الأحيوات قبيلة الصحراء التي ولدت من رحم المأساة

تخيّل صحراء قاحلة تمتدّ أبصارك إلى الأفق، وجرحٌ ينزف، وطفلٌ يصرخ من الظمأ، ونساءٌ يحفرن الأرض بأيدٍ مرتعشة بحثاً عن نقطة ماء تنقذ حياة من تبقّى. هنا، حيث يمتزج الألم بالأمل، والموت بالحياة، وُلدت أسطورة قبيلة ” الأحيوات ” – تلك القبيلة التي نحتت وجودها من صخر المعاناة، وروت جذورها بدماء الشهداء ودموع الثكالى، لتصبح أحد أعرق وأشدّ قبائل الصحراء شراسةً وإباءً. إنها قصة بقاءٍ تتحدّى المستحيل، وإرثٌ من الشجاعة والصلابة لا يزال صداه يرنّ في صحاري سيناء والأردن حتى يومنا هذا.
في زمن مضطرب سادت فيه سيوف المماليك، واشتدّ فيه الصراع على أرض غزّة، وُلدت قبيلة الأحيوات من رحم مأساة دامية. لم تكن نشأتها حدثاً عابراً في سجلّ القبائل العربية، بل كانت ملحمة إنسانية من أعظم ملاحم الصمود والبقاء، سطّرتها أيدي النساء والأطفال على وقع الخسارة والفقدان. لقد تشكّلت هوية الأحيوات من لحظاتٍ مفصلية: هروبٍ محفوفٍ بالمخاطر من مذبحة غزّة، وموتٍ لشهداء على طريق النجاة، واكتشافٍ معجزيٍ للماء في أرضٍ يباب، وولادةِ اسمٍ جديدٍ ارتبط بأكلةٍ من أكلات الزّمن العسير. إنها قصة قبيلة الأحيوات، فرعٌ من فروع المساعيد العريقة، الذين حوّلوا محنتهم إلى منحة، وضربتهم القاسية إلى مصدر قوّة وإباءٍ صار مضرباً للأمثال في ربوع الصحراء المترامية من سيناء إلى وادي عربة جنوب الأردن. إن معرفة أصل الأحيوات هي معرفة لجوهر الصمود العربي في أقسى الظروف.
أصل عشيرة الأحيوات
تتّخذ قصة نشأة الأحيوات بعداً أسطورياً، يبدأ في أعقاب مذبحة مروّعة وقعت بين فرع من المساعيد بقيادة الأمير سليمان بن عمرو المسعودي وقوات المماليك في غزّة. كان معلَّى المسعودي من الناجين القلائل، يحمل في جسده جراحاتٍ غائرة، وفي قلبه حسرةً لا تُوصف بعد أن فقد أخاه وابن أخيه وولديه في المعركة الضارية. لم يكن وحيداً في محنته؛ فقد صحبته امرأتا ولديه القتيلين، وحفيده الصغير سعد بن علي بن معلَّى، وحفيدةٌ أخرى هي ابنة عم سعد. كانت خطواتهم ثقيلةً والهزيمة مُرّة، والطريق إلى النجاة محفوفاً بالمخاطر.
- الهروب نحو المجهول والبحث عن ملاذ: بسبب شدة إصابات معلَّى وتفاقم آلامه، تأخر عن اللحاق بسرعة ببقية الناجين من المساعيد الذين اتجهوا غرباً نحو سيناء ومصر. قرر معلَّى ومعه المرأتان والطفلان السير غرباً أيضاً، أملاً في اللحاق بأقاربه. قطعوا المسافات بصعوبة بالغة، حتى استقر بهم الحال عند نخيل العريش قرب الساحل، حيث استحال على معلَّى مواصلة السير. هنا، ظهر بصيص أمل؛ إذ مرّ بهم رجل من قبيلة “الملّاحة” (أهل الساحل)، توسّلت إليه المرأتان لمعالجة جراح معلَّى. أقام الرجل يعالجه أياماً، لكن آلام الجريح لم تهدأ. في لحظة يأس وقرار صعب، تركت المرأتان معلَّى في رعاية الملّاحي، وانطلقتا غرباً باحثتين عن خبرٍ يطمئنهما عن مكان المساعيد، حاملتين الطفلين الصغيرين: سعد وحفيدته.
- صراخ طفلٍ ينقذ حياةً: اكتشاف ماء المسعوديات: كانت الرحلة شاقة تحت وهج الشمس الحارقة. وصلت المرأتان والطفلان إلى موضع قريب من بئرٍ، لكن الإرهاق الشديد والظمأ القاتل ألقيا بظلهما. انهارت قوى أم سعد، وتركت الطفل الصغير سعداً على الأرض، وسارت قليلاً نحو الغرب تلتمس نجدةً أو أثراً. لكن صراخ الطفل سعد من العطش لاذعٌ كالسهم، أرغمها على العودة سريعاً. في لحظةٍ يائسة، وبينما الطفل يبكي والظمأ يهدد حياتهما، بدأت المرأتان تحفران بيديهما في الأرض الرملية بحثاً عن أي أثرٍ للرطوبة، أملاً في الحصول على “ثميلة” (حفرة صغيرة) تفيض بماءٍ قليل ينقذهم. وبمعجزةٍ من معجزات الصحراء، وبعد حفرٍ ليس بالبعيد، انبثق الماء! شربت المرأتان وارتوتا، وسقيا الطفلين، وملأت قربتيهما. كان هذا الماء هو بذرة الحياة الجديدة.
- سعد صادق الوعد وبئر المسعوديات: عادت المرأتان بالماء إلى معلَّى عند نخيل العريش، وأخبرتا الملّاحي بما حدث. نقلوا معلَّى ليقيم قرب ذلك الموضع المعجزة الذي ظهر فيه الماء بسبب ظمأ الطفل سعد وبكائه. نظراً لأن خروج الماء كان في الموضع الذي ترك فيه سعدٌ لحظة انهيار أمه، ولأن هذا الماء كان سبباً مباشراً في إنقاذهم، لُقب الطفل سعد بن علي بن معلَّى “سعد صادق الوعد” أو “سعد جيد الوعد”، إشارةً إلى أن بكاءه وصراخه “وعد” بالماء فصدق! وعُرف البئر الصغير الذي طوروه فيما بعد باسم “بئر المسعوديات” نسبةً إلى المرأتين المسعوديتين (امرأتي ولدي معلَّى) اللتين حفرتا بأيديهما لينقذن الطفلين، كما اشتهر أيضاً باسم “بئر المساعيد”. ولا يزال هذا البئر معروفاً عند بدو سيناء حتى اليوم باسم “المسعوديات”، وخلّده شعراؤهم في أشعارهم، كما ذكره الرحالة الشيخ عبد الغني النابلسي أثناء مروره به عام 1105 هـ.
المسيرة عبر الصحراء: من غزة إلى جبال سيناء ووادي عربة
لم تنتهِ معاناة الناجين عند بئر المسعوديات. بعد أن خفّت آلام معلَّى قليلاً بفضل الرعاية والماء، قرروا مغادرة العريش. استأجرت المرأتان ناقةً من الملّاحي لنقل الجريح معلَّى، واتجهوا هذه المرة شرقاً وجنوباً شرقاً، أملاً في العثور على المساعيد في مناطقهم التقليدية حول العقبة. ساروا عبر وادي العريش، ثم قطعوا وادي قرية، وأشرفوا على النقيبات، حتى وصلوا أخيراً إلى وادي الحمض، غرب الكنتلا في صحراء التيه بوسط سيناء.
- وادي الحمض: المحطة الأخيرة لمعلَّى المسعودي: في وادي الحمض، تدهورت صحة معلَّى مجدداً بسبب مشقة الطريق. فرغ زادهم، ولم يعد لديهم سوى النباتات الصحراوية التي يقتاتون عليها، وأهمها نبتة تسمى “الحوى” أو “الجوى”. أدرك معلَّى، وهو يرى الموت يقترب، أن نهايته قد حانت. أوصى المرأتين بدفنه على ربوةٍ مطلة في جانب الوادي، وأمرهما بمواصلة السير عبر وادي الجرافي نحو الجبال الشرقية، ووصف لهما طريق الوصول إلى وادي عربة قرب العقبة حيث يتوقع وجود المساعيد. ولم يمض وقت طويل حتى أسلم معلَّى المسعودي روحه إلى بارئها، فدفنته المرأتان في ذلك الموضع الذي عُرف منذ ذلك الحين بـ “وادي معلَّى”. أصبح قبره مزاراً يُحترم، يزوره بدو التيه في سيناء ويذبحون عنده الذبائح في المناسبات، وظل أعقابه من الأحيوات ينتخون به قائلين: “يا معلَّى” طلباً للنصرة والفرج.
- اللقاء المصيري وتسمية “الأحيوات”: نفّذت المرأتان وصية معلَّى. سارتا عبر وادي الجرافي، وتوجهتا نحو الجبال الشرقية، ثم انحدرتا إلى وادي عربة قرب رأس خليج العقبة. وبعد عناء طويل، وصلا أخيراً إلى معاقل المساعيد. حكوا لهم قصتهم المريرة: الهروب من المذبحة، جراح معلَّى، التيه في الصحراء، اكتشاف الماء ببكاء سعد، موت معلَّى في وادي الحمض، واعتمادهم في غذائهم الأخير على نبات “الحوى”. تأثر المساعيد بهذه الرواية المؤثرة، وأطلقوا على المرأتين وابنيهما (سعد وحفيدته) لقب “الأحيوات” نسبةً إلى نبات “الحوى” الذي أنقذهم من الموت جوعاً في وادي الحمض. وعُرف سعد صادق الوعد فيما بعد بـ “الأحيوي” أو “أبو حوَّاه”، وأصبح أبناؤه وأحفاده نواة قبيلة الأحيوات داخل اتحاد المساعيد.
الامتداد الجغرافي: ديار الأحيوات من سيناء إلى العقبة
تطوّرت قبيلة الأحيوات من تلك النواة الصغيرة لتصبح قبيلة كبيرة قائمة بذاتها، ذات وجود متميز وديار واسعة تمتد عبر الحدود السياسية الحديثة:
- في جنوب الأردن (وادي عربة): تُعد منطقة وادي عربة، وخاصة حول مدينة العقبة وامتداداً جنوباً حتى قاع السعيديين (على حدود الحويطات شمالاً)، القلب التقليدي لقبيلة الأحيوات. يسيطرون على مساحات شاسعة تمتد شرقاً حتى سلسلة جبال الشراة. وادي اليتم هو أحد معاقلهم الهامة في هذه المنطقة.
- في وسط وجنوب سيناء: تمتد ديار الأحيوات في سيناء بشكل كبير ومؤثر:
- الحدود: شرقاً حتى ساحل خليج العقبة (من نويبع جنوباً)، وغرباً حتى جبل أم خشيب ومنطقة غرب حماير، وشمالاً حتى جبل عريف الناقة (الفاصل بينهم وبين قبيلة التياها)، وجنوباً عبر نقب الراكنة وسلسلة جبال العجمة حتى نويبع.
- المراكز الرئيسية: جبل المغارة (شهير بالنقوش الفرعونية)، الجفاجفة، سر الحقيب، الأحيقبة، عين صدر، جبل بضيع الجدي، جبل سحابة، جبل العرف، الكنتلة، رأس النقب.
- الأودية والموارد: وادي الحيسي، وادي قرية، البروك، المهشم، بئر جديد، وادي الجرافي، وادي قريّة، وادي الحمض (وادي معلَّى).
- في جنوب فلسطين (تاريخياً): كان للأحيوات حضور في جنوب فلسطين، خاصة في مناطق مثل وادي الردادي، وادي القطا، الرخمة، البيانة، اللحيانة، العقفي، أبو قضابة، الجرافي، المصري، المحسرات. ومع التغيرات السياسية الكبرى في القرن العشرين، لم يبقَ من الأحيوات في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلا عدد قليل جداً من العائلات (لا تتجاوز ثلاث عائلات) تقطن أساساً في الجزء الجنوبي من وادي عربة المتاخم للأردن.
هذه الديور الواسعة تشهد على قوة القبيلة ونفوذها التاريخي، وقدرتها على السيطرة على طرق المواصلات الحيوية والموارد المائية في تلك الصحاري القاسية.
التكوين القبلي: فروع وبطون الأحيوات
نشأت قبيلة الأحيوات حول شخصية سعد صادق الوعد الأحيوي. تزوج سعد ورزق بعدد من الأبناء، كانوا نواة البطون الرئيسية للقبيلة:
- علي بن سعد (الشوفان): أكبر أبناء سعد، ولُقب بـ “شوفان” بسبب حادثة رواها حيث رأى (“شاف”) امرأة عجوز تدخل على عروس في بيت أحد إخوته ليلاً وحذرهم، فاتهمه أخوه بالكذب قائلاً: “شافها شوفان أبو كذبانة”، ثم تبين صدقه فبقي اللقب. من نسله:
- أولاد غانم (الغنيمات): ينسبون إلى غانم بن شوفان.
- الغنيمات: ينسبون إلى غنيم بن شوفان.
- حمد بن سعد: جد فخذ “الحمدات”.
- سويلم بن سعد: جد فخذ “الكرادمة”.
هذه البطون (الغنيمات، الحمدات، الكرادمة) هي العمود الفقري لقبيلة الأحيوات، ويُنسب إليهم جميعاً. كما انضم إلى حلف الأحيوات مع مرور الزمن فروع أخرى من المساعيد، أبرزها:
- الصفائحة: وهم من ذرية سيف المسعودي (الذي قتل في معركة المطيرية بين المساعيد وبني عقبة).
- فرع من الضمادية (المساعيد): ومنهم فرع “الخواطرة”.
هذا التجمّع تحت مسمى “الأحيوات” عزّز من مكانتهم وقوتهم في المنطقة.
في كتب التاريخ والرحالة: شهادات على مكانة الأحيوات
برز اسم الأحيوات كقوة صحراوية لا يُستهان بها منذ القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، وتركوا أثراً واضحاً في سجلات الرحالة والمؤرخين:
- الجزيري (القرن 10هـ/16م): في مخطوطته “الدرر المنظمة”، يُعدّ أقدم من ذكر الأحيوات صراحة. وصفهم بأن منهم “أولاد أبو سنينة” المتخصصين في الدلالة على مواقع المياه والحطب على طريق الحج من عقبة إيلة (إيلات/أم الرشراش) حتى “شرفة بني عطية” (الشرف حالياً، جنوب حقل في السعودية). وأشار إلى أنهم كانوا يتقاضون أجرةً قديمة من الخزينة السلطانية قدرها عشرة دنانير مقابل هذه الخدمة الحيوية لقوافل الحجاج والتجارة.
- عبد الغني النابلسي (1105هـ/1693م): كما ذكرنا سابقاً، مرّ ببئر المسعوديات (بئر المساعيد) في سيناء أثناء رحلته إلى مصر ووصفه.
- أحمد بن محمد الدرعي المغربي (1211هـ/1796م): أثناء رحلته للحج، ذكر تعرضه وقوافل أخرى لهجمات من “بني سعد” في مناطق قريبة من الأزلم على ساحل البحر الأحمر. علّق الباحث السعودي عاتق بن غيث البلادي بأن هؤلاء “بني سعد” هم على الأرجح الأحيوات (بني سعد المساعيد) من أهل البدع، مما يشير إلى امتداد نشاطهم حتى تلك المناطق البعيدة نسبياً عن مركزهم في سيناء والعقبة.
- عصر محمد علي باشا (أوائل القرن 19م): تشير المصادر (مثل عباس مصطفى عمار في “المدخل الشرقي”) إلى أن الأحيوات كانوا يسيطرون سيطرةً كبيرةً على طريق الحج البري المهم الذي يمر عبر وسط سيناء من نخل إلى العقبة. لقد اعتبروا أنفسهم أصحاب حقٍ تاريخي في حراسة هذا الطريق ومرافقة القوافل (الدرك). وكانوا يطالبون حكومة محمد علي في مصر بدفع “ضريبة” أو “أجرة” مقابل ضمان أمن القوافل على هذا الطريق الحيوي، وكانت الحكومة المصرية تدفعها بالفعل لتجنب اعتدائهم على القوافل الصغيرة إذا امتنعت عن الدفع.
- الرحالة والمستكشفون الغربيون (القرن 19 وأوائل 20م): لفتت قبيلة الأحيوات، بقوتها وطريقة حياتها وتمسكها بحقوقها في الطرق والمراعي، انتباه عدد كبير من المستكشفين والضباط والعلماء الغربيين الذين مروا بالمنطقة، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: جون لويس بوركهارت، نعوم شقير (في كتابه “تاريخ سيناء”)، لويس موزل، ماكس فون أوبنهايم، جارلز جارلز بيك (هولند)، جورج أوغست فالين، إدوارد روبنسون، إلزورث هنتنغتون، فرانك إدوارد جونسون، چورچ لويد، تي. إي. لورنس (لورنس العرب)، ألفريد تشيستون، كلود كوندر، هربرت كيتشنر، كولونيل ستيوارت فرانك، چوليان ستافورد بيرد (مصور)، چورچ موري (في “أبناء إسماعيل”)، كلاين، چارلز مونتاجو دوتي، چورچ آدم سميث، لويس فيغنان، چيمس هنري برستد، پريسي سايكس، چيمس بيل، لويس ماسينيون، أنطونين چوسن، سلفستر چوزيف سايلر، فردريك چ. بليس، آرتشيبالد فوس، ت. إي. پيك، وغيرهم كثيرون. تناول هؤلاء في كتاباتهم جوانب من حياة الأحيوات، تنظيمهم الاجتماعي، غزواتهم، مناطق نفوذهم، وعلاقاتهم مع القبائل الأخرى والحكومات.
الأحيوات اليوم: استمرارية الإرث في عالم متغير
رغم التحولات السياسية والاجتماعية الهائلة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في القرنين العشرين والحادي والعشرين، لا تزال قبيلة الأحيوات تحافظ على وجودها وهويّتها القبلية المميزة، وإن تغيرت بعض أنماط حياتهم:
- في الأردن: يتركز وجودهم القوي في محافظة العقبة ووادي عربة. يمارس العديد منهم حياة شبه مستقرة أو مستقرة تماماً، ويعملون في مختلف القطاعات (الزراعة، التجارة، الوظائف الحكومية، السياحة). لكن الروابط القبلية والانتماء إلى الأحيوات تظل قوية ومحترمة. لهم مشايخ معترف بهم يمثلونهم.
- في سيناء (مصر): لا يزال لـ الأحيوات وجودٌ مهم في وسط وجنوب سيناء، خاصة في المناطق التقليدية المذكورة. يواجهون تحديات تتعلق بالأمن والتنمية في سيناء، لكنهم يحافظون على تمسكهم بأرض أجدادهم وتقاليدهم. يمارس جزء منهم حياة البادية والرعي، بينما استقر جزء آخر.
- الذاكرة الجماعية والهوية: يحافظ الأحيوات على تقاليدهم الشفوية، ويتناقلون قصص نشأتهم الملحمية (مأساة غزة، معلَّى، سعد صادق الوعد، بئر المسعوديات، أكل الحوى) بفخرٍ كبير. زيارة قبر جدهم معلَّى المسعودي في وادي معلَّى بوسط سيناء (عندما تسمح الظروف) تظل حدثاً مهماً لبعض أفراد القبيلة، رمزاً للتواصل مع الجذور والتضحيات التي بُني عليها مجدهم. الانتخاء بـ “يا معلَّى” في الشدائد لا يزال موجوداً كتعبير عن اللجوء إلى رمز الصلابة والتضحية في تاريخهم.
لقد نجحت قبيلة الأحيوات، المنبثقة من قلب المأساة والمعجزة، في نحت مكانة دائمة لها على خريطة القبائل العربية. إن قصة نجاتهم من حافة الهلاك، وتشبثهم بالحياة، وقدرتهم على فرض احترامهم في أصعب الصحاري، تظل شهادة خالدة على روح الصمود والبقاء التي تميز الإنسان العربي في مواجهة قسوة الطبيعة وتقلبات التاريخ. فهم ليسوا مجرد قبيلة، بل هم تجسيد حي لأسطورة البقاء التي كتبتها إرادة النساء، وبكاء طفل، ونبتة صحراء متواضعة اسمها “الحوى”.