جنازة الشيخ ناجي جمعان : مشهدية وطنية ورسائل سياسية معبرة

شهدت العاصمة اليمنية صنعاء، يوم الأحد، مراسم تشييعٍ مهيبة لجنازة الشيخ ناجي جمعان الجدري، العضو البارز في اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام، وشيخ مشايخ قبيلة بني الحارث، وأحد أبرز رموز ثورة 2 ديسمبر 2017 التي لا تزال شعلتها متقدة. ورحل الراحل عن عمرٍ حافل بالنضال الوطني بعد وفاته في القاهرة، حيث كان مُقيماً منذ خروجه من اليمن عقب الثورة.
انطلقت الجنازة من مستشفى السعودي الألماني، وسط حضورٍ لافتٍ لآلاف المشيِّعين، من قيادات سياسية وحزبية واجتماعية من مختلف المحافظات، في مشهدٍ رمزي جسّد التلاحم الوطني. وحُمل جثمان الفقيد في موكبٍ جماهيري جاب شوارع العاصمة، ليُوارى الثرى في مقبرة كولة جدر بمسقط رأسه في مديرية بني الحارث، شمال صنعاء.
رمزية التضامن وانزياح الصمت القبلي
لم تكن الجنازة مجرد مراسم وداعٍ تقليدية، بل تحولت إلى منصةٍ لإرسال إشارات سياسية واضحة. فبحسب الكاتب الدكتور محمد جميح، فإن الحشود الغفيرة التي شاركت في التشييع تعكس رفضاً جذرياً لهيمنة مليشيات الحوثي على المناطق التي تدّعي السيطرة عليها. وأضاف: “هذه الجماهير خرجت لتؤكد أن القبيلة اليمنية، رغم محاولات الإخضاع بالمال والسلاح، ما زالت متمسكة بقرارها وولائها لثوابتها الوطنية”.
وشهدت المراسم حضوراً نوعياً لمشايخ قبليتين رئيسيتين (بكيل وحاشد)، وعلى رأسهم الشيخ حمير بن عبد الله الأحمر، والشيخ علي جليدان، وغيرهم من الأسماء البارزة، ما عزّز دلالات الوحدة الوطنية في مواجهة المشروع الحوثي. كما تم خلال الجنازة تنصيب نجله محمد ناجي جمعان شيخاً لبني الحارث بإجماع المشايخ، في خطوةٍ تُعزز استمرارية النهج الوطني للراحل.
تفاعلات سياسية… من العزاء إلى التحليل
أثارت الجنازة تفاعلاتٍ واسعة على المستويين المحلي والدولي، حيث وصَفَ وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني المشهد بأنه “تظاهرة صامتة ضد هيمنة المليشيا”، مؤكداً أن الحضور الكبير بعث رسائلَ تُجسِّد الاحتقان الشعبي المتصاعد ضد الحوثيين، حتى في مناطق تُعتبر معاقلَ لهم. وأضاف: “اليمنيون يعلنون أن كابوس المليشيا إلى زوال، وأن إرادة الشعب ستنتصر”.
من جهته، أعلن المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، برئاسة طارق محمد عبد الله صالح، عن تنظيم عزاءٍ للفقيد في مدينة المخا، في خطوةٍ تُبرز البُعد الوطني لتأبينه.
جدلية التوظيف السياسي
في حين دخلت ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي في إطار الجدل بين السياسي والإنساني. فبينما رأى البعض –كالكاتب محمد المقالح– أن الحضور الكبير يعكس مكانة الراحل الشخصية ووفاء محبيه بعيداً عن التوظيف السياسي، أكّد آخرون أن المشهد يحمل دلالاتٍ تتجاوز الحدث العاطفي إلى التأكيد على رفض الشعب للانقسامات.
تُختتم هذه الحادثة بتأكيدٍ على أن المشهد اليمني، رغم تعقيداته، يحتفظ بجذوة المقاومة ضد المشاريع الانقسامية، وأن رحيل الرموز الوطنية قد يُشكِّل دافعاً جديداً لإعادة إحياء روح الوحدة والثورة، في انتظار اليوم الذي يُشيَّع فيه “مشروع الحوثي إلى غير رجعة”، كما جاء في تغريدة الإرياني.
رحم الله الشيخ ناجي جمعان، الذي ودّع الحياة جسداً، لكن إرثه باقٍ كشاهدٍ على نضالٍ لن ينطفئ.