الشيخ صالح حنتوس : شهيد الموقف الجمهوري الذي لم يُسكت صوته الرصاص

في خضم الصراع الدائر في اليمن، برزت قصة الشيخ صالح حنتوس، شهيدًا لم يمت على ساحة معركة تقليدية، بل في حصار لبيته وقصفه من قبل مليشيا الحوثي الإرهابية في محافظة ريمة. لم يكن الشيخ حنتوس قائدًا عسكريًا أو شخصية سياسية بارزة بالمفهوم التقليدي، لكنه، وكما وصفه عدنان العديني، نائب رئيس دائرة الإعلام والثقافة في التجمع اليمني للإصلاح والمتحدث الرسمي باسم الحزب، يمثل “جمهورية القيم، لا جمهورية الورق”. قصته ليست مجرد جريمة أخرى تُضاف لسجل الانتهاكات، بل هي صرخة مدوية تؤكد أن الأفكار والقيم، حتى وإن نطق بها شيخ مسن أعزل، أقوى من كتائب مسلحة.
جمهورية القيم في مواجهة كهنوت السلالة
يُشير العديني إلى أن الشيخ حنتوس كان بمثابة حجر الزاوية في بناء أجيال من اليمنيين الذين يؤمنون بأن السلطة ليست حقًا سلاليًا، وأن الإنسان يولد حرًا. هذه القناعات الأساسية، التي غرسها الشيخ في نفوس تلاميذه ومُجتمعه، هي جوهر الفكرة الجمهورية التي تُعارض أي شكل من أشكال التوريث أو ادعاء الحق الإلهي في الحكم. في زمن شهد فيه الكثيرون انحناءات وتنازلات، ظل الشيخ حنتوس ثابتًا على مبادئه، لم يغير ثوبه ولا لسانه، متمسكًا بقيمه الجمهورية الأصيلة.
إن إرسال مليشيا الحوثي، التي تدعي السيطرة والقوة، كتيبة كاملة لمواجهة شيخ مسن أعزل، هو في حد ذاته اعتراف ضمني بمدى هشاشة الكهنوت وارتجافه أمام فكرة الجمهورية الحرة. هذا المشهد يُبين أن البنادق مهما اشتدت ضراوتها، لن تُفلح في إخراس صوت الحق، ولن تُطفئ شعلة الوصية التي يحملها أمثال الشيخ حنتوس. الكهنوت يعرف تمامًا أن قوته الحقيقية ليست في السلاح، بل في غياب الوعي الجمهوري، وفي قدرته على إخماد صوت العقل والكرامة.
الشيخ حنتوس: انتصار الموقف على الظلم
يُؤكد العديني أن الشيخ صالح حنتوس قد انتصر، ليس لأنه قاتل أو قاوم بالسلاح، بل لأنه “أعطى الجمهورية وجهها الحقيقي”. لقد كان شيخًا أعزل، صادقًا، وقف في وجه سلالة غاصبة بكل هدوء وكرامة. هذا الموقف الشجاع لم يكن مجرد فعل فردي، بل كان بمثابة شرارة حركت الإيمان العميق في قلوب الكثيرين بأن الكهنوت، مهما بلغ من التوحش والقوة، “لا يستطيع اغتيال الجمهورية التي في قلوب الناس”.
إن شهادة الشيخ حنتوس لم تكن مجرد مظلومية فردية، بل كانت شهادة موقف. إنها ليست وداعًا لحياته، بل هي دعوة قوية للعودة إلى أصل القضية اليمنية: قضية الجمهورية. فالجمهورية ليست مجرد نظام حكم أو وثيقة رسمية، بل هي خط الدفاع الأخير ضد الكهنوت، هي الفكرة التي تُمكن الإنسان من أن يكون حرًا، صادقًا، ووفيًا لقيمه، لا تابعًا لإمام أو خادمًا لسلالة. صوت الشيخ حنتوس، حتى بعد استشهاده، أقوى من أي كتيبة مسلحة، وأقوى من مشروع تدميري بأكمله يحاول أن يتغطى بعباءة القضايا الكبرى كالقضية الفلسطينية.
جريمة لا تغتفر
إن ما حدث للشيخ حنتوس ليس مجرد جريمة عادية. فـ “كتيبة مهام خاصة بكامل عتادها تخرج من صعدة وتتجه صوب ريمة، لا لمواجهة خصم مسلح، بل لمداهمة بيت ريفي يقطنه شيخ مسن تجاوز السبعين، مع نسائه وأحفاده، وصوت ما زال يعلو بالقرآن”. هذا المشهد صادم ومُفجع، ويُكشف عن اختلال ميزان القوة بين حشد مدجج بالسلاح ورجل أعزل لا يحمل إلا وصيته، لكنها “وصية جمهورية” تُزلزل عروش الظلم والاستبداد.
لقد كان الشيخ صالح حنتوس أحد أعمدة تعليم القرآن، ولم ينخرط في العمل السياسي بشكل مباشر. لكن وجوده كمعلم للناس، وصاحب رسالة، ووجه من وجوه النظام القيمي الجمهوري الذي حاول الكهنوت سحقه منذ لحظة انقلابه، جعله هدفًا. فمهاجمة ميليشيا مسلحة لمعلم قرآن لأنه لم يركع لها، هو في جوهره استهداف لروح الجمهورية التي تقوم على مبدأ أن يكون الإنسان حرًا، صادقًا، ووفيًا لقيمه، لا تابعًا لأحد ولا خادمًا لسلالة.
وصية الشيخ حنتوس: الجمهورية موقف ووعي
لقد لخص الشيخ حنتوس، بكلماته الأخيرة قبيل استشهاده، جوهر القضية وأساس الجمهورية. فقد قال: “الجمهورية ليست وثيقة رسمية، بل موقف ووعي يجعلك تقول لا حين يجب أن تُقال، حتى لو قالها الرجل الوحيد وسط البنادق”. هذه الكلمات ليست مجرد وصية عابرة، بل هي تثبيت لجمهوريته الخاصة، جمهورية مبنية على الإرادة الحرة والوعي العميق بقدسية الكرامة الإنسانية.
إن قصة الشيخ صالح حنتوس تُذكرنا بأن الصراع الحقيقي في اليمن ليس صراعًا على السلطة فحسب، بل هو صراع قيم وأفكار. فبينما تسعى قوى الكهنوت إلى إخضاع الناس وتجريدهم من حريتهم، يظل هناك من يُقاوم بالكلمة والموقف، ويُقدم روحه فداءً لمبادئ الجمهورية التي تسكن في قلوب الملايين. فهل تُدرك الأجيال القادمة أن صوت الشيخ حنتوس المكتوم بالرصاص، كان أعلى من دوي المدافع؟