مقدمة: قبيلة همدان.. عراقة التاريخ وامتداد الحضارة
تُعد قبيلة همدان واحدة من أعرق القبائل اليمنية وأكبرها نفوذاً وتأثيراً عبر التاريخ، حيث شكلت حاضنة رئيسية للعديد من القبائل والعشائر اليمنية العريقة، وعلى رأسها قبيلتا حاشد وبكيل، اللتان تُعتبران من أكبر الفروع القبلية في شمال اليمن. وتنسب همدان إلى همدان بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، مما يجعلها من أصول قحطانية عريقة تضرب بجذورها في عمق التاريخ اليمني.
النسب والتاريخ: همدان في سطور الزمن
تنحدر قبيلة همدان من قحطان، وتُعد من “جماجم العرب”، أي من القبائل الكبرى التي شكلت نواة المجتمع العربي قديماً. وقد لعبت دوراً محورياً في الأحداث التاريخية اليمنية، حيث برز منها ملوك وقادة وعلماء وشعراء، كما كان لأبنائها دور بارز في الفتوحات الإسلامية، حيث انطلقوا حاملين راية الإسلام في عصور مختلفة.
الامتداد الجغرافي لقبيلة همدان
تمتد مناطق نفوذ قبيلة همدان من صنعاء حتى أقصى شمال اليمن، لتشمل مساحات شاسعة من محافظات:
- صنعاء (العاصمة التاريخية لليمن)
- عمران
- صعدة
- الجوف
- حجة
وتحدها من الغرب والشمال الغربي قبائل حمير وقضاعة، بينما تجاورها من الجنوب والشرق والشمال الشرقي قبائل مذحج، مما جعلها في موقع استراتيجي مؤثر في الصراعات والتحالفات القبلية عبر العصور.
حاشد وبكيل: الجناحان القويان لقبيلة همدان
تُعتبر حاشد وبكيل أبرز فروع قبيلة همدان، حيث شكلتا على مر التاريخ قوة سياسية وعسكرية ضاربة في اليمن. ومن أبرز خصائصهما:
- قبيلة حاشد: تُعد من أكثر القبائل نفوذاً في اليمن، وبرز منها زعماء وقادة سياسيين وعسكريين كبار.
- قبيلة بكيل: تتمتع بقوة عسكرية وبنيوية كبيرة، وكانت دوماً رقماً صعباً في المعادلة السياسية اليمنية.
الدور التاريخي والسياسي لقبيلة همدان
لعبت قبيلة همدان أدواراً محورية في تاريخ اليمن، منها:
- دورها في العصور القديمة: حيث برز منها ملوك وحكام في دول يمنية قديمة.
- دورها في الفتوحات الإسلامية: حيث شارك أبناؤها في نشر الإسلام في مناطق مختلفة.
- دورها السياسي الحديث: حيث ظلت حاشد وبكيل لاعبين رئيسيين في المشهد السياسي اليمني حتى اليوم.
شخصيات بارزة من قبيلة همدان
برز من هذه القبيلة العريقة العديد من الأعلام في مختلف المجالات، منهم:
- الملوك والأمراء الذين حكموا مناطق في اليمن عبر التاريخ.
- العلماء والمفكرين الذين أسهموا في الحركة العلمية والدينية.
- الشعراء والأدباء الذين أثروا الأدب اليمني والعربي بأشعارهم.
- القادة العسكريين الذين قادوا معارك تاريخية في اليمن وخارجه.
يقول ابن الزبير الأسدي:
- فلو كان من همدان أسماء اظهرت
كتائب من همدان عصر خدودها. - لهم كان ملك الناس من قبل تبع
يقود وما في الناس حي يقودها
وقد اولد همدان بن مالك ” نوف “وفيه العدد والعز و “عمرو” وفيه الشرف والملك وكان همدان يسمى ” تلاد الملك “.
البنية القبلية لقبيلة همدان العريقة
تنقسم قبيلة همدان، إحدى أعرق القبائل اليمنية، إلى فرعين رئيسيين يشكلان العمود الفقري للنظام القبلي في شمال اليمن:
فرع حاشد: القوة السياسية والعسكرية
يتشكل فرع حاشد من عدة بطون رئيسية:
- همدان الصغرى وحاشد: وتضم خارف، عذر، السبيع، العصيمات، وبني صريم
- شبام: وتشمل مناطق شبام وكوكبان والأهجر
- وادعة: الممتدة من وسط حاشد إلى صعدة
- حجور: وتشمل حجور ووشحة وكشر ومناطق أخرى في حجة
- قدم: في محافظة حجة
- الأهنوم: في عمران
فرع بكيل: الامتداد الجغرافي والثقل الديموغرافي
يشمل فرع بكيل البطون التالية:
- أرحب: القبيلة ذات الامتداد الواسع
- قبائل شاكر: وتضم وايلة ودهمة في صعدة والجوف
- همدان بن زيد: في مديرية الصفراء وتشمل آل عمار، آل سالم، والعمالسة
- نهم: وتضم نهم وحريب القراميش وجهم في شرق صنعاء
- ذيبان وسفيان
- مرهبة: وتشمل عيال سريح وعيال يزيد في عمران
الأهمية التاريخية لقبيلة همدان
في العصر الجاهلي والإسلامي
كما ورد في شعر ابن قيس الرقيات:
“يقولون لم تورث ولولا تراثه
لقد شاركت فيه بكيل وأرحب”
في العصر الحميري
كان لنبلاء همدان دور محوري في الدولة الحميرية حيث:
- شكلوا جزءاً من طبقة الأقيال (80 قيلاً) الذين كانوا بمثابة مجلس شورى للملوك
- شاركوا في اختيار الملوك الجدد بعد وفاة الحكام
- مثلوا طبقة النبلاء والوزراء الذين يدعمون سلطة الملك
الجذور التاريخية العميقة
تمتد جذور همدان إلى:
- النصوص السبئية القديمة (القرن العاشر قبل الميلاد)
- عهد الملك وهب نيل يحز الأول (القرن الرابع قبل الميلاد) كأول ملوك السلالة الهمدانية
- النظام السياسي السبئي والحميري حيث كانت لهم مكانة أرستقراطية
الخاتمة: إرث متجذر وحاضر مؤثر
ما زالت قبيلة همدان تحتفظ بموقعها المركزي في التركيبة الاجتماعية والسياسية اليمنية، حيث يشكل فرعاها (حاشد وبكيل) قوة ديموغرافية وسياسية لا يستهان بها في المشهد اليمني المعاصر، مستمدة قوتها من جذورها التاريخية العميقة التي تمتد لأكثر من ثلاثة آلاف عام.
إسلام قبيلة همدان: نقطة تحول في التاريخ الإسلامي
أسلمت قبيلة همدان العريقة في السنة السادسة للهجرة، لتصبح واحدة من أهم القبائل العربية التي أسهمت في نشر الإسلام. وقد تميز أبناء همدان بحماسهم للجهاد، حيث انطلقت بطونهم كاملة في الفتوحات الإسلامية نحو الشام والعراق، واستقرت العديد من عشائرهم هناك، مما أسهم في تعريب هذه المناطق ونشر الإسلام فيها.
خصال فريدة تميزت بها همدان
ذكر المؤرخون أن همدان تمتعت بأربع خصال لم تُوجد في غيرها من القبائل العربية:
- قتل الجبان: حيث كانوا يقتلون جبانهم في المعارك، كما في قصة يام بن أصبي.
- تفضيل الخيل: كان المنذر بن الزهر الوادعي أول من فضل الخيل، فجعل للفرس سهمين وللبرذون سهماً.
- قرع الخيل: هم أول من استخدم تقنية قرع الخيل في الحروب.
- الوفاء بـ”عسى”: كان مالك بن حريم الدالاني يفي بـ”عسى” كما يفي بـ”نعم”، مما يدل على شدة وفائهم.
أعلام همدان عبر التاريخ
في العصر الجاهلي والإسلامي
- ذو بتع الناعطي: كان من خاصة النبي سليمان عليه السلام، وارتبط اسمه بقصة بلقيس ملكة سبأ.
- أبو دويلة الشبامي: ملك تغلب الذي ثأر له ابنه بقوة، قائلاً:
*”إذا أنا لم أثأر بشيخي منهم ** فمن ذا الذي يرجو شبام له بعدي”* - ذو المشعار: من ملوك ناعط الذين تركوا قصوراً وحصوناً أثرية.
- الصنم “يعوق”: كان معبوداً لهمدان في خيوان، حيث يوجد أيضاً قبر الجدين حاشد وبكيل.
الدول التي أسسها أبناء همدان
- الدولة اليعفرية (القرن 3-4 هـ): ومن أبرز ملوكها أبو حسان أسعد بن يعفر الحوالي، الذي قضى على القرامطة.
- دولة بني حاتم (533 هـ): أسسها الأمير حاتم بن عمران بن المفضل اليامي.
- دور آل الدعام وآل الضحاك الحاشدي: الذين لعبوا أدواراً محورية في أحداث اليمن خلال القرنين الثالث والرابع الهجري.
همدان في الفتوحات الإسلامية
برز أبناء همدان كقادة عسكريين في معارك صفين والجمل والنهروان، وأثنى عليهم الإمام علي بن أبي طالب في قصيدة شهيرة:
*”وناديت فيهم دعوة فأجابني ** فوارس من همدان غير لئام”*
*”فوارس ليسوا في العجاج بمعزل ** غداة الوغى من شاكر وشبام”*
*”جزاء الله همدان الجنان فإنهم ** إذا ناب أمر عدتي وسهامي”*
ومن أبرز قادتهم:
- سعيد بن قيس الهمداني: أحد دهاة العرب الخمسة، وكان صاحب أمر همدان في العراق.
- يزيد بن قيس الأرحبي: أحد أبرز وجوه اليمانية في الشام.
- قيس بن أبي ثمامة الأرحبي: الملقب بأبي المنتصر، المشهور بكرمه وحماية الجيران.
وفد همدان إلى النبي ﷺ
قدم وفد همدان إلى النبي ﷺ بعد غزوة تبوك، وعددهم 120 رجلاً، يرتدون العمائم العدنية، وكانوا يرتجزون:
*”همدان قومي سادة وأقيال ** ليس لهم في العالمين أمثال”*
*”محلها الخصب ومنها الأبطال ** لها عطايا جمة وآكال”*
فقال رسول الله ﷺ: “يا حبذا همدان، ما أسرعها إلى النصر، وأصبرها على الجهد، وأقومها على العهد”.
علماء وأدباء همدان
برز من همدان العديد من العلماء والأدباء، منهم:
- الحسن الهمداني: مؤرخ اليمن الكبير، وصاحب المؤلفات المرجعية في تاريخ اليمن القديم.
- عامر الشعبي: أحد أعلام العلم في الإسلام، الذي أدرك 500 صحابي.
- مالك بن حريم الدلاني: شاعر همدان وفارسها.
- أبو رهم بن مطعم: الذي هاجر إلى الرسول ﷺ وعمره 150 سنة، وأنشد بين يديه:
*”إليك طويت الأرض التمس الهدى ** وفارق بطن الأرض نشقاً وأرحبا”*
خاتمة: إرث لا يندثر
ظلت همدان عبر القرون قلعة من قلاع العروبة والإسلام، تخرّج منها القادة والعلماء والشعراء، الذين سطروا أسماءهم في صفحات التاريخ الذهبية. وما زال أبناؤها حتى اليوم يحملون نفس الروح التي جعلت منهم أحد أعظم القبائل العربية تأثيراً في مسيرة الحضارة الإسلامية.
ولا تزال قبيلة همدان تحتفظ بمكانتها المرموقة في اليمن، حيث يمتد تأثيرها السياسي والاجتماعي حتى اليوم. إنها ليست مجرد قبيلة عريقة، بل مدرسة تاريخية تخرج منها رجال صنعوا أحداثاً كبرى في اليمن والمنطقة. وما زال إرثها حياً في نضال أبنائها وإسهاماتهم في مختلف المجالات، مما يجعلها رمزاً للعراقة والقوة في اليمن عبر العصور.
المراجع والمصادر:
- الاكليل ج8 للمؤرخ الكبير الحسن بن احمد الهمداني.
-مفاخر همدان- مؤلف مجهول. - تاريخ صنعاء الاسلامي مخطوط للكاتب.
- تاريخ صعدة ج1-للكاتب.
- تاريخ بن خلدون ج 2.
