تدمير ميناء رأس عيسى النفطي: ضربة استراتيجية تُعيد رسم خريطة الصراع في اليمن

أعاد القصف الأمريكي المُوجَّه لميناء رأس عيسى النفطي في محافظة الحديدة اليمنية، الخميس الماضي، تسليطَ الأضواء على البُعد الجيوسياسي لهذا المرفأ الحيوي، الذي يُعتبر شرياناً اقتصادياً حيوياً لليمن منذ عقود. وجاء تدمير الميناء -الواقع تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)- ضمن الحملة العسكرية الأمريكية المُكثَّفة لقطع إمدادات التموين عن الجماعة، وفق تصريحات عسكرية أمريكية.
ميناء رأس عيسى: شريان النفط اليمني منذ أربعة عقود
يُعد الميناء، الذي أُنشئ في ثمانينيات القرن الماضي، أحد الركائز الاستراتيجية لتصدير النفط الخام اليمني، حيث يربط بين حقول مأرب النفطية (شمال شرق) والبحر الأحمر عبر خط أنابيب يمتد لمسافات طويلة. وبفضل طاقته التخزينية الضخمة التي تصل إلى 3 ملايين برميل، ووجود 34 خزاناً متفاوت الأحجام، ظل الميناء بمثابة بوابة اليمن الرئيسية لتصدير الثروة النفطية، قبل أن يبدأ الحوثيون في توسيع طاقته التخزينية خلال السنوات الأخيرة.
ولم يكن الميناء مجرد منصة تصدير، بل ارتبط اسمه بـ”ناقلة صافر” العائمة، التي ظلت لسنوات مُحملة بأكثر من مليون برميل من النفط، ما أثار مخاوف دولية من كارثة بيئية بسبب تآكلها، قبل أن تتدخل الأمم المتحدة عام 2024 لتفريغها بنجاح.
تداعيات التدمير: خسائر اقتصادية واتهامات متبادلة
وصف السفير اليمني لدى “اليونسكو”، محمد جميح، تدمير الميناء بأنه “ضربةٌ لا تُعوَّض للاقتصاد الوطني”، مُحمِّلاً الحوثيين مسؤولية تحويله إلى “منصة لتهريب الوقود الإيراني” لدعم حروبهم. وأكّد في حديث خاص لـ”عربي21″ أن الميناء كان إحدى الإنجازات الاستراتيجية لليمن في عصر الازدهار النفطي، مشيراً إلى أن تدميره يُعيد البلاد عقوداً إلى الوراء.
من جانبها، رفعت الجماعة الحوثية حصيلة ضحايا الغارات الأمريكية على الميناء إلى 80 قتيلاً و150 جريحاً، في تصعيدٍ يُعدّ الأعنف منذ انطلاق الحملة الجوية الأمريكية قبل شهر.
خلفية الأزمة: صراعٌ دولي على ممرات الطاقة
يأتي تدمير الميناء في سياق تصاعد المواجهات الدولية حول اليمن، لا سيما بعد تهديدات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بـ”القضاء التام” على الحوثيين، ما يُثير تساؤلاتٍ عن تداعيات هذا التحرك على استقرار المنطقة، وخصوصاً مع سيطرة الحوثيين على مناطق حيوية تشمل العاصمة صنعاء والموانئ الرئيسية على البحر الأحمر.
تُرى التحليلات أن ضرب ميناء رأس عيسى ليس مجرد ضربة عسكرية، بل رسالةٌ لقطع أحد أهم مصادر تمويل الحوثيين، في حين تُحذِّر تقارير أممية من تفاقم الأزمة الإنسانية في بلدٍ يُعاني أصلاً من أسوأ كارثة إنسانية في العالم.