تُعد قبيلة القرني (بلقرن) إحدى أشهر القبائل العربية العريقة التي تنحدر من قبائل الأزد الكهلانية، والتي هاجرت من مأرب في اليمن إلى جبال السراة وتهامة جنوب غرب المملكة العربية السعودية، حاملةً معها إرثاً حضارياً وثقافياً مازال حياً في الأسماء والأماكن والعادات.
أصل قبيلة القرني: من مأرب إلى سراة الحجاز
تعود جذور القبيلة إلى قَرن بن كعب بن الحارث، المنحدر من الأزد بن غوث بن نبت بن مالك بن كهلان بن سبأ، مما يجعلها جزءاً من القبائل اليمانية التي هاجرت بعد انهيار سد مأرب. استقرت القبيلة في منطقة تُعرف اليوم باسم محافظة بلقرن، والتي سميت تيمناً بها، وتجاورها قبائل شهران واكلب وبارق.
شجرة النسب: إرث يمتد إلى النبي هود عليه السلام
تتصل شجرة نسب القرني بـ:
قَرن بن كعب → الحارث → كعب → عبد الله → مالك → نصر → الأزد → غوث → نبت → مالك → زيد → كهلان → سبأ → يشجب → يعرب → قحطان → عابر (النبي هود) → سام → نوح عليه السلام.
تنقسم القبيلة إلى جذمين رئيسيين:
- بني عبدل (العبادلة): وينتسبون إلى عبدل بن ربيعة بن مالك بن كعب.
- بني جنادة: وينتسبون إلى جنادة بن مالك بن كعب.
أقسام قبيلة القرني: تنوع يعكس الثراء التنظيمي
1. بني عبدل (العبادلة)
تنقسم إلى ثلاث قبائل رئيسية:
- بني رزق: أكبر فروع العبادلة، وتتوزع في السراة وتهامة، وتنقسم إلى:
- الحميدين (الأعلى والأسفل).
- العرض.
- النبيعة.
- بني بحير (الوهوب والعبادلة).
- بني سهيم: تسكن العرضية الشمالية وتضم 70 قرية، مثل قرى آل دجرة وآل عباس.
- آل مشيب: تستقر في السراة.
2. بني جنادة
تشمل أربع قبائل:
- دحيم: في السراة.
- آل سليمان: في السراة وتهامة.
- بلحارث: في تهامة.
- عمارة: في تهامة.
ديار القبيلة: من السراة إلى تهامة
تتركز مساكن القرني في:
- السراة: تشمل قمم جبال بلقرن الممتدة شمالاً حتى شمران، وجنوباً حتى بني عمرو.
- تهامة: تمتد من بارق غرباً إلى بيشة شرقاً، وتشتهر بمدينة سبت العلايا ذات السوق الشعبي التاريخي.
- العرضيات: مناطق زراعية خصبة تُلقب بـ”أرض الزيتون”.
عادات وتقاليد: ألعاب تُجسّد روح التحدي
تحتفظ القبيلة بتراث فريد من الألعاب الشعبية، مثل:
- القميزا: لعبة جماعية تعتمد على إخفاء أكوام الرمل واكتشافها.
- المعيل: تُلعب ليلاً بفرق تختبئ وتتحرك حول دائرة مرسومة.
- الرن: تستخدم فيها كرة وحجارة، وتعتمد على السرعة والدقة.
- المقطار والمقامزة: ألعاب تعكس مهارات القتال والتخطيط.
الهجرة والتواجد: من اليمن إلى شمال أفريقيا
لم تقتصر هجرة القرني على السراة وتهامة، بل امتدت إلى:
- اليمن: لا تزال بقايا القبيلة في وادي القرن وجبل القرن.
- عُمان والعراق والأردن: هاجر أفرادها خلال فترات الاضطرابات.
- شمال أفريقيا: انتشرت فروع منها في مصر وليبيا وتونس والمغرب.
أصل قبيلة القرني في السياق الحضاري
ساهمت القبيلة في تعزيز النسيج الاجتماعي لمنطقة عسير، حيث تُعد محافظة بلقرن بوابة شمالية لها. كما لعبت دوراً في الحفاظ على الهوية العربية عبر التمسك بلغة الضاد والعادات الأصيلة، رغم التأثيرات الثقافية المحيطة.
خاتمة: قبيلة كتبت تاريخاً بين الجبال والوديان
ليست بلقرن مجرد قبيلة، بل هي حكاية صمود ثقافي وجغرافي. من هجرتها التاريخية من اليمن إلى تفاعلها مع تحديات العصر الحديث، تظل هذه القبيلة رمزاً للانتماء العربي الأصيل، وشاهداً على قدرة الإنسان على صياغة هويته رغم تقلبات الزمن.
