أدعية

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين : دعاء يونس وطوق النجاة

إنّ الكلمات العظيمات: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين” ليست مجرد دعاء عابر، بل هي جوهر التوحيد، وغاية التنزيه، وقمة الاعتراف بالذنب، وتعبير صادق عن الافتقار المطلق لله تعالى. هذا الدعاء المبارك، الذي نطق به نبي الله يونس عليه السلام في أشد الكربات، هو مفتاح الفرج والنجاة لكل مؤمن ومؤمنة في الشدائد والهموم، وقد جعله الله تعالى وعدًا لكل من دعا به بصدق وإخلاص.

دلالات المفردات: عمق المعنى وقوة التأثير

لفهم الأثر العميق لهذا الدعاء، لا بد من تفصيل دلالات كلماته العظيمات:

  • ﴿سُبْحَانَكَ﴾: هذه الكلمة تُشتق من التسبيح، وهو التنزيه الكامل لله تعالى عن كل سوء ونقص، والمتضمن لكل كمال وجلال. فعندما يقول العبد “سبحانك”، فإنه يُقر بأن الله تعالى منزه عن كل عيب، وعن أن يظلم أحدًا، أو يُخطئ، أو يقصر في حق عباده. هذا التنزيه يتضمن إثبات كل كمال لله تعالى، فهو كامل في ذاته، في أسمائه، وفي صفاته، وفي أفعاله.
  • ﴿الظَّالِمِينَ﴾: الظلم لغويًا هو وضع الشيء في غير موضعه المختص به، سواء كان ذلك بنقص أو زيادة، أو بعدول عن وقته أو مكانه. وفي سياق هذا الدعاء، يعني الظلم الذي ارتكبه يونس عليه السلام في حق نفسه. يُقسم الظلم إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
  • الظلم بين الإنسان وبين الله تعالى: وأعظمه وأكبره هو الكفر، والشرك، والنفاق.
  • الظلم بين الإنسان والناس: وهو الاعتداء على حقوق الآخرين وظلمهم بأي شكل من الأشكال.
  • الظلم بين الإنسان ونفسه: وهو الذي يشمل الذنوب والمعاصي التي يرتكبها العبد، فيُضر بها نفسه ويُوردها المهالك، وهو النوع الذي أقرّ به يونس عليه السلام في دعائه.

إنّ اجتماع هذه المفردات في سياق واحد يُشكل صيغة دعائية متكاملة تعبر عن التوحيد الخالص، والتنزيه المطلق لله، والاعتراف الصادق بالذنب، مما يجعلها من أبلغ الوسائل للتضرع إلى الله وطلب المغفرة والنجاة.

قصة يونس عليه السلام: سياق الدعاء ودروسه العظيمة

هذا الدعاء المبارك هو دعاء نبي الله يونس بن متى عليه السلام، الذي أُرسل إلى أهل نينوى في أرض الموصل بالعراق. وقد قصّ لنا القرآن الكريم قصته في عدة مواضع: في سورة يونس، وسورة الصافات، وسورة ن، دلالة على أهميتها وما فيها من حكم وفوائد جليلة لمصالح الدين والدنيا والآخرة.

خروج يونس عليه السلام مغاضبًا:

يذكر المفسرون أن الله تبارك وتعالى أرسل يونس إلى قومه يدعوهم إلى الإيمان به، فرفضوا دعوته وأصروا على كفرهم وعنادهم. فتوعدهم يونس بالعذاب بعد ثلاثة أيام، ثم خرج من بين أظهرهم مغاضبًا لهم، وقبل أن يأمره الله تعالى بالخروج. ظنّ يونس عليه السلام أن الله لن يُعاقبه على هذا الفعل، أو لن يضيّق عليه.

توبة أهل نينوى ورفع العذاب:

عندما أيقن أهل نينوى بقدوم العذاب، وعلموا أن نبيهم لا يكذب، خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم، ورفعوا أيديهم بالتضرع والجأر إلى الله تعالى بقلوب خاشعة وندم صادق. فرفع الله عنهم العذاب، كما قال سبحانه: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس: 98]. هذه الآية تُشير إلى عظم رحمة الله بعباده إذا تابوا وأنابوا بصدق.

ابتلائه عليه السلام في بطن الحوت:

أما يونس عليه السلام، فبعد خروجه، ركب سفينة مع قوم، ولما لججت بهم السفينة (أي اضطربت واشتدت أمواجها) وخافوا الغرق، اقترعوا على رجل يُلقونه من بينهم ليُخففوا حمولتها. فوقعت القرعة على يونس، فأبوا أن يُلقوه لمكانته، ثم أعادوها ثلاث مرات وفي كل مرة تقع القرعة عليه. قال تعالى: ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ [الصافات: 141]. فألقى يونس بنفسه في البحر، فأرسل الله تعالى حوتًا عظيمًا من البحر فالتقمه. وقد أوحى الله للحوت ألاّ يأكله، بل يبتلعه ليكون بطنه له سجنًا، واختبارًا لإيمانه.

الدعاء في الظلمات الثلاث:

فلما صار يونس عليه السلام في بطن الحوت، ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾. قال ابن مسعود رضي الله عنه: “ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل”. في تلك الظلمات الحالكة، استغاث يونس بربه السميع العليم الذي لا تخفى عليه خافية في السماء والأرض، مهما دقت وخفت. وفي تلك اللحظة الحرجة، نطق بالكلمات التي أصبحت طوق نجاة لكل مؤمن: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين“. فأنجاه الله تعالى، كما هي سنته مع الموحدين المخلصين الداعين.

مكونات الدعاء وأركانه الأساسية

تضمن هذا الدعاء من كمال التوحيد والعبودية ثلاثة مطالب عظيمة، تُشكل جوهر هذا الدعاء وقوته:

  1. إثبات كمال الألوهية واختصاصها بالله عز وجل: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ﴾. هذه الكلمة هي أساس التوحيد، وهي الشهادة التي يدخل بها المرء في الإسلام. إنها إقرار بأنه لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له، وهو المتفرد بالخلق والرزق والتدبير. هذا الجزء من الدعاء يتضمن توحيد الألوهية والربوبية معًا.
  2. إثبات كمال التنزيه لله تعالى عن كل نقص وعيب وسوء، المتضمن لكماله تعالى من كل الوجوه: ﴿سُبْحَانَكَ﴾. في هذه الكلمة، يُنزه يونس عليه السلام ربه عن أن يكون قد ظلمه، أو أن ما أصابه كان نتيجة نقص في قدرة الله أو عدله. بل إن الله كامل من كل الوجوه، ولا يُنسب إليه سوء، وما أصابه هو نتيجة لتقصيره هو. هذا الجزء يتضمن توحيد الأسماء والصفات، حيث يُقر العبد بصفات الكمال لله تعالى.
  3. الاعتراف بالذنب والخطأ المتضمن لطلب المغفرة، المستلزم لكمال العبادة من الخضوع والذل لله تعالى: ﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. هنا يُقر يونس عليه السلام بذنبه وتقصيره، وأنه هو الذي ظلم نفسه بخروجه مغاضبًا قبل الإذن الإلهي. هذا الاعتراف بالذنب هو جوهر التوبة الصادقة، ويُظهر مدى خشوع العبد وتذلله أمام ربه، مما يجعله مستحقًا لرحمة الله ومغفرته.

أنواع التوحيد في الدعاء:

يُعدّ هذا الدعاء المبارك جامعًا لأنواع التوحيد الثلاثة:

  • توحيد الألوهية المتضمن لتوحيد الربوبية في قوله تعالى: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ﴾.
  • توحيد الأسماء والصفات في قوله: ﴿سُبْحَانَكَ﴾. فهذه أنواع التوحيد التي عليها الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة.

صدق العبودية وأسباب الإجابة

تضمّن هذا الدعاء الجليل صدق العبودية لله تعالى ربّ العالمين من كل الوجوه. فالألفاظ المستخدمة فيه تُبرز مدى التذلل والافتقار، وتجمع بين التوحيد والتنزيه واعتراف العبد بظلمه وذنبه، وهذا من أبلغ أدوية الكرب والهمّ والغمّ، وأبلغ الوسائل إلى الله سبحانه وتعالى في قضاء الحوائج.

أربع وسائل عظيمة في الدعاء:

يُمكن تلخيص الوسائل التي توسل بها يونس عليه السلام في هذا الدعاء بأربعة أمور:

  1. التوحيد: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ﴾.
  2. التنزيه: ﴿سُبْحَانَكَ﴾.
  3. العبودية: المتضمنة في الإقرار بالفقر والعجز.
  4. الاعتراف بالذنب: ﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.

وكأنّ لسان حال يونس عليه السلام يقول: “أي يا ربّ، أنت الواحد المنفرد بالألوهية، المنزّه عن كل نقص وعيب، ومن ذلك أن ما وقع لي ليس بظلم منك، فأنت الكامل في أسمائك وصفاتك، المنزّه عن كل سوء. فإني ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي بتعريضي للهلاك”. تضمّن هذا الإقرار طلب الغفران من الله تعالى، والتجاوز عنه، وإنقاذه مما هو فيه من الكرب والشدة، بألطف الكلمات.

دقائق الأدب في الدعاء:

في هذا الدعاء من دقائق الأدب وحسن الطلب ما يوجب استجابته، منها:

  • ذكر ظلمه لنفسه: سلك يونس عليه السلام نفسه مسلك الظالمين لأنفسهم.
  • التعريض بطلب المغفرة لا الطلب الصريح: لم يطلب من الله بصيغة الطلب الصريح أن يغفر له ذنبه، لاستشعاره أنه مسيء ظالم، وهو الذي أدخل الضر على نفسه، وأن الله تعالى لم يظلمه. فتضمّن الطلب على ألطف وجه. وكأنه يقول: “إن تعذبني فبعدلك، وإن تغفر لي فبرحمتك”. هذا يُعطي الدعاء قوة كبيرة، لأنه ينبع من قلب منكسر مُقرّ بالذنب، واثق برحمة ربه.

استجابة الدعاء والوعد الإلهي للمؤمنين

قال تعالى: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ [الأنبياء: 88]. هذه الاستجابة العظيمة جاءت سريعة جدًا، فـ”الفاء” هنا تفيد التعقيب دون مهلة. وتشير الألف والسين والتاء في “فاستجبنا” إلى المبالغة في الإجابة الواسعة والعظيمة.

ثم جاء الوعد الإلهي العظيم الذي يُطمئن كل مؤمن: ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 88]. يقول جل ثناؤه: “وكما أنجينا يونس من كرب الحبس في بطن الحوت في البحر إذ دعانا، كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا”. هذه البشارة والوعد العظيم لا يتخلف من الله ربّ العالمين لكل مؤمن ومؤمنة إذا وقع في الشدائد والهموم، فدعا ربه القدير بهذه الدعوة العظيمة بصدق وإخلاص أن يُنجيه ويفرج عنه.

بشارة النبي صلى الله عليه وسلم:

جاءت هذه البشارة كذلك عن سيد الأولين والآخرين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ) [رواه الترمذي والنسائي].

وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ أَوْ أُحَدِّثُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا نَزَلَ بِرَجُلٍ مِنْكُمْ كَرْبٌ أَوْ بَلاَءٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا دَعَا بِهِ فَفَرَّجَ عَنْهُ ؟ فقَالُوا: بَلَى، قَالَ: دُعَاءُ ذِي النُّونِ). هذه الأحاديث تُؤكد على فضل هذا الدعاء العظيم وشموليته لكل هم وكرب.

قال ابن القيم رحمه الله: “أما دعوة ذي النون فإن فيها من كمال التوحيد والتنزيه للرب عز وجل، واعتراف العبد بظلمه وذنبه ما هو من أبلغ أدوية الكرب والهمّ والغمّ، وأبلغ الوسائل إلى الله سبحانه وتعالى في قضاء الحوائج”.

المشهد العظيم: تحول الكرب إلى فرج

إن قصة يونس عليه السلام مع هذا الدعاء تُقدم مشهدًا عظيمًا لتحول وسائل التخويف إلى وسائل أنس. فالحوت الملتقم الذي كان يُشكل سجنًا مظلمًا، صار بطنه المكان الآمن بفضل الله. والبحر الهائج المظلم، أصبح ميدان المناجاة ومسرح الأنس. وذلك لأن التوحيد إذا استقر زال كل خطر.

في تلك الظلمات، انكشف ليونس عليه السلام سر الأحدية من خلال نور التوحيد الساطع، حتى سخرت له تلك المناجاة الخالصة الليل والبحر والحوت معًا. بل تحول له بنور التوحيد الخالص بطن الحوت إلى ما يشبه بطن الأم رعاية وعناية، وأصبح ذلك البحر الهائج بالأمواج المتلاطمة محل سكن وسكينة، وانقشعت الغيوم بتلك المناجاة وكشف القمر عن وجهه المنير، فانجلت الظلمة وانزاحت الغمة. وهكذا غدت تلك المخلوقات التي كانت ترعبه من كل صوب وتضيق عليه، تسفر له عن وجه الصداقة، وتتقرب إليه بالود والحنان، حتى خرج إلى شاطئ السلامة وشاهد لطف ربه الرحيم تحت شجرة اليقطين.

هذا المشهد يُبرز كيف أن التوحيد والتنزيه واعتراف العبد بذنبه، يمكن أن يُمسح به سالف الإثم، ويكون سببًا في رفع الغم، وما أحوجنا إلى هذا المعنى في زمن محاولة نشر الظلام ومحاولة الابتلاع والانتقام.

فوائد هذا الدعاء في حياة المسلم

تضمنت هذه الدعوة المباركة جملًا من الفوائد العظيمة التي يمكن للمسلم أن يجنيها من المداومة عليها:

  1. توسعة مفهوم الدعاء: أن الدعاء كما يكون طلبًا صريحًا، يكون كذلك تعريضًا متضمنًا للطلب، مما يُثري أساليب العبد في مناجاة ربه.
  2. جمع آداب الدعاء وأسباب الإجابة: هذه الصيغة جمعت آداب الدعاء وأسباب الإجابة، فيحسن بالعبد أن يكثر منها حال دعائه، وكربه، وغمومه، وشدائده، كما أخبر بذلك الشارع الحكيم.
  3. كمال التوحيد والإيمان: هذه الدعوة فيها من كمال التوحيد، والإيمان بالله تعالى، الذي ينبغي لكل داع أن يضمن هذه المضامين في أدعيته، لأن التوحيد هو أساس كل خير.
  4. التسبيح سبب للنجاة من الكرب: فيه دلالة على أن التسبيح سبب للإنجاء من الكرب والهمّ، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ [الحجر: 97-98].
  5. التوحيد والإقرار بالذنوب من أسباب النجاة: إن التوحيد والإيمان والإقرار بالذنوب من أكبر أسباب النجاة من مهالك الدنيا والآخرة.
  6. الذنوب سبب زوال النعم وحصول النقم: إن الذنوب من أعظم الأسباب الموجبة لزوال النعم وحصول النقم، مما يُحفز العبد على التوبة والاستغفار.
  7. حسن الظن بالله: ينبغي أن يدعو العبد بحسن ظن عظيم في حق ربه تعالى حال دعائه؛ فإن الله تعالى يعامله على حسب ظنه به.
  8. المصائب بسبب تقصير العبد: إن ما يوقع على العبد من المصائب فإن سببها تقصيره في حق ربه تعالى، وهذا يُعزز من مبدأ المحاسبة الذاتية.
  9. التنزيه يتضمن الكمال والتعظيم: صحة اعتقاد أهل السنة والجماعة أن التنزيه يتضمّن الكمال والتعظيم لله ربّ العالمين؛ فإن قوله: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ أي أنزهك عن كلِّ سوء، ومن ذلك ما وقع مني؛ فإنه ليس بظلم منك؛ فإنّك تنزّه عنه، وإنما بسبب جنايتي على نفسي، فدل أن التنزيه يتضمن الثناء والتعظيم من كل الوجوه.
  10. افتفار كل الخلق لله: إن كل الخلق مهما كانت رتبهم ومنزلتهم مفتقرون إلى الله تعالى، فعليهم أن يفرّوا إليه وحده بالدعاء والرجاء والرغبة والرهبة.
  11. الوقاية من وساوس الشيطان: المداومة على الذكر والتسبيح تحمي من وساوس الشيطان وتحفز على فعل الطاعات.
  12. الراحة النفسية والرضا: يمنح هذا الذكر راحة نفسية للقلب والجسد، وشعورًا بالرضا والسعادة، ويزيل الهموم.

دعاء الشدائد: العلاج والنور في زمن الغم

نحن اليوم في غم لا شك، هذه حقيقة لا ينكرها أحد. توالت علينا الغموم والهموم، كل الأحداث من حولنا تُشير إلى واقع الهم والغم. فلنذهب مباشرة إلى ما يُزيل الغم، وذلك عبر قصة ترفع الغصة.

قال الله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: 87-88].

ما أحوجنا إلى هذه المناجاة بصدق! فهي العلاج وفيها الإبهاج، دون أن نخوض هنا وهناك. علينا أن نتهم أنفسنا ونلوم أنفسنا أولًا، فوالله ما أصابنا الذي أصابنا إلا بذنوبنا. إن هذه المناجاة، وهي “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين“، هذه المناجاة وهي مناجاة سيدنا يونس عليه السلام هي من أعظم أنواع المناجاة وأروعها ومن أبلغ الوسائل لاستجابة الدعاء وقبوله.

على الإنسان أن يلجأ إلى الله ولا يفقد الأمل في حل المشكلات والأزمات، كما يجب عليه الدعاء والتقرب إلى الله تعالى. فمن حل عليه كرب أو هم فعليه أن يتوضأ ويحسن الوضوء ويصلي ركعتين، ويظل في ذكر الله إلى أن تنحل كربته. فإذا نزل بك أمر لا تقدر عليه ولا مخرج منه ولا علاج له وصار كالغمة التي تحيط بك أو بك وبمن حولك، فما عليك إلا التسبيح، فهو طوق النجاة. وليكن أمام عينك نبي الله يونس عليه السلام حين استغرق في التسبيح فأنقذه الله ونجاه. قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الصافات: 143-144]. فلنكثر من صيغة التسبيح التي ذكرها وهي ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.

مقارنة بين الاستغفار والصلاة على النبي ودعاء يونس

يطرح البعض سؤالًا حول أيهما أفضل لفك الكرب: الاستغفار أم الصلاة على النبي؟ أو أين يقف دعاء يونس من ذلك؟

أجاب الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أن كليهما ثوابه عظيم، ولكن يجب المواظبة على كليهما معًا، فلا يمكن أن ننّشغل بالاستغفار على طول الخط ونترك الصلاة على النبي والعكس كذلك.

  • الصلاة على النبي: فيها إزالة الهم ورفع الكرب ومغفرة للذنوب.
  • الاستغفار: يمحو الذنوب ويوسع الرزق. وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم دعاء سيد الاستغفار: (اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ).

وأضاف الشيخ ممدوح أن الاستغفار والصلاة على النبي والدعاء وصلاة ركعتين، كل هذا لفك الكرب. فمن أصابه كرب وهم وغم عليه أن يردد بدعاء: «اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت». كما أن هناك الكثير من الأدعية لفك الكرب والهم، وهي «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد».

فوائد كثرة الاستغفار:

يعتبر التسبيح والاستغفار من أفضل أنواع ذكر الله والتقرب منه، ومن العبادات التي يفضلها الله عز وجل، لذلك لهم فوائد وأفضال كثيرة على العبد، ومنها:

  1. فتح أبواب الرزق: عند المداومة والاستمرار على التسبيح والاستغفار، سيفتح الله لك أبواب الرزق، ويرزقك البركة في مالك وأولادك وكل ما تملك.
  2. نيل رضا الله: تنال رضا الله سبحانه وتعالى.
  3. الوقاية من وساوس الشيطان: تحمي من وساوس الشيطان، وتحفظ من فعل المعاصي.
  4. لسان معطر بذكر الله: تجعل لسانك رطبًا ومعطرًا بذكر الله تعالى دائمًا.
  5. التقرب إلى الله: التقرب إلى الله أكثر فيزيل من قلبك الخوف ويبث فيه الراحة والطمأنينة.
  6. الراحة النفسية: الراحة النفسية للقلب والجسد.
  7. الشعور بالرضا والسعادة: الشعور بالرضا والسعادة.
  8. إزالة الهموم: إزالة الهموم والأحزان.
  9. الابتعاد عن المعاصي: الابتعاد عن المعاصي، وحب تأدية العبادات والفوز بجنة الله.

أدعية أخرى لقضاء الحوائج ورفع البلاء

إلى جانب دعاء يونس، هناك أدعية أخرى مباركة لقضاء الحوائج ورفع البلاء:

  • دعاء الشدائد الجامع: “اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وإذا استرحمت به رحمت، اللهم إنا نسألك بأنك أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيث، اللهم اصرف عنا هذا الوباء، اللهم حصنا، وحصن أولادنا، وأهلنا، وأهل الأرض أجمعين، من هذا الوباء، واصرفه عنا، باسمك الأعظم يا أرحم الراحمين“.
  • دعاء لقضاء أصعب الحوائج: “لا إله إلا الله، الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل اثم، اللهم لا تدع لي ذنبًا إلا غفرته، ولا همًا إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين“.
  • دعاء التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم أني أتوجه إليك بعبدك ونبيك ورسولك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتقضي حاجتي يا رسول الله أني أتوجه بك إلى ربي ليشفعك فيّ ويقضي حاجتي“.
  • دعاء شامل لفك الكرب والحزن: “(اللهمَّ إني عبدُك وابنُ عبدِك وابنُ أَمَتِك ناصيتي بيدِك ماضٍ فيَّ حكمُك عَدْلٌ فيَّ قضاؤُك أسألُك بكلِّ اسمٍ هو لك سميتَ به نفسَك أو أنزلتَه في كتابِك أو علَّمتَه أحدًا مِنْ خلقِك أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندَك أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حُزْني وذَهابَ هَمِّي)”.
  • دعاء طلب الغنى والرحمة: “(اللهمَّ مالكَ الملكِ تُؤتي الملكَ مَن تشاءُ ، وتنزعُ الملكَ ممن تشاءُ ، وتُعِزُّ مَن تشاءُ ، وتذِلُّ مَن تشاءُ ، بيدِك الخيرُ إنك على كلِّ شيءٍ قديرٌ . رحمنُ الدنيا والآخرةِ ورحيمُهما ، تعطيهما من تشاءُ ، وتمنعُ منهما من تشاءُ ، ارحمْني رحمةً تُغنيني بها عن رحمةِ مَن سواك)”.

هذه الأدعية، إلى جانب دعاء يونس عليه السلام، تُشكل رصيدًا عظيمًا للمسلم في مواجهة صعوبات الحياة، وتُعزز من إيمانه ويقينه بقدرة الله على تفريج الهموم وقضاء الحوائج.

خاتمة: طوق النجاة في زمن الكرب

إنّ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين هي أكثر من مجرد كلمات؛ إنها دعوة نبي، ومفتاح فرج، ووعد إلهي لا يتخلف. في زمن تتوالى فيه الشدائد والابتلاءات، يصبح هذا الدعاء طوق نجاة لكل نفس مؤمنة. إنه يُذكرنا بأهمية التوحيد الخالص، والتنزيه المطلق لله، والاعتراف الصادق بالذنب، والثقة المطلقة برحمة الله وقدرته.

فلنلجأ إلى الله بقلوب خاشعة، وألسنة ذاكرة، مُستلهمين من قصة يونس عليه السلام الأمل والصبر في أحلك الظروف. ولنُكثر من هذا الدعاء، ومن الاستغفار، ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها جميعًا سبل لرفع الغموم، وقضاء الحوائج، ونيل رضا الله تعالى في الدنيا والآخرة.

ما أجمل أن نكون من المسبحين الذاكرين في كل حين، لعل الله ينجينا من الغم كما أنجى يونس، ويهدينا إلى صراط مستقيم. هل لديك أي استفسارات أخرى حول هذا الدعاء أو غيره من الأذكار؟

مواضيع ذات صلة:

دعاء الاستخارة للزواج دعاء شرب ماء زمزم 
دعاء السفر مكتوب كامل دعاء الاستخارة للخطوبة 
دعاء قضاء الحاجة ما افضل دعاء يوم عرفة 
دعاء الرزق والتوفيق أدعية العمرة دليل شامل للادعية
دعاء للوالدين المتوفيين يوم الجمعة دعاء للوالدين المتوفيين
أدعية مناسك العمرة دعاء التوبة الى الله من الذنب المتكرر
دعاء التوبة من الشهوات دعاء القلق والخوف 
استودعتك الله الذي لاتضيع ودائعهاللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعف عني
حسبي الله ونعم الوكيل اثرها وفائدتهااستغفر الله العظيم واتوب اليه 
دعاء العام الهجري الجديددعاء اول جمعة في السنة الهجرية
دعاء صلاة الحاجةدعاء لبس الثوب الجديد
دعاء شفاء المريض مكتوب قصيردعاء صفر إضاءات 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock