.
عقب شهادة مدين صالح، اشتعلت الكتابات والتحليلات حول الروايات السابقة التي تبناها حزب المؤتمر الشعبي العام، والتي لطالما أكدت أن صالح قُتل في منزله وليس أثناء محاولته الفرار. وقد رصد موقع “تداوين” أبرز تلك الآراء المتباينة:
فيلم سياسي مصمم بعناية لإعادة هندسة الذاكرة
اعتبر الكاتب عفيف العباب الفيلم “ليس وثائقياً بل سياسياً ومصمماً بعناية لإعادة هندسة الذاكرة بطريقة تخدم أطرافاً معينة”. وأكد أن ما ورد فيه “كان الرواية الحقيقية التي ظهرت فور مقتله بالضبط”، ولكنه يرى أنها تخلق “حتميات لا يستطيع أحد إنكارها”:
- مقتل صالح هارباً: يؤكد العباب أن الفيلم، بشهادة نجل صالح وحارسه الشخصي أبو شوارب، يثبت أن الرئيس السابق “قُتل هارباً وليس كما يحاول أتباعه دائماً تصويره بأنه بطل الميدان”.
- مصير عارف الزوكا: يشير إلى أن الأمين العام لحزب المؤتمر، عارف الزوكا، “أُسر مصاباً وتمت تصفيته داخل المستشفى”، متسائلاً عن سبب تجاهل الفيلم لمصيره، وهو ما يرجح أنه “لعدم الرغبة في إظهار تفاصيل الإعدام السياسي”.
- تجاهل طارق عفاش: يلفت العباب الانتباه إلى “تجاهل ذكر طارق عفاش رغم أنه كان الحارس الشخصي”، ويرى ذلك إما دليلاً على “غيابه عن المعركة” أو “رسالة لطارق بألا يكون أكبر من الدور المرسوم له وتذكيره بأنه لا يزال أداة ضمن مشروع أكبر”.
- غياب أنصار صالح: يؤكد أن السردية الجديدة “تؤكد غياب كل أنصار عفاش ورجاله السياسيين والعسكريين عن الالتفاف حوله”.
- دور الاختراق السلالي: يشدد على أن “الاختراق السلالي لعب دوراً كبيراً في القضاء على عفاش”، محذراً جميع الأحزاب والقيادات الأمنية والعسكرية من خطورة هذا الأمر.
- غموض متعمد: يختتم العباب رأيه بأن الفيلم “تعمد أن يغلف النهاية بغموض متعمد ليخدم أطرافاً معينة”.
أسطورة سياسية تهتز: تحليل الصحفي أحمد الشلفي
تطرق الصحفي أحمد الشلفي إلى التصريح الجديد لمدين صالح، مؤكداً أنه “ولأول مرة، كشف أن والده لم يُقتل في منزله بحي الثنية في صنعاء كما ظل يُشاع لثماني سنوات، بل بعد خروجه من العاصمة أثناء محاولته الوصول إلى قريته ‘حصن عفاش’ في سنحان، حيث قُتل في قرية الجحشي الواقعة على الطريق”.
- تناقض الروايات: يرى الشلفي أن هذه الرواية “تتناقض تمامًا مع الخطاب الذي تبناه أنصار صالح” الذي صوره كبطل قاوم حتى الرمق الأخير.
- هزة في الأسطورة السياسية: يوضح أن الرواية السابقة كانت “جوهرية في إعادة إنتاج صورة الزعيم الجمهوري”، وقد تحولت إلى “أسطورة سياسية” استخدمها حزب المؤتمر. أما اليوم، “تبدو هذه الصورة مهزوزة”، حيث ترسم الرواية الجديدة “مشهدًا مغايراً: زعيم يغادر منزله في لحظة انهيار، يحاول بلوغ قريته، فيُرصد ويُقتل”.
- سؤال التوقيت: يتساءل الشلفي عن توقيت خروج هذه الرواية الآن، ولماذا صمتت العائلة طوال هذه السنوات، مشدداً على أهمية كشف القصة الحقيقية لمقتل صالح.
- غياب طارق: يلفت الشلفي الانتباه أيضاً إلى تساؤل مدين صالح حول “غياب طارق” من المعركة أو عدم ذكره.
“إعادة هيكلة الأسرة”: رؤية مصطفى راجح
رغم انتقاده السابق لعلي عبدالله صالح، أعرب الكاتب مصطفى راجح عن أسفه لعدم ثبوت قصة مقتله في منزله، خاصة بعد شهادة مدين صالح. وقدم “قراءة بين السطور” للفيلم، مؤكداً أن:
- دور التحالف: يرى أن “التحالف (السعودية والإمارات) أدار جولة صالح الأخيرة وخدعه”، وأن هذا الإدارة كانت “لتحقيق هذا الهدف: ‘إعادة هيكلة الأسرة’: صالح ينتهي في صنعاء.. وطارق يعيد التموضع في المخا!”.
- نجاح نقل طارق: يعتقد أن “لهذا السبب نجحت عملية نقل طارق من صنعاء بينما تركوا متعمدين ‘الرأس الكبيرة'”.
- استدراج مدين: يشير إلى أن مدين “أُستدرج للفيلم الوثائقي مثلما استُدرج والده ليخرج من منزله”، وأن الهدف النهائي هو “تثبيت وضعية طارق كوريث سياسي”.
خدمة ذهبية للميليشيا : تساؤل سمير الصلاحي
عبر الصحفي سمير الصلاحي عن دهشته من توقيت ومحتوى الفيلم، متسائلاً باستنكار: “أكثر من سبع سنوات عجزت فيها الميليشيا عن إقناع حتى مواطن يمني واحد أن الزعيم هرب، وبغمضة عين جاءت قناة العربية وقدمت لهم خدمة ذهبية، وكمان جمعت كل أصحاب صالح ليشهدوا بصدق ما قاله عبدالملك!”.
وتساءل الصلاحي عن “ما الذي جنيتموه من تشويه صورة الزعيم في وعي الناس؟ وما هي فائدة هذه المعلومة في هكذا توقيت؟”، موجهاً اللوم لمن صدّق الرواية الجديدة.
لا فرق في مقتل المنسحب
يرى الناشط معن دماج أن “مقتل صالح وهو منسحب إلى سنحان لا يفرق أبداً عن موته في بيته أو أي حي داخل صنعاء”. ويعتبر أن “الانسحاب هو الأمر الصحيح في حال المعركة، كما حدث مع علي محسن أو الرئيس هادي الذي خدم فراره المعركة وسمح بتجهيز إطارها الشرعي والقانوني”.
- جدل مؤتمري: يعزو دماج إصرار المؤتمريين على أن صالح “استشهد في منزله” إلى “الرغبة في التعريض بهادي ومحسن”، وإلى “النظرية السياسية المؤتمرية التي مدارها احمر عين ومشحوط!!”.
- خطة الحوثيين: يرى أن “المعركة تمت حسب خطة الحوثيين”، ولو أن صالح “تمكن أن يبدأ المعركة وهو متحصن في مناطق سنحان وخولان وعنس – حيث يمتلك قواعد وتأييد واسع ومخازن للسلاح – لكان من الممكن أن تسير المعركة بالاتجاه المعاكس!!”.
مدين ينفي الرواية
لخص عادل سالم الحسني الموقف بتأكيده أن “مدين علي عبدالله صالح ينفي رواية مقتل والده في منزله، وهي الرواية التي ظل يرددها طارق صالح، رغم أنه لم يكن حاضرًا ولم يُذكر في سياق الأحداث”.
وأكد الحسني أن مدين “أكد أن والده قُتل وهو في طريقه إلى حصن عفاش، لا في منزله كما يُشاع، وهي نفس الرواية التي أعلنتها جماعة الحوثي سابقاً”، لافتاً إلى أن “مدين هو من بقي مع والده حتى اللحظة الأخيرة، أما النمر المقنع طارق، فلم يُذكر لا من قريب ولا من بعيد”.
تُظهر هذه الآراء المتعددة حجم الجدل والتأويلات التي أحدثها الفيلم الوثائقي وشهادة نجل الرئيس السابق، مما يعكس الأهمية التاريخية والشخصية لمقتل علي عبدالله صالح، وتأثير أي رواية جديدة على السرديات السياسية القائمة.