أفخاذ النفعة إحدى قبائل عتيبة التي كتبت تاريخها بالسيوف والهجرات
في قلب صحراء الحجاز، حيث تختبر القبائل قوتها بين سيوف الأعداء وضراوة الطبيعة، نهضت أفخاذ النفعة من عتيبة هوازن كأسطورة حية. لم تكن مجرد فروع قبلية، بل إمبراطورية من الدم والعز دافعت عن حِماها شرق الطائف، ثم امتدت هجراتها من ضبّاء شمالاً إلى وادي النيل شرقاً، ومن صحراء سيناء إلى فلسطين، حاملةً معها اسم “النفيعات” كلقبٍ يتردد في مصر والشام. هذه القبيلة التي حفظت وثيقة مؤرخة عام ٩٩٥ هـ – بختم الشريف الحسن بن أبي نمي – نسبها إلى صرار ومجنون ابني صالح بن نافع من هوازن، ستجبرك على إعادة قراءة تاريخ الجزيرة العربية. استمع لقصيدة فارسهم “صويلح بن مسيفر الزايدي” وهو يهتف:
“يا الله يا اللي ترزق الوحش في الخلا … وعند العناية طار بالجنحان”
فهي ليست كلمات شاعر فقط، بل روح قبيلة صنعت مجدها بين معارك دامية وهجرات تاريخية.
النفعة وش يرجعون
قبل الغوص في تفاصيل أفخاذ النفعة، يجب حل اللغز الأكبر: من أين جاءت هذه القبيلة؟ الروايتان المتصارعتان تكشفان صراعاً هوياتياً:
- وثيقة الشريف الحسن بن أبي نمي (٩٩٥ هـ):
تؤكد انتسابهم إلى صرار ومجنون من بني نافع من هوازن، مسندةً نسبهم ١٤ جيلاً إلى الوراء. يقول المؤرخ تركي القداح: “هذه الوثيقة معروفة في الحجاز.. والنفعة والمقطة يدٌ على من سواهما من برقا”. - صراع دموي مع الحمدة (1081 هـ):
يروي الشريف محمد بن هاشم في “سمط النجوم” حادثةً مفصلية: “قتل رجل من النفعة يُدعى عمير أبو شويمة اثنين من قبيلة الحمدة (ثقيف)، فاشتعلت حربٌ سحقت فيها ثقيف النفعة عند عباسة بالخداع والكمائن”. هذا الحدث ليس مجرد معركة، بل دليل على أن النفعة كانت قوة مُرهبة شرق الطائف منذ القرن 11 الهجري.
11 بطناً تحت راية واحدة: شجرة النفعة
تنقسم قبيلة النفعة إلى 11 بطناً رئيسياً، يشكل كل منها عالماً قائماً بذاته:
1. المساعيد: حراس الشرق وقادة المعارك
“لما بلغهم وصول القوم إلى ليّة، تهيأوا للقتال” (ابن هاشم).
ينقسمون إلى فرعين:
- ذوي كاسب: الرفادين (شيوخ المساعيد)، الصفيان، السياحين، الجباهات.
- الدغمة: العظامية، الهدفان، المساقية، الملافية.
ويسكنون اليوم البجادية (نجد) وشرق الطائف.
2. النخّشة: أصحاب الأرض والكرامة
ينقسمون إلى:
- ذوي سنان: الخماسين، الهواجدة، الغطاشين (أهل القرى الزراعية).
- السكارين: الحشافين، الحقاوين، ذوي مخضار (فرسان الكمائن).
3. ذوو مفرّج: بيت المشيخة العليا
فيهم شيخة شمل النفعة (ابن حجنة). أشهر فخوذ المفاريج من النفعة:
- الطلّسة: الحِجَّن (بيت المشيخة)، الدراعين، القرامين.
- المراغات: الحواما، الغواصب، الهوالمة.
انتشروا بين نجد والحجاز.
4. ذوو زياد (الزوّد): شعراء القبيلة وحكماؤها
“مدرى عملها عند مالك يعذّبه … والا السعادة توصله رضوان” (صويلح الزايدي).
ينقسمون إلى:
- القطافين: الرقبات (شيوخ الزوّد)، العييفات، البساسين.
- ذوو حمد: السبعة، ذوو عمران، الفقهاء.
- ذوو صبحي: الشويمات، المهيات.
5. المحايا: أبناء الصحراء الأصليون
تتفرع إلى: المراجلة (فيهم المشيخة)، البيضان، المقاذلة، الضوالعة. سكنوا الأصدار بين بني عمر وثمالة.
6. البسايس: حراس التخوم
أبرز أفخاذهم: الكرانيف (شيوخ البسايس)، الجلاة، العكابرة، الجرادين.
7. الفِلَتَة: نسيج مقاوم لا ينكسر
ينقسمون إلى:
- أبناء خميس: الدواهش، الودايين، السلاطين.
- أبناء روضان: الزعب، الرواجح، الوركان.
8. بنو زايد (الزوّد): بين الحجاز ووادي النيل
“ولولا الشدايد ما نبا صحبة العرب … ولولا الشدايد ما نبا صدقان” (صويلح الزايدي).
قسمان:
- فرعة بني زايد (سراة بني سعد): الشنقان، اللُّصة، العصمان.
- دبساء خد الحاج: ذوو حمد، المضابية، المخاطمة.
هاجر قسم منهم إلى مصر وفلسطين باسم “النفيعات”.
9. رُبيع: سكان الشفا والمدر
أفخاذهم: السمور، الجرادحة، الجمالين، الثرمان. يسكنون شفا ربيع في سراة بني سعد.
10. السلاقى: حلفاء الدم والتراب
تفرعاتهم: الحزمة، الدواغين، الدعابين، ذوو محسن. قُراهم: النيمة، الخيالة، البركة.
11. العيلة: هروب من العار إلى المجد
قصة هجرتهم ملحمية: “بعد أن كشف الحارثيون ستر امرأة منهم، دعاهم شيخهم سلوم لوليمة، وأمر بقتلهم في فلج الماء!”. أفخاذهم: المعاليم، الحِمَّان، الأحلاف.
الهجرات الكبرى: كيف وصلت النفعة إلى مصر وفلسطين؟
لم تكن هجرات أفخاذ النفعة اختيارية، بل فرضتها الصراعات:
- هجرة القرن التاسع الهجري:
- انتقلت أسر من النفعة إلى حمراء الأسد (المدينة المنورة)، وانضمّوا لقبيلة حرب.
- قاد نويفع النفيعي هجوماً على أمير الحج المصري (1200 هـ)، ولا تزال إمارتهم في حمراء الأسد بيد آل سلامة.
- الانتشار في وادي النيل:
- رحل قسم من النفعة إلى ضبّاء، ثم إلى سيناء، فاستقروا أخيراً في محافظة الشرقية بمصر باسم “النفيعات”.
- الوجود النجدي (1264 هـ):
- بعد انضمامهم لـ “الإخوان” في دولة آل سعود، سكنوا الغطغط، ثم انتقلوا إلى البجادية (أكبر موطن لهم اليوم في نجد).
معالم لا تُنسى: جغرافيا أفخاذ النفعة
أرضهم ليست حدوداً على خريطة، بل دماءٌ سالت لحمايتها:
- الحجاز: أوقح، النير، الخرايق (شرق الطائف).
- نجد: البجادية (مركز إمارتهم)، الغطغط، حَلْبَان.
- السراة: شفا ربيع، السحن، صلاء.
يقول الشريف محمد بن منصور: “النفعة من القبائل التي وطنتها الحكومة السعودية بتقسيم مواردهم”.
شيوخ النفعة
رغم تحول الحياة، تظل مشيخة أفخاذ النفعة سارية:
- المساعيد: الدهينة (الشيخ التاريخي).
- ذوو مفرّج: ابن حجنة (شيخ شمل النفعة).
- الزوّد (ذوو زياد): أبو رقبة.
- المحايا: ابن عور.
- الفِلَتَة: السلطان.
- البسايس: الكرناف.
ويُمثل القبيلة رسمياً في “فوج عتيبة” الشيخ محمد بن زايد النخيش (أمير البجادية).
الختام: قبيلة صنعت من الهزائم انتصاراتٍ خالدة
أفخاذ النفعة ليست سجلاً للأنساب فقط، بل حكاية قبيلة رفضت أن تُدفن تحت رمال التاريخ. من معركة “أبي شويمة” الدامية في القرن 11 الهجري، إلى هجراتها التي وصلت لمصر، إلى دورها في بناء دولة السعودية مع “الإخوان” – كل هذا يُثبت أنها قبيلة عتيبة الحقيقية بدمها وشهامتها.
عندما يُقال إنهم “يد على من سواهم من برقا”، فهذا ليس تفاخراً، بل حقيقة جغرافية وتاريخية. فهل بعد كل هذا المجد، يمكن أن ننسى صرخة الشاعر الزايدي:
“والعزم عند النار والدخان … والحفظ من رب السموات العلا”؟
إنها النفعة.. قبيلة كتبت وجودها بسيوف أجدادها، وسيظل دم هوازن يجري في عروقها من الحجاز إلى النيل.
مواضيع ذات صلة:
