حكم الاضحية ومشروعيتها في الإسلام

يتناول هذا المقال حكم الاضحية ومشروعيتها في الإسلام ، والأضحية من الشعائر الإسلامية العظيمة التي شرعها الله تعالى لتكون مظهراً من مظاهر العبودية والتقرب إليه، وهي من السنن المؤكدة التي حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بها. في هذا البحث الموسع، سنتناول بالتفصيل حكم الأضحية للمقتدر، مستعرضين الأدلة الفقهية من الكتاب والسنة، والخلاف بين العلماء في هذه المسألة، مع بيان الحكمة من تشريع الأضحية وشروطها، وصولاً إلى الرأي الراجح في هذه المسألة الفقهية المهمة.
تعريف الأضحية ومشروعيتها
الأضحية في اللغة: مشتقة من الضحى، وهو وقت ارتفاع الشمس، أو من الضحوة، وهي أول النهار. وفي الاصطلاح الفقهي: “ما يذبح من بهيمة الأنعام (الإبل، البقر، الغنم) في أيام النحر تقرباً إلى الله تعالى”.
والأضحية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:
- من الكتاب: قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2]
- من السنة: ما رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: “ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر”.
- الإجماع: فقد أجمع المسلمون على مشروعيتها منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.
حكم الأضحية للمقتدر: بين الوجوب والسنة
القول الأول: أنها واجبة
ذهب الإمام أبو حنيفة والليث بن سعد والأوزاعي وربيعة الرأي، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، إلى أن الأضحية واجبة على القادر عليها. واستدلوا بما يلي:
- قوله صلى الله عليه وسلم: “من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا” رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني والحاكم. وهذا النهي يدل على الوجوب.
- قوله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة: “يا أيها الناس إن على أهل كل بيت أضحية وعتيرة” رواه أحمد والأربعة بسند قوي.
- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي كل عام، فحملوا فعله على الوجوب.
- قوله تعالى: {فصل لربك وانحر} حيث فهموا الأمر على الوجوب.
مواضيع ذات صلة: تهنئة عيد الأضحى المبارك رسائل وأدعية لتجسيد قيم المحبة
القول الثاني: أنها سنة مؤكدة
وهو قول الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا بما يلي:
- قوله صلى الله عليه وسلم: “إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً” رواه مسلم. فقوله “وأراد” يدل على الاختيار لا الوجوب.
- ما صح عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يظن أن الأضحية واجبة.
- قوله صلى الله عليه وسلم: “ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الضحى” أخرجه الحاكم.
- أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عن أمته، مما يدل على أنها ليست واجبة على كل فرد.
مناقشة الأدلة والترجيح
بالنظر إلى أدلة الفريقين، نجد أن أدلة القائلين بالوجوب قوية، خاصة الحديث الأول الذي فيه النهي عن قربان المصلى لمن ترك الأضحية مع القدرة. أما أدلة الجمهور ففيها قوة أيضاً، خاصة فعل الصحابة الكبار كأبي بكر وعمر.
والراجح -والله أعلم- هو القول بأنها سنة مؤكدة، لكنها من السنن التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها ولا يتركها إلا لعذر، لما فيها من المعاني العظيمة والتقرب إلى الله. وهذا لا ينفي قوة أدلة القائلين بالوجوب، مما يجعل المسألة محل اجتهاد واسع.
حكمة مشروعية الأضحية
شرعت الأضحية لحكم عظيمة، منها:
- إحياء سنة الخليل إبراهيم عليه السلام، في امتثاله لأمر الله عندما رأى في المنام أنه يذبح ابنه، ثم فداه الله بذبح عظيم.
- التعبير عن الشكر لله على نعمه الكثيرة، خاصة نعمة المال.
- التوسعة على النفس والأهل والفقراء في أيام العيد.
- تحقيق معاني التضحية والفداء في سبيل الله.
- إشاعة روح البذل والعطاء في المجتمع المسلم.
قال الحكيم الترمذي: “وأما علة الأضحية فإنه لما جنى العبد على نفسه وأذنب فكأنه أحل القلق بنفسه، فأمر بالفداء كما أمر الله تعالى خليله عليه الصلاة والسلام بذبح ابنه ثم فداه بكبش ونجاه من القتل”.
شروط الأضحية
للأضحية شروط لابد من توفرها، منها:
- النوع: الإبل والبقر والغنم (الضأن والمعز).
- السن: خمس سنوات للإبل، سنتان للبقر، سنة للمعز، ستة أشهر للضأن.
- السلامة من العيوب: فلا تجزئ العوراء البين عورها، ولا المريضة البين مرضها، ولا العرجاء البين ضلعها، ولا الهزيلة التي لا تنقي.
حكم الأضحية بالحيوانات المسمنة دون السن
في العصر الحديث، ظهرت طرق التسمين السريع، فصار الحيوان يصل إلى الوزن المطلوب قبل بلوغ السن الشرعي. وقد اختلف الفقهاء المعاصرون في هذه المسألة:
- فريق يرى الالتزام بالسن الشرعي ولو زاد الوزن.
- فريق يرى الاكتفاء ببلوغ الوزن المطلوب، لأن المقصود هو اللحم والانتفاع.
والراجح -والله أعلم- هو الجواز إذا تحقق النمو الكافي، خاصة في الضأن الذي ينمو بسرعة، وهذا ما رجحه المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.
فتاوى العلماء المعاصرين
فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله
قال الشيخ ابن باز: “الأضحية سنة، فعلها المصطفى ﷺ، كان يضحي كل سنة بكبشين أملحين، يذبح أحدهما عن محمد وآل محمد، ويذبح الثاني عمن وحد الله من أمته عليه الصلاة والسلام. فهي سنة مؤكدة مع الاستطاعة، يضحي الإنسان بواحدة عنه وعن أهل بيته… وليست واجبة، بل هي سنة مؤكدة مع الاستطاعة”.
فتوى اللجنة الدائمة
ذكرت اللجنة الدائمة للإفتاء: “الأضحية سنة مؤكدة في حق القادر عليها، وهي من شعائر الإسلام الظاهرة، وينبغي للمسلم أن يحرص عليها لما فيها من التقرب إلى الله وإدخال السرور على المسلمين في أيام العيد”.
حكم ترك الأضحية مع القدرة
تعددت آراء الفقهاء في حكم ترك الأضحية مع القدرة عليها:
- جمهور الفقهاء: يكرهون تركها مع القدرة، لأنها سنة مؤكدة.
- الحنفية: يرون الإثم على تاركها مع القدرة، لاعتقادهم بوجوبها.
- بعض العلماء: يرون أن تركها مع القدرة يفوت أجراً عظيماً، وإن لم يكن آثماً.
والأظهر -والله أعلم- أن تارك الأضحية مع القدرة قد فاته أجر كبير، خاصة إذا كان تركها تكاسلاً أو تقصيراً، دون أن يصل إلى درجة الإثم، إلا عند من يرى الوجوب.
الخاتمة والتوصيات
بعد هذا الاستعراض التفصيلي، يتضح أن الأضحية من الشعائر العظيمة في الإسلام، وأن الخلاف في حكمها للمقتدر خلاف معتبر بين العلماء. والأحوط للمسلم أن يحرص على الأضحية إذا كان قادراً عليها، لما فيها من الأجر العظيم والثواب الكبير.
ومن التوصيات:
- الاهتمام ببيان فضل الأضحية وحكمتها للمسلمين.
- تذكير الناس بأن الأضحية ليست مجرد عادة اجتماعية، بل عبادة يتقرب بها إلى الله.
- تشجيع الأغنياء على التضحية وتوزيع لحومها على الفقراء والمحتاجين.
- الابتعاد عن المغالاة في أسعار الأضاحي مما يجعلها عبئاً على الناس.
نسأل الله أن يتقبل منا صالح الأعمال، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.