أصل الشرارات : جذور تمتد في أعماق التاريخ العربي

مقدمة: قبيلة نادرة المثال في الصمود والامتداد
في قلب الصحراء الشمالية الغربية للمملكة العربية السعودية، حيث تمتد حرار الحجارة وتتوهج الرمال تحت شمس قاسية، تقف قبيلة الشرارات شامخة كالجبال. ليست مجرد مجموعة بشرية عابرة، بل هي إرث حي ينبض بتاريخ عريق يمتد عبر القرون، يحمل في طياته قصص بطولة، وشجاعة، وارتباط وثيق بأرض الجزيرة العربية. هذه القبيلة، التي شكلت حجرًا أساسيًا في نسيج المجتمع السعودي، لم تكن يومًا على هامش الأحداث، بل كانت دائمًا في قلب المعارك الفاصلة وصناعة التاريخ. فما سر هذه التسمية؟ وكيف حافظت على كيانها رغم تقلبات الزمن؟ الأجوبة تكمن في رحلة نغوص فيها إلى أعماق نسبها، نكشف فروع شجرتها العائلية المترامية، ونروي ملاحم شاركت في تشكيل خريطة المملكة الحديثة.
نسب الشرارات: الصلة الأبدية بقبيلة كلب القضاعية العريقة
تتوارث أجيال الشرارات، جيلاً بعد جيل، حقيقة نسبهم التي تشكل هويتهم وعزهم. فهم ينحدرون من صلب شرار بن سلمان بن هلال بن مكلب، ليرتفع نسبهم صعودًا حتى يصل إلى بنو كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحافي بن قضاعة من حمير القحطانية. هذه السلسلة الذهبية ليست مجرد ادعاء، بل هي حقيقة تاريخية استقر عليها كبار المؤرخين وعلماء الأنساب، وأكدتها أواصر المكان والدم. فمنازل قبيلة كلب القديمة في شمال غرب الجزيرة العربية هي ذاتها المناطق التي استقرت فيها قبيلة الشرارات عبر العصور، دليلاً ماديًا على استمرارية هذا النسب وعراقته.
ولعل شهادات كبار المؤرخين تضع النقاط على الحروف في تأكيد هذا النسب:
- الشيخ حمد الجاسر، علامة الجزيرة، صرح في كتابه “شمال غرب الجزيرة”: “مما لاشك فيه أن قبيلة الشرارات التي تقطن هذا الوادي (وادي السرحان) وتقطن أيضا في الجوف ترجع في أصلها إلى قبيلة بنى كلب القحطانية العريقة في النسب”، مؤكدًا أن الاسترسال في التفاصيل سيطول.
- الأديب محمد سليمان الطيب، في موسوعته الشهيرة للقبائل العربية، ذكر نصًا: “تنسب قبيلة الشرارات إلى بني كلب القضاعية”، دون لبس أو مواربة.
- محمود شاكر، في مؤلفه “شبه جزيرة العرب”، أوضح: “الشرارات ومنازلها في الشمال على الحدود الأردنية في وادى السرحان وإلى الجنوب الغربي منه وترجع في أصولها إلى قبيلة كلب القحطانية العريقة النسب ولا تزال بعض البطون من هذه القبيلة تنتمي إلى بنى كلب”.
هذه الشهادات المتواترة من قامات علمية مرموقة تنسف أي شك حول أصل الشرارات، وتؤسس لشرعية تاريخية راسخة في المشهد القبلي العربي، تجعل من قبيلة الشرارات امتدادًا حيًا ومتجذرًا لإحدى أكبر القبائل العربية وأعرقها.
البنية القبلية: فسيفساء معقدة من البطون والأفخاذ
لا تُفهم قبيلة الشرارات إلا بفهم هيكلها الداخلي المعقد والمتناغم في آن واحد. فهي تشبه الشجرة الضخمة ذات الجذور العميقة والفروع الممتدة، حيث تنقسم إلى أربع بطون رئيسية كبرى، تُعَدّ كل منها بمثابة قبيلة مستقلة بذاتها من حيث الكثرة والنفوذ، تتفرع عنها عشرات الأفخاذ والعشائر التي تشكل نسيج القبيلة الحي. هذه البطون الأربع هي: الحلسة، الضباعين، الفليحان، والعزام. كل بطن يحمل سمات خاصة، ومشيخة مستقلة، وتاريخًا مميزًا ضمن الإطار العام للقبيلة الأم.
بطن الحلسة: عماد القبيلة وقلعتها الحصينة
يُعتبر بطن الحلسة أكبر بطون الشرارات حجماً وأكثرها تأثيراً، حيث ينتسب إليه العديد من رجالات القبيلة الذين لعبوا أدواراً محورية في تاريخها. ولقبهم القديم “الفراعين” يشي بشدة بأسهم وطغيانهم في ميادين القتال، ما جعلهم عمادًا صلبًا للقبيلة. تتركز مشيخة الحلسة في عشيرة الدعاجين المنتمية لفخذ الصبحي. ويندرج تحت هذا البطن الضخم سبعة أفخاذ رئيسية، تفرعت عنها عشرات العشائر:
- فخذ الصبحي: ويضم عشيرة الدعاجين (شيوخ البطن) وتنقسم بدورها إلى: القزعة، الشمسان، النهيتات، القميزة، السبيعي، الجاولي، أبو عصبة، الرويمات، القضعل، عيال حريره.
- عشيرة النواوقة: (النواق) وتشمل: الأصوغ، المناع.
- عشيرة الدابس: وتضم: الغيثة، الشهيلا، العقاقير، الشليل، السمران، الديحان، المتاينة.
- عشيرة العجيلات: (العجيلي) ومنهم: الدوارجة وغيرهم.
- عشيرة الدباس: وتشمل: الشواولة، الطحيرات.
- عشيرة المضاحكة وما يلحق بها.
- عشيرة الهلاكين وما يلحق بها.
- عشيرة الصوالحة: وتشمل: البناء، الصواهيل، الشواحطة، الردينات، النعماء.
هذا التنوع الداخلي داخل الحلسة يعكس قوتها البشرية وثراء تراثها الاجتماعي، جاعلاً إياها الركن الأساسي الذي ترتكز عليه قبيلة الشرارات.
بطن الضباعين: التنظيم والانتشار
يأتي بطن الضباعين كثاني كتلة بشرية ضخمة في قبيلة الشرارات، وتتركز مشيختهم في عشيرة الجريَّد التابعة لفخذ الخميس. ينقسم هذا البطن إلى أربعة أفخاذ رئيسية، تتشعب منها شبكة واسعة من العشائر:
- فخذ الخميس: وفيه عشيرة الجريَّد (شيوخ البطن)، وينقسم إلى:
- عشيرة الفاضل: (الجريد، الحصين، المحمد، العميان، السحيم، البواردي “العطينان”، القميشه، الدبيسه “القنيطير”، السميحان “الموينع”، السعيد).
- عشيرة الحمده: (الدعيجاء، الفريح، العليان “الحوشان”، الظاهرة، المعيوف، الجابر، الضويحي).
- عشيرة السبته: (الضبيعانيين، العرجان، السحوت، الشدفان، المساليت، الفقس والغربان، الهريويل، الجليدان، الحوران).
- عشيرة السليمان: (الرعيلات، الوضيحي، القعيران، الزغاليل، الغيلان، الدغاليب).
- فخذ العويمرات (العميرات): وهم بطن قديم من كلب، وينقسمون إلى:
- عشيرة الحميدان: (السراب – ومنهم: الماضي، قعيدالبيت، الدابي، السوعان، الدويم، الفرحان، المحمد “عيال ذروان”، الناجي، النفيخ، الزايد، الصلابيخ، الجولة، الخضراء، المسيب، السلمان) وكذلك (الفراحين، الطليقه، الصبيحه، النباشا، الدوالا، المحمد، عيال ذيبه).
- عشيرة المحمد: (السند “الظبي”، المطير “الصماصيع”، عيال بليده، السمارين، الرشيدان، الطعمة، الفراسن، الخضير، عيال خرصه، الفلاح، السويدان).
- عشيرة الحمدان: (السمحان، الطميشان، السلاحيب، الصخيف، الخريصان، عيال راعي الربيعة، المصواط، عيال دعقها، عيال سلمى، طنيب الخلا، الظواهره “عيال جديع وعويد”).
- عشيرة الحامد: (اللويفية، الوثال، الحسين، عيال بخيتان “ولد معيرفه”، عيال سعود).
- فخذ العيد: ويتفرع إلى:
- عشيرة اللافي: (الظواهره، الفقاعيص، الصريخات، الضبان).
- الدخيل الله: (الدلاقمه، الغنادير، الشويطر، القعيشيش).
- وكذلك: السعالوه، السميرا، النصيرات، اللغيبان، البلوع، القعيدان، الصالح والزهيمة وما يتبعهم.
- فخذ القرية: ويتشعب إلى:
- عشيرة المقبل: (الشحاتيت، المضيان، الرهيدات، الرويضي، الدعاسين، الخنيعان، الخضارين، الرديسان، العرس، ال مره، الجثيان، الرفيحا، عيال سحب، عيال ثفنه، الفنيص).
- عشيرة الموانعة: (الضبيعان، الشعيفان، العجيان، العبيسان، الصواوية، القريص، الصهيبان، الدعابيس، المغيرات، الوتيد، الدبيش، الزرقاوي، عيال شوشه، السعيدان، السنام، المشالحه، السموع، الكساب، النفوس، المراويق، الهديهد، السموم، الربيع، الدهاثمه، الذرعان، العايد، عيال حويلان).
- عشيرة الثويني: (الوصوص، الجضاعين).
- عشيرة السيف وما يتبعهم.
- عشيرة الرجوع وما يتبعهم.
يشكل التنظيم الدقيق للضباعين وانتشار عشائرهم نموذجًا للتماسك الاجتماعي داخل الإطار القبلي الكبير.
بطن الفليحان: مشيخة شمل القبيلة وعراقة الأصول
يُمثل بطن الفليحان البنية الثالثة الرئيسية في قبيلة الشرارات، ويحمل مكانة فريدة حيث تنحدر منه مشيخة شمل القبيلة بأكملها، المتوارثة في عشيرة اللحاوين المنتمية لفرع الجوابرة. ينقسم الفليحان بدوره إلى بطنين عظيمين هما الجوابرة والسليم:
- بطن الجوابرة: وهم أبناء جابر بن كعب… إلخ، وكانت فيهم بيوت الرئاسة العريقة، ولا تزال مشيخة الشمل فيهم (اللحاوين). أفخاذهم:
- عشيرة اللحاوين: (شيوخ شمل الشرارات).
- عشيرة الخضراء: (الباشا).
- عشيرة الشتيوي: (المعارك، الخرافشة).
- عشيرة المهابيش: (المقرعط).
- عشيرة الزواهرة: (الروسه).
- عشيرة المرشد: (الدغاليب، العبدان، الغونان).
- عشيرة الوجادى.
- عشيرة المفالحه: (وهم من السليم لكنهم في حلف الجوابرة، بطن كبير).
- بطن السليم: كانت مشيختهم في عشيرة الليمون ثم انتقلت إلى عشيرة الدويرج. أفخاذهم:
- عشيرة الدويرج: (الجوادلة، المصنت، المجاولة، المناديف، العزم) – شيوخ السليم.
- عشيرة الليمون: (الفويرات، الصناتان) – كان فيهم المشيخة سابقًا.
- عشيرة الصوالحة: (الطولان، السبوط، البيزان، القريصات، الذنيبات، الطبشان، البليدات، العيازرة، البرِّيد، الهيايفة، الهشايمة) – عشيرة كبيرة.
- عشيرة المفالحة: (كانوا يُلقبون “الحُمام” في كلب لشدة بأسهم، ويعودون لمفلح أخو دليهان وعتيق، ومنهم: السمير، الصلة، العليان، العرمان، الناجي، العدوان، الطريف، الثرياء، المخيمر، الطرفة، الجلابطة، الجدوع، السعدنَّة، المنصور، المساعد، الزقاعيب، السلمان، الديايير، الجدوع).
- عشيرة العتايقة: (نسبة إلى عتيق أخو مفلح، ومنهم: الغنام، المدينة، الضبعة، الغثماء، المحيسن، المغيوق، الخصوم، الموالي، الجبيري، العلياء، الهراذوا، الهياضلة).
- عشيرة الدليهان: (نسبة إلى دليهان أخو مفلح، بطن قديم كبير، ومنهم: المدابيل، الحنيفات، العراقيب، الحبينات، المخمر، الفنخور، العزانيد، الصبغاء، الحراذين، الحمران، الهران).
- عشيرة العرابيد: (العاقلة، القطيات).
- البقاعين: (المتمدرج).
- عشيرة القطمان: (اللسون، الجنوب، الغرابى).
- عشيرة المهرمس: (الرعلان).
- عشيرة الحزالمة: (اللافية، الفتاة).
- عشيرة الغضيان: (العوران).
- عشيرة اللمالمة: (الهريسان).
- عشيرة الصبيح: (النجاجيب، الدقلان، الزنابيل، الوغب).
- عشيرة البريك: (الارغى، الزويغاء، السماحه، الركبان).
- وكذلك: العدالين، الحضفة، العيرة، الحميِّد، الدقايقة، المضيحك، الضحيات، الغزلان، الدهماء، الهلوع، السومه، السودان، الحراسيس (قيل من الحزالمة)، الديادبة، الموسى (بطن كبير)، العويضات، الحتاحتة (قيل من المهرمس)، الطليحه، البركات، القصالمه.
يحمل الفليحان، بريادته لمشيخة الشمل وتنوع عشائره وعراقة بعضها (كالمفالحة “الحُمام”)، إرثًا خاصًا داخل قبيلة الشرارات، يجسد استمرارية النسب الكلبي وقوته.
بطن العزام: الحضور المميز والامتداد الجغرافي
يُشكل بطن العزام الركيزة الرابعة في هيكل قبيلة الشرارات، وتتركز مشيخته في عشيرة الخيّال التابعة لفخذ المسند. يتميز هذا البطن بامتدادات جغرافية واسعة خارج نطاق القبيلة الأساسي، كما سيأتي لاحقًا. ينقسم إلى ثلاثة أفخاذ:
- فخذ المسند: وفيه عشيرة الخيّال (شيوخ البطن). أفخاذه:
- عشيرة السلامة: وتضم الخيّال (الرطول، السحمه، السمير) والهمش (البليلات) والفليو (بعضهم يرجع للإسيد) والإسيد.
- عشيرة المحمد: وتضم الجبران (المنيع، السواحلة، الجهيّم) والهملان (النافع، الخليفة، أبورشيده، القضيب، الجراعبه، الجريو).
- عشيرة الزايد: وتضم الشرعي، أبوذينه، البلاطجه، القشيميط “المباريد”، الشواطرة (المشبب)، السحيليه، الذريان (الدويم).
- عشيرة السعدي: وتضم المضاغيط، البخيتان، الحمَود، الدعيجي.
- عشيرة الجعيري: وتضم السنيد، الرويلان، العشيشان.
- عشيرة المنذر: وتضم الفالحه (الضريمان، الدباه، الدليمان)، الذعيت (النبابيح، الطيطله، الخضّاع)، الحفر، الحويجه.
- عشيرة الدوكه وما يتبعهم.
- عشيرة الحويان: (مستقلة، تتبع المسند، ومنهم العنيزات، الويد).
- عشيرة الهرجاف: (مستقلة، تتبع المسند، ومنهم السعران).
- فخذ الماضي: وفيه عشيرة “ابن وردة” (شيوخ الفخذ). أفخاذه:
- عشيرة الورده: (النباح، عيال كوكب).
- عشيرة المقانطه: (القضبه، العرود).
- عشيرة المسلمين: (الشغيوا).
- عشيرة الحمام: (الوصيوص، المطاريد، النصر الله، الطقيق “الخنينات”، الحسامين، اليماني، الشويكي، المرزق، القرعان) – أبناء عم ماضي.
- وكذلك: الخضير، السمل، الخشيبان، البسايطه، الميس، اللغبة.
- فخذ الحمود: أفخاذه:
- النصره: (ابوميلا “الميله”، الجفيل، النعيم، البحان، النويعمه، الظلام، المعلا، الروبضان، النصيري، الوهاوده، الريضه، الغنيم، البرقان وما يتبعهم).
يشكل بطن العزام نموذجًا للقوة البشرية والامتداد، حيث حمل اسمه لاحقًا إلى مناطق بعيدة، حافظت على جزء من هوية الشرارات الأصيلة.
تاريخ حافل: الشرارات وجذور الدولة السعودية الحديثة
لم تكن قبيلة الشرارات مجرد مشاهد على هامش تاريخ تأسيس المملكة العربية السعودية، بل كانت شريكًا فاعلاً وأساسيًا في صنع هذا التاريخ. تشير وثائق الدولة السعودية الثانية إلى أن عدد أفراد القبيلة المنضوين تحت لوائها بلغ أربعين ألف نسمة، رقم ضخم يعكس حجمها وتأثيرها. وهذا ما يفسر مبادرتهم المبكرة بمبايعة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – قبل حتى أن تخضع منطقة القريات ووادي السرحان بالكامل لسيطرته.
كانت مساهمة الشرارات عسكريًا بارزة وجوهرية:
- تحرير القريات ووادي السرحان (1924م / 1343هـ): شكل أبناء الشرارات جزءًا كبيرًا من جيش الإخوان الذي توجه شمالاً بقيادة الملك عبد العزيز لتحرير منطقتي القريات ووادي السرحان من سيطرة قوات شرقي الأردن. كانت معارك شرسة كتب فيها أبناء القبيلة صفحات من البطولة.
- التضحية والفداء: لم تكن المشاركة بلا ثمن. فخلال العمليات في شرقي الأردن، قبضت الحكومة الأردنية على أربعة أفراد من الشرارات كانوا ضمن جيش الملك عبد العزيز، وأعدمتهم في المدرّج الروماني بعمّان، في شهادة دامية على فدائيتهم والتزامهم بالقيادة.
- الصبر في وجه الغارات: التزمت قبيلة الشرارات بتعليمات الملك عبد العزيز الصارمة بعدم الرد على الغارات المتكررة التي كانت تشنها قبائل من شرقي الأردن على مناطقهم، والاكتفاء بتقديم الشكاوى للمعتمد البريطاني. كان ثمن هذا الانضباط العالي باهظًا: نهب الكثير من إبلهم دون أن يردوا بالمثل، تعبيرًا عن الولاء والانضباط للقيادة.
- حُماة الحدود الشمالية: شكل أبناء الشرارات طلائع جيش الملك عبد العزيز في المناطق الشمالية، بل تولى بعض رجالاتهم البارزين قيادة حملات عسكرية، ساهمت بشكل حاسم في استتباب الأمن واستقرار تلك المناطق الحدودية الحساسة.
هذه المواقف البطولية والتضحيات الجسام لم تذهب سدى. فقد أصر الملك عبد العزيز خلال المفاوضات التحضيرية لـ معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع شرقي الأردن (1933م / 1352هـ) على اعتبار جميع عشائر الشرارات رعايا سعوديين تابعين له، ضمانًا لوحدتهم وحقوقهم. كما استجاب – رحمه الله – لطلب الأمير عبد العزيز السديري (أمير القريات ومفتش الحدود الشمالية الغربية آنذاك) بمنح القبيلة امتيازات خاصة تقديرًا لجهودهم وتضحياتهم، شملت:
- زيادة الأعطيات (المكافآت) لكبار رجالاتهم.
- تحويل هذه الأعطيات إلى رواتب شهرية دائمة لمشايخهم الكبار بدلاً من السنوية.
- إعفاء القبيلة تمامًا من دفع أي رسوم جمركية على ما يستوردونه من خارج البلاد.
هذه الامتيازات لم تكن مجرد مكافأة، بل كانت اعترافًا رسميًا بقيمة الدور التاريخي الذي لعبته قبيلة الشرارات في توطيد أركان الدولة السعودية الثالثة وحماية حدودها الشمالية.
امتداد أفخاذ الشرارات: جذور ممتدة عبر الوطن العربي
لم يقتصر وجود قبيلة الشرارات على حدود المملكة العربية السعودية، بل امتدت جذورها وفروعها عبر هجرات تاريخية وتحالفات قبلية لتمس أرضًا شاسعة من الوطن العربي، من الأردن وسوريا شمالاً، مرورًا بفلسطين ولبنان، ووصولاً إلى مصر جنوبًا وغربًا. هذا الانتشار الواسع دليل حي على قوة النسيج القبلي وحركية المجتمع العربي عبر التاريخ.
في الأردن: تواجد تاريخي موثق
أشارت مصادر تاريخية موثوقة، مثل كتاب “تاريخ شرق الأردن” لفريدريك ج. بك (1935م)، إلى وجود عشائر من أصل الشرارات الكلبي ضمن القبائل الأردنية:
- عشائر الطفيلة والكرك: ذُكر أن العوران ضمن عشيرة الحميدات بالطفيلة، وحمولة أبو جابر من عشيرة الزيود (بني حسن) في عجلون، هم من الشرارات من بني كلب.
- عشائر عجلون: ورد أن الرواشدة في قرى (عي، قميم، الكته) بعجلون هم من الشرارات، ولهم أقارب بالكرك والطفيلة ضمن عشيرة البرارشة.
- قبائل الكرك: صُنف الخليفات كفرع من الشرارات ضمن قبائل الكرك.
- مناطق أخرى: بالإضافة لذلك، هناك وجود لـ:
- آل عزام في بلدة الوسطية بعجلون.
- البشايرة في كفر أسد (الوسطية).
- الدغيمات في قرى حوفا وكفرعان والخراج وصما (الوسطية).
في فلسطين: عزازمة النقب وجذور الشرارات
في صحراء النقب بفلسطين، توجد عشائر العزازمة الكبيرة. تشير أبحاث متخصصة، كتلك المنشورة في مجلة العرب السعودية، إلى أن نسب العزازمة يُرجح أن يعود إلى بطن العزام من قبيلة الشرارات من بني كلب. ومن فروع العزازمة الرئيسية في النقب:
- المحمديون
- الصبحيون
- الصبيحات
- الزربة
- الفراحين
- المسعوديون
- العصيات
- السواخنة
- المريعات
- السراحين
كما ورد ذكر آل أبو هنطش كفرع من الشرارات في قضاء طول كرم.
في سوريا ولبنان: امتداد نحو الشمال
لم تكن سوريا ولبنان بمنأى عن امتدادات الشرارات:
- في سوريا:
- الحجايرة في منطقة الزويّة.
- آل عزام: ذكرهم المؤرخ سعيد الصغير ضمن عشائر جبل العرب (جبل الدروز)، مشيرًا إلى نزوح أجدادهم من معاصر الشوف في لبنان إلى مناطق مختلفة بسوريا (نجران، الدور، تعارة، الدويري، صلاخد، الخرسا).
- في لبنان: كان معاصر الشوف نقطة انطلاق لبعض فروع آل عزام التي انتقلت لاحقًا إلى سوريا.
في مصر: من سيناء إلى وادي النيل
وصل امتداد أفخاذ الشرارات إلى الديار المصرية، خاصة عبر فروع تحمل اسم “العزازمة” المشتق من بطن العزام:
- في سيناء: المناصير، الصبحيون.
- في دلتا مصر ووادي النيل: السواخنة، المحمديون (في الشرقية والقليوبية)، وعائلة آل عزام الشهيرة في محافظة الجيزة.
هذا الانتشار الجغرافي الواسع لقبيلة الشرارات عبر عدة دول عربية ليس دليلاً على قوتها العددية فحسب، بل هو شاهد على الدور التاريخي الذي لعبته القبائل العربية في تشكيل الخريطة الديموغرافية والاجتماعية للوطن العربي، حيث حملت معها في ترحالها أصولها وتاريخها وثقافتها، منسوجةً في نسيج الأمّة.
خاتمة: الشرارات.. قبيلة صنعت التاريخ وحافظت على الأصول
تتجلى عبقرية الاستمرار في قبيلة مثل الشرارات، التي تمكّنت من نحت اسمها في صخر التاريخ العربي، ليس فقط بالكثرة العددية أو الانتشار الجغرافي، بل بالإسهام الفاعل في صنع الأحداث الكبرى، والتضحية بدماء أبنائها دفاعًا عن الأرض والقيادة، والتمسك الأصيل بنسبها العريق إلى قبيلة كلب القضاعية الحميرية. لقد أثبتت الشرارات، من خلال مشاركتها الحاسمة في توحيد المملكة تحت لواء الملك عبد العزيز، أنها كانت دائمًا في قلب المشروع الوطني السعودي، شريكًا وليس تابعًا.
إن تفصيل بطونها الأربعة الكبرى (الحلسة، الضباعين، الفليحان، العزام) وما تفرع عنها من أفخاذ وعشائر، يقدم نموذجًا فريدًا للتنظيم الاجتماعي المعقد والحيوي داخل الإطار القبلي، الذي حافظ على تماسك القبيلة رغم اتساع رقعتها وتنوع بيئاتها. كما أن امتداد فروعها عبر الأردن، فلسطين، سوريا، لبنان، ومصر، يشهد على ديناميكية الهوية العربية وقدرتها على الحفاظ على الجذور مع الاندماج في الأنساق الجديدة.
قبيلة الشرارات ليست مجرد ماضٍ تليد يُروى، بل هي حاضرٌ نابض يستمد قوته من تاريخه، ويرسّخ وجوده من خلال التمسك بأصله ومواصلة العطاء لوطنه. فهي، بجذورها الضاربة في عمق الجزيرة العربية، وفروعها الممتدة في ربوع الوطن العربي، تظل شاهدًا حيًا على عراقة المكون القبلي وأهميته في فهم التاريخ الاجتماعي والسياسي للمنطقة، وقوة نسيج المجتمع السعودي الذي قام على مثل هذه القبائل الأصيلة.