حين تُفتعل المعارك الجانبية… ويُغيّب وجع الناس الحقيقي

محمد احمد الطالبي
في سماء الوطن تلوح روائح فتنة مجتمعية، لا تُشعلها الصدفة ولا تُحرّكها الغيرة، بل يُديرها من وراء الستار أصحاب المصلحة الكبرى في استئثار خيرات الوطن، سواء كانت مادية أو سلطوية. هؤلاء، حين يشعرون أن رياح التغيير لا تسير في صالحهم، وأن الأرض تميد تحت أقدام نفوذهم، يهرعون إلى أدواتهم القديمة – الجديدة: إثارة الجدل حول قضايا هامشية، وخلق صراعات جانبية تُشغل الرأي العام وتُنسيه قضاياه الحقيقية.
نعم، هناك قضايا مجتمعية تمس بعض الأفراد، وتستحق النقاش والمعالجة، لكن تسليط الضوء المُفرط عليها في توقيتات مشبوهة، وبطريقة تُغفل الكوارث الكبرى التي يعيشها المواطن، يثير الكثير من علامات الاستفهام. فهل أزمات البطالة، وغياب العدالة، وكمّ الأفواه، وتجويع الأسر، وانهيار الاقتصاد، أصبحت أقل أهمية من قضايا موسمية تلمع فجأة على وسائل التواصل الاجتماعي ثم تختفي؟
إن المواطن اليوم لا يطلب ترفاً، ولا يلهث خلف شعارات براقة. همه الأكبر أن يجد ما يسد به رمق أطفاله، أن يطمئن أن حريته وكرامته مصونة، وأن صوته لا يُقمع إذا طالب بحق أو نطق بوجع. المواطن يريد أن يشعر بالأمان في وطنه من بطش سلطة لا ترى في القانون إلا أداة تبرر بها نزواتها. يريد دولة تُنصف التاجر والطالب والعامل والمزارع، وتفتح الأبواب لا أن تُغلقها، وتوسع الرزق لا أن تُضيّقه.
يا قوم، كفّوا عن دغدغة العقول بقضايا مُنتقاة، وانزلوا إلى واقع الناس، إلى وجعهم الحقيقي. اجعلوا من أقلامكم، ومنصاتكم، ومواقفكم صدى لصوت المواطن المقهور لا مطيّة لمشاريع تضليل يراد بها حرف البوصلة.
لقد أنهكنا الخوف، وأرهقنا الفقر، وأغرقنا الصمت. آن أوان أن نعيد ترتيب أولوياتنا، وأن نُشعل النور في عتمة المعاناة، لا أن نزيدها سواداً.