تقارير وتحقيقات

ثلاث مسارات إسرائيلية محتملة للرد على التحدي الحوثي

تجد إسرائيل نفسها، مرة أخرى، على المحك في مواجهة تصعيد غير مسبوق من أذرع إيران الإقليمية. بعد أن اعترضت قواتها الجوية صاروخًا أُطلق من اليمن، جاء رد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، حاسمًا ومثيرًا للتساؤلات حول طبيعة الرد القادم. فهل تتحول التهديدات اللفظية إلى فعل عسكري مباشر قد يُغيّر قواعد اللعبة في المنطقة؟

تلويح إسرائيلي بـ “قطع اليد”

لم يترك وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، مجالًا للشك في لهجته التصعيدية. في بيان رسمي صدر عنه يوم الثلاثاء، توعد كاتس بضرب الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، قائلًا بحدة: “سيتم التعامل مع اليمن كطهران. بعد ضرب رأس الأفعى في طهران، سنضرب الحوثيين في اليمن أيضًا”. وأضاف بلهجة تحذيرية لاذعة: “كل من يرفع يده ضد إسرائيل، ستُقطع تلك اليد”. هذه التصريحات الصارمة جاءت مباشرة عقب إعلان الجيش الإسرائيلي عن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن باتجاه الأراضي الإسرائيلية، ما يؤكد أن تل أبيب لن تتجاهل أي محاولة للمساس بأمنها.
لم يكن كاتس الوحيد الذي وجه رسالة تحذيرية للحوثيين. فالسفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، نشر على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) تعليقًا يعكس استياء واشنطن من تصرفات الجماعة. قال هاكابي: “اعتقدنا أننا انتهينا من الصواريخ القادمة إلى إسرائيل، لكن الحوثيين أطلقوا صاروخًا علينا في إسرائيل”.

وأشار بوضوح إلى القدرات العسكرية الأمريكية، مضيفًا: “لحسن الحظ، فإن نظام الاعتراض الإسرائيلي المذهل يسمح لنا بالذهاب إلى المخابئ والانتظار حتى تتضح الأمور. ربما تحتاج قاذفات بي-2 إلى زيارة اليمن”. هذه الإشارة المبطنة إلى القاذفات الأمريكية التي سبق لها إلقاء قنابل خارقة للتحصينات على منشآت نووية إيرانية، لا يمكن قراءتها إلا كتحذير مباشر للحوثيين من العواقب المحتملة لتصعيدهم.

تأتي هذه التطورات في سياق يبرز فيه الحوثيون كأحد أبرز وكلاء إيران في المنطقة، والذين انتقدوا بشدة الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على إيران في الأيام الأخيرة، وذلك قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران. الجدير بالذكر أن الحوثيين دأبوا على إطلاق الصواريخ بانتظام باتجاه إسرائيل منذ بدء حربها على غزة في أكتوبر 2023، مما يؤكد على استراتيجية متصاعدة لمواجهة إقليمية.

مواضيع ذات صلة : الصواريخ الفرط صوتية اليمنية : تهديد نوعي وإعادة رسم خريطة القوة

خيارات إسرائيل العسكرية

تبدو إسرائيل اليوم أمام مفترق طرق حاسم للتعامل مع هذا التهديد المتزايد من اليمن. التقديرات تشير إلى ثلاثة خيارات عسكرية رئيسية قيد الدراسة، كل منها يحمل أبعاده وتداعياته:

  • استهداف القيادات العسكرية الحوثية: هذا الخيار يستلهم نموذج الضربات التي استهدفت قيادات في إيران مؤخرًا. تهدف هذه الاستراتيجية إلى إضعاف القدرة العملياتية للجماعة عبر استئصال رأس الهرم القيادي، مما قد يُحدث شللًا في التخطيط والتنفيذ لهجمات مستقبلية.
  • طلب الدعم الأمريكي المباشر: من المرجح أن يُطرح ملف الحوثيين بقوة على طاولة النقاش خلال اللقاء المرتقب بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض. يمكن أن يشمل هذا الدعم تنسيقًا استخباراتيًا مكثفًا، أو حتى مشاركة أمريكية مباشرة في عمليات ضد الحوثيين، وهو ما قد يُغير موازين القوى بشكل جذري.
  • توجيه ضربات مباشرة للمصالح الإيرانية في اليمن: هذا الخيار يهدف إلى ضرب “رأس الأفعى” في معقلها باليمن، بدلًا من مجرد قطع أذرعها. يعني ذلك استهداف البنية التحتية، أو المواقع التي تُستخدم لتدريب الحوثيين، أو لتخزين الأسلحة الإيرانية التي تصل إليهم. هذا النوع من الضربات قد يكون أكثر فعالية في تجفيف منابع الدعم اللوجستي للحوثيين.

مواجهة غير متكافئة: فهم الحوثيين لإسرائيل ورؤيتهم للصراع

في سياق هذه التهديدات، يبدو المشهد وكأنه مواجهة غير متناسبة وغير عادلة بمنطق التاريخ والسياسة وقوانين الحرب، بل يكاد يصل إلى حد الانتحار السياسي والعسكري للحوثيين. فكيف يرى الحوثيون أنفسهم في مواجهة إسرائيل؟ وكيف تُفهم هذه الجماعة في الساحة الدولية؟
إسرائيل، كدولة، تمتلك أحد أقوى الجيوش في العالم، من حيث العدد والعدة والعتاد، وتحظى بدعم غربي واسع، خاصة من أوروبا والولايات المتحدة. في المقابل، يرى البعض أن الحوثيين ليسوا أكثر من جماعة عقائدية جهادية، لا تتجاوز قوتها مخزونات غير معلومة العدد من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة، إلى جانب بضعة آلاف من الجهاديين الذين تلقوا تدريبهم على أيدي خبراء من إيران وحزب الله اللبناني لاستخدام هذه الأسلحة.
ومع الانهيار والتحطم الذي طال معظم أضلاع “محور المقاومة” المدعوم من إيران في كل من لبنان وسوريا، وانكفائه من في العراق، وتراجع إيران نفسها، يبدو أن الحوثيين يحاولون ملء الفراغ الناتج عن هذا التراجع، من خلال الإصرار على استمرار إطلاق صواريخهم وطائراتهم المسيّرة على إسرائيل وبعض الأهداف البحرية التي يزعمون أن لها صلة بإسرائيل.

ما هو الخيار الأخير للحوثيين؟

تهديدات إسرائيل الأخيرة للحوثيين تشير بوضوح إلى أن هذه المواجهة قد دخلت مرحلة “اللاعودة”، وأن الخطط الإسرائيلية تمضي قدمًا نحو التنفيذ “بكل قوة”، كما يرى بعض المحللين. المشكلة الجوهرية لدى الحوثيين هي أنهم لم يتركوا لأنفسهم أي خط للتراجع. فهم أمام خيارين: إما الانتصار في هذه المعركة – وهو أمر يبدو مستحيلًا بالنظر إلى موازين القوى – أو مواجهة نفس المصير الذي لحق بحركة “حماس” في قطاع غزة و”حزب الله” في لبنان. هذا المصير الأخير ليس مستبعدًا على الإطلاق، خاصة وأن جماعة الحوثيين عرضة للاستهداف ليس فقط من إسرائيل والغرب، بل ومن دول الجوار والداخل اليمني، وحتى في مناطق سيطرتهم.

ماذا بعد؟ تساؤلات حول مصير الحوثيين واليمن
يدور الآن نقاش واسع، محليًا، إقليميًا، وعالميًا، حول المرحلة المقبلة ومصير الحوثيين. هل هم إلى زوال أم أن الفرصة لا تزال متاحة أمامهم للتكيف مع شروط المتغيرات القائمة بعد كل ما حدث في غزة ولبنان وسوريا وما يُعمل عليه في العراق؟

حللت بعض التقارير قدرات الحوثيين الصاروخية بأنها تعود إلى أنظمة إطلاقها المتحركة من مواقع مختلفة، وصعوبة الحصول على معلومات استخباراتية دقيقة لرصد نشاط عمليات الإطلاق. بالإضافة إلى ذلك، يتجنب الحوثيون إطلاق الصواريخ ليلًا، مما يصعّب على المقاتلات الأمريكية ملاحظة وميض الإطلاق وضرب موقعه.
وفي هذا السياق، حث تقرير آخر على ضرورة ألا تقبل إسرائيل التهديد المتزايد من اليمن، وألا تعتمد على الولايات المتحدة وحدها في تحمل العبء. وأكد التقرير أن الخط الرفيع الفاصل بين ضبط النفس والاحتواء والردع والوقاية يتطلب قرارًا إسرائيليًا فوريًا وحاسمًا.
تدعو أصوات بحثية إسرائيلية إلى استهداف الأصول الإيرانية في اليمن، والاعتماد على وسائل ضغط غير مباشرة ضد طهران، باعتبارها الداعم الرئيس للحوثيين. في حين أن زيادة القوات الأمريكية في محيط إيران، سواء في الجو أو البحر، قد تؤدي إلى الحد من مشكلة جماعة الحوثيين، لكن ذلك لا يعني حل المشكلة ما لم تهزم القوات الموالية للحكومة اليمنية الحوثيين على الأرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock