ينابيع

الصحابي الجليل /جرير بن عبد الله البجلي

نسبه وأصله

هو جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك البجلي اليربوعي، من قبيلة بجيلة القحطانية التي يعود نسبها إلى اليمن. وُلد في أرض بجيلة (حاليًا في جنوب الجزيرة العربية)، ونشأ في بيت عزٍّ وشرف، إذ كان من سادة قومه وأشرافهم، وكان يتميز بصفات جعلته محبوبًا بين قومه ومهابًا بين خصومه.

لقاؤه بالنبي ﷺ وإسلامه

لم يكن إسلام جرير متأخرًا كثيرًا، بل أسلم في السنة العاشرة للهجرة عندما قدم إلى المدينة، وكانت هيئته وسمته تميزه بين الرجال. فما إن دخل على النبي ﷺ حتى قال لأصحابه:

“يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ، خَيْرُ ذِي يَمَنٍ، عَلَى وَجْهِهِ مِسْحَةُ مَلَكٍ”

وكان هذا وصفًا نادرًا من النبي ﷺ لرجلٍ من أصحابه، حيث كان جرير جميل الطلعة، حسن الوجه، طويل القامة، ذا هيبة ومروءة، حتى شبهه الصحابة بيوسف عليه السلام في جماله.

أسلم جرير عن قناعة راسخة، وقاد قبيلته كلها إلى الإسلام، فكان إسلامه فتحًا لبجيلة، ولم يكن مجرد تابع، بل أصبح قائدًا عسكريًا ودبلوماسيًا في جيش المسلمين.

أعظم إنجازاته: إسقاط صنم “ذي الخلصة”

من أعظم إنجازاته في الإسلام قيامه بتحطيم “ذي الخلصة”، الصنم الذي كان يُعبد في اليمن ويُلقب بـ “كعبة اليمن”.

بعد فتح مكة وانتشار الإسلام، بقي هذا الصنم آخر معقلٍ للوثنية في الجزيرة العربية، فأرسل النبي ﷺ جريرًا على رأس 150 فارسًا من قومه بجيلة، وقال له:

“ألا تريحني من ذي الخلصة؟”

فانطلق جرير بسرعة وحزم، فحاصر المعبد، ثم هاجم مع فرسانه المشركين الذين كانوا يحمونه. وبعد معركة قصيرة، أحرق المعبد وهدمه بالكامل، فعاد إلى المدينة وهو يحمل خبر سقوط آخر الأصنام في جزيرة العرب.

جرير في عهد الخلفاء الراشدين

بعد وفاة النبي ﷺ، كان جرير من القادة المخلصين للخلافة الراشدة، حيث شارك في حروب الردة ضد المرتدين عن الإسلام، وكان من أبرز القادة الذين ساهموا في حروب الفتح الإسلامي.

دوره في فتح العراق وفارس

عندما بدأت حروب الفتوحات الإسلامية في العراق وفارس، كان جرير واحدًا من أبرز قادة جيش المسلمين. فقد أرسله الخليفة عمر بن الخطاب إلى العراق، حيث شارك في معركة القادسية الشهيرة ضد الفرس، وكان قائدًا على فرسان بجيلة، وقدّم دورًا حاسمًا في النصر الإسلامي على الإمبراطورية الفارسية.

بعد ذلك، استمر في قيادة الحملات العسكرية، وكان له دور في فتح مناطق في خراسان (إيران وأفغانستان حاليًا)، حيث أثبت أنه ليس فقط فارسًا شجاعًا، بل قائدًا استراتيجيًا بارعًا.

علاقته بالخلفاء ودوره في السياسة

كان جرير مقربًا من الخلفاء الراشدين، وخاصة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، حيث كان يُرسل في المهام الدبلوماسية والحربية الصعبة.

وكان عمر بن الخطاب يعرف قدره فقال عنه:

“جرير رجلٌ صالح، لا يُدفع عن باب، ولا يُمنع عن حق”

أي أنه كان من خيرة الناس عدلًا ومروءة.

دوره في الفتنة بين علي ومعاوية

عندما حدثت الفتنة الكبرى بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، حاول جرير التوسط بين الطرفين. حيث أرسله علي بن أبي طالب إلى معاوية لمحاولة إقناعه بالبيعة، لكن المفاوضات لم تنجح، وعاد جرير إلى الكوفة، ثم قرر اعتزال الفتنة وعدم القتال مع أي طرف، وذهب إلى اليمن حيث استقر هناك.

وفاته

توفي جرير بن عبد الله البجلي في اليمن سنة 51 هـ (حوالي 671 م)، حيث كان واليًا عليها في عهد معاوية بن أبي سفيان. وقد ظل حتى وفاته رجلًا محبوبًا بين الناس، صاحب كرم ومروءة وشرف، وكان من أكثر الصحابة اتباعًا لسنة النبي ﷺ وحرصًا على العدل والحق.

مكانته في الإسلام

كان جرير واحدًا من أعظم فرسان الإسلام، ومن الرجال القلائل الذين جمعوا بين القوة في المعارك والحكمة في السياسة. كما كان من رواة الحديث النبوي، فقد روى عن النبي أكثر من 80 حديثًا صحيحًا، مما يدل على مكانته العلمية والروحية.

لماذا كان جرير بن عبد الله البجلي عظيمًا؟

كان من سادة العرب في الجاهلية والإسلام

نال مدح النبي ﷺ مباشرةً عند لقائه

هدم آخر صنم في الجزيرة العربية بيده

شارك في حروب الردة وفتح العراق وفارس

كان سفيرًا دبلوماسيًا بين الخلفاء وأصحاب الفتنة

روى أحاديث نبوية كثيرة وكان من أوائل المحدثين

ختامًا

لم يكن جرير بن عبد الله البجلي مجرد اسم في التاريخ، بل كان رمزًا للكرامة والعزة. رجلٌ جاء من اليمن، فحمل راية الإسلام عاليًا، وقاد الجيوش، وفتح المدن، وكان رمزًا للعدل والمروءة.

إنه صورة من صور المجد اليمني والعربي والإسلامي، رجلٌ لم يُهزم في حياته، ولم يُعرف عنه إلا الخير، وظل حتى وفاته مثالًا للفروسية والشرف.

رحم الله جرير بن عبد الله البجلي، فارس بجيلة، ورجل الإسلام العظيم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock