اسماء قبائل طوق صنعاء وكيف تتوزع ولائتهم القبلية

تتشكل حول العاصمة اليمنية صنعاء حلقة استراتيجية من العشائر القبلية، تحكمها منظومة من الأعراف المتوارثة، وتعتمد في معيشتها على الزراعة وموارد السلطات المتعاقبة، فضلًا عن المكاسب الناتجة عن المشاركة في صراعات السلطة.
وقد تعاملت أنظمة الحكم الإمامية، التي تقاسمت النفوذ مع العثمانيين في شمال اليمن خلال القرون الأخيرة، مع هذه القبائل بمنطق الاستقطاب العسكري لصالح “آل البيت”، وعملت على ترسيخ ثقافة الغنيمة في وعيها، رابطةً أرزاقها بتقلبات الصراعات، ومقصيةً إياها عن فرص التعليم والمشاركة الفاعلة في الحكم. هدفت هذه السياسة إلى ضمان بقاء هذه المناطق خزانات بشرية للتعبئة العسكرية وأرضًا خصبة للتلقين المذهبي. ونتيجة لذلك، تذبذبت ولاءات هذه القبائل بين مناصرة الإمامة (التي يعتبر الحوثيون امتدادًا مسلحًا لها) والتناوب على الثورة ضدها ومؤازرة معارضيها.
غير أن مرور أكثر من نصف قرن على ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962، التي أطاحت بالحكم الإمامي، أحدث تحولات عميقة في هذه القبائل. ورغم احتفاظها ببنيتها التنظيمية القبلية، فقد ظلت تسعى باستمرار لإيجاد موطئ قدم لها في معادلة الصراع على السلطة المركزية في صنعاء.
وقد تبنت الحكومات الجمهورية المتعاقبة منذ عام 1962 برنامجًا خاصًا بقبائل طوق العاصمة، سعى إلى إعادة تأهيلها عبر التعليم ورفد المؤسسات بقادة عسكريين ومدنيين وحتى دينيين من أبنائها. جاء ذلك في سياق تاريخي هيمنت فيه فئة الهاشميين على الزعامة الدينية والسياسية لقرون متقطعة. ويُشار إلى أن ثورة سبتمبر نفسها يوصفها بعض الباحثين بأنها “ثورة القبائل” على نظام حكم الأئمة السلالي الذي حصر السلطة في الهاشميين دون غيرهم.
وتعتمد هذه المناطق في غالبية مواردها على زراعة القات وتجارته في العاصمة، بالإضافة إلى زراعة العنب التي تشتهر بها منطقة بني حشيش، واللوز الذي يزرع في منطقة خولان. كما أن نسبة كبيرة من أبناء هذه القبائل تنخرط في السلك العسكري، قيادات وأفرادًا، وفي القطاع المدني، وإن كان ذلك بنسبة أقل.
وفي ظل الحرب الدائرة في اليمن بين قوات الشرعية والمقاومة الشعبية، المدعومة بعمليات التحالف العربي، من جهة، وميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران، من جهة أخرى، تتزايد أهمية تحليل توجهات قبائل محيط العاصمة في المرحلة الراهنة.
خريطة الولاءات القبلية:
تتوزع ولاءات قبائل محيط صنعاء بين القوى الرئيسية الثلاث المهيمنة في الشمال اليمني: المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح، والحوثيين. ولا تقتصر الولاءات داخل القبيلة الواحدة على طرف بعينه، بل تتوزع بنسب متفاوتة بين هذه القوى الثلاث. ويمكن استعراض الخارطة الجغرافية والاجتماعية والسياسية لهذه القبائل بإيجاز على النحو التالي:
- قبائل همدان: تستوطن المناطق الشمالية والشمالية الغربية للعاصمة. وقد برز منها المناضل السبتمبري اللواء حمود الجائفي. يغلب على هذه القبائل الميل لحزب المؤتمر، مع وجود نفوذ ملحوظ لحزبي الإصلاح والحوثيين. وقد أظهرت بعض عشائر همدان دعمًا للحوثيين ويسرت لهم دخول صنعاء في سبتمبر 2014، كرد فعل على نفوذ الإصلاح والفريق علي محسن الأحمر، الذي يتهمه بعض أبناء همدان بالسعي لتعزيز مراكز قوى جديدة على حساب بيوتات عريقة أخرى. وقد قام الحوثيون عقب سيطرتهم على همدان بتفجير منزل الشيخ قنّاف القُحيط، الموالي للفريق الأحمر، بالإضافة إلى تفجير العديد من المراكز الدينية والتعليمية التابعة لحزب الإصلاح في مناطق همدان. وتتردد مؤخرًا أنباء عن مراجعة قبائل همدان لموقفها تجاه الحوثيين بعد الشكوك حول تورطهم في تصفية اللواء علي بن علي الجايفي، قائد قوات الاحتياط (الحرس الجمهوري)، عقب إصابته في الغارة الجوية التي استهدفت مجلس عزاء في صنعاء. ورغم أن غالبية همدان تدين بالولاء لحزب المؤتمر، الذي كان يتزعمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح، إلا أنها لم تكن على وفاق تام معه طيلة فترة حكمه، حيث شعرت بالتهميش في توزيع المناصب الحكومية والعسكرية، بعد أن حظي أبناء همدان بفرص أوفر في عهد الرئيس أحمد حسين الغشمي، المنتمي إلى همدان والذي حكم شمال اليمن لفترة وجيزة خلفًا للرئيس إبراهيم الحمدي.
- قبائل أرحب: تقطن المناطق الشمالية الشرقية للعاصمة. وهي مسقط رأس المناضل محمد محمود الزبيري. وقد عرفت منطقة أرحب خلال العقدين الأخيرين بأنها من المعاقل التقليدية لحزب الإصلاح، ومن أبرز رموزه فيها النائب منصور الحَنِق، رئيس مجلس مقاومة محافظة صنعاء. كما يوجد في أرحب حضور قوي لحزب المؤتمر الذي كان يرأسه صالح، بالإضافة إلى بيوتات تدعم الحوثيين، أبرزها بيت أبو نشطان.
- قبائل سنحان: تتمركز جنوب شرق العاصمة. ورغم صغر مساحة مديرية سنحان، إلا أنها كانت ذات تأثير حاسم في القرارات السياسية خلال العقود الثلاثة التي حكم فيها صالح اليمن. وينتمي إليها الزعيم عبدالله السلال، وكذلك صالح والفريق علي محسن الأحمر (نائب الرئيس هادي حاليًا)، وهما من قرية واحدة هي بيت الأحمر، وقد تباعدت مواقفهما بشكل كبير بعد تأييد محسن للثورة ضد صالح في عام 2011. ومع ذلك، فإن مؤيدي صالح داخل سنحان يفوقون معارضيه. وقد شهدت قبائل محيط صنعاء عمومًا خلال العقود الثلاثة الماضية تنافسًا محمومًا بين معسكري صالح ومحسن لكسب الولاءات، حتى عندما كانا يمثلان جناحين لنظام واحد. وينطبق هذا الوضع على مديريتي بني بهلول وبلاد الروس جنوب العاصمة، حيث الغالبية التقليدية لحزب المؤتمر مع حضور محدود لحزب الإصلاح.
- قبائل خولان الطِيال: تعد من أكبر التجمعات القبلية المجاورة للعاصمة، ويمتد نفوذها من الضواحي الشرقية لصنعاء حتى حدود منطقة صرواح التابعة لمحافظة مأرب. وتنقسم إلى سبعة بطون وعدة مديريات. وقد اعتاد حزب المؤتمر على الفوز بالدوائر الانتخابية في هذه المديريات، رغم الحضور القوي لحزب الإصلاح المنافس. وينتمي إلى خولان رئيس حزب الإصلاح، محمد اليدومي، وكذلك آل دويد، أصهار صالح وأبرز قيادات حزبه، بالإضافة إلى محافظ صنعاء في حكومة الشرعية، عبدالقوي شُريف. وقد توقع بعض المراقبين اصطفاف قبائل خولان خلف الحوثيين بعد حادثة صالة العزاء الخاصة بآل الرويشان، وهم من أبرز أعيان المنطقة، وكان العديد من ضحايا الحادثة من أبناء خولان. إلا أن هذه القبائل فضلت التعامل بحذر، خاصة بعد اعتراف التحالف العربي بأن الضربة كانت نتيجة معلومات خاطئة.
- قبائل بني مطر: تقع غرب العاصمة، وقد برز منها المناضل السبتمبري أحمد علي المطري. تاريخيًا، كان ولاؤها التقليدي لحزبي المؤتمر والإصلاح. وكانت بني مطر وما وراءها من الحيمتين وحراز مناطق ازدهار لحركة المطرفية التي قمعها الإمام عبدالله بن حمزة.
- قبائل بني حشيش: تستوطن شرق العاصمة، وتعد المنطقة التي يتمتع فيها الحوثيون بنفوذ أكبر مقارنة ببقية مناطق طوق العاصمة. وقد شهدت هذه المنطقة الحرب الوحيدة التي خاضها الحرس الجمهوري ضد الحوثيين خلال الحروب الست. وتشير مصادر صادرة عن السفارة الإيرانية في صنعاء إلى وجود عائلات في بعض مناطق بني حشيش تعود أصولها إلى الفرس الذين قدموا إلى اليمن بطلب من الملك الحميري سيف بن ذي يزن، ويعرفون بـ “الأبناء”، وتوجد فيها قرى تحمل أسماء ذات دلالة على ذلك، مثل قرية الفُرس وقرية الأبناء. وتكمن أهمية بني حشيش في كونها المحطة التالية بعد محطة نِهم التي كانت تحت سيطرة قوات الشرعية وسقطت بشكل مفاجئ.
- الهاشميون: تتوزع الأسر الهاشمية، التي أظهرت غالبيتها ولاءً للحوثي بمختلف انتماءاتها، على مناطق هذه القبائل. ويعد هاشميو طوق صنعاء المحرك التنظيمي والسياسي لأتباعهم في هذه المناطق.
وجدير بالذكر أنه منذ اقتحام الحوثيين للعاصمة صنعاء في خريف عام 2014، برزت ظاهرة اختلاط الولاءات لدى العديد من القبائل الموالية لحزب المؤتمر، حيث باتت ترفع شعار الحوثيين وتردد “الصرخة” الخاصة بهم ضمن تحالف الطرفين للإطاحة بسلطة هادي. وعند تحليل هذه الظاهرة، يتضح أن نسبة كبيرة من هؤلاء أيدوا الحوثي ضمن تكتيك مؤتمري على هامش التحالف بين الطرفين بهدف التخلص من الجماعة الحوثية بعد الاستفادة منها. في حين أن نسبة أخرى من مؤتمريي قبائل الطوق هم في الأساس حوثيون، وإن كانوا حزبيًا ينتمون إلى حزب المؤتمر. ولكنهم، على سبيل المثال، عند افتراق الطرفين، سينضمون إلى الحوثي وليس إلى الحزب، وهو ما حدث أثناء انتفاضة 2 ديسمبر 2017 التي أشعلها حزب المؤتمر. بينما احتفظ طرف ثالث، يمثل نسبة ليست قليلة، بانتمائه الحزبي للمؤتمر ورفض في الوقت ذاته التحالف مع الحوثيين. وينقسم هذا النوع إلى ثلاثة أقسام: الأول التحق بالشرعية وانتقل إلى مأرب، والآخر التحق بالمقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح في الساحل الغربي، أما القسم الثالث فقد فضل الصمت والبقاء في المنازل.
محددات المواقف القبلية:
لا يمثل الولاء الحزبي أو الأسري العامل الوحيد في تحديد مواقف هذه القبائل المحيطة بالعاصمة صنعاء، بل توجد عوامل أخرى لا تقل أهمية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية: - منطق المصلحة: تتمتع قبائل محيط صنعاء بعقلية براغماتية في التعامل مع المستجدات السياسية، وغالبًا ما تتأخر في حسم مواقفها حتى يترجح الطرف الذي تكمن المصلحة في الوقوف معه.
- منطق الغلبة: يسود هذا النوع من التعامل بعد حسم المعركة لصالح طرف على آخر، حيث ينحاز جزء كبير من هذه القبائل إلى الطرف المنتصر. لذا، نجدها في الظروف الطبيعية تميل إلى دعم الحزب الحاكم أيًا كان.
- منطق النكاية: عند تحليل مواقف بعض هذه القبائل، نجدها تقف مع طرف معين للانتقام من طرف آخر، أو للانتقام من خصم قبلي وقف مع الطرف الآخر. وعادة ما ينتهي هذا المنطق بعد تحقيق الهدف المنشود. وقد لعب هذا العامل دورًا كبيرًا أثناء تقدم الحوثيين نحو العاصمة.
- منطق “الجمالة”: تتضامن قبائل هذه المناطق في العديد من المنعطفات مع الطرف الذي يسارع إلى طلب مساعدتها قبل غيره، ويظهر لها تقديره ويعترف بأهميتها ويحرص على التواصل المستمر مع أعيانها.
ومع كل ما سبق، لا يمكن إغفال الدافع الوطني الذي يحضر لدى العديد من أعيان تلك القبائل، والذي يمثل محددًا محوريًا في اتخاذ المواقف وبناء الولاءات، ويتفاوت حضوره من عشيرة إلى أخرى ومن وقت إلى آخر.
كل ما سبق يتعلق بالقبائل التي تقع على خط التماس المباشر مع العاصمة، ولا ينفي ذلك الدور الهام الذي تلعبه قبائل النسق الثاني، والتي من أمثلتها قبيلة حاشد عمران شمالًا، وقبائل برط الجوف في الشمال الشرقي، وقبائل الحيمتين في الغرب، والحدأ وعنس وآنس في ذمار جنوب صنعاء.