ماهو مستقبل مأرب بعد سقوط حضرموت

رداد السلامي
المصير المنتظر لمأرب بعد سقوط حضرموت ليس قدَرًا مكتوبًا، لكنه اليوم أقرب ما يكون إلى “امتحان أخير” لمشروع الدولة في الشمال ولأي فكرة وطنية تريد أن تبقى حيّة في اليمن.
سأحاول أن أقدّم لكم تقدير موقف منظم قدر الإمكان:
أولًا: ماذا يعني عمليًا “سقوط حضرموت”؟
في الأيام الأخيرة اندفعت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًا، للسيطرة على سيئون ووادي وصحراء حضرموت ضمن عملية أسمتها “المستقبل الواعد”، واستولت خلال ساعات على المطار، وإدارة الأمن، والمجمع الحكومي، وقيادة المنطقة العسكرية الأولى، مع خطاب واضح بأن حضرموت “ركن أساسي في مشروع الدولة الجنوبية”.
بالتوازي، كانت حضرموت قبل ذلك تغلي بتوتر قبلي وعسكري حول النفط، واشتباكات بين حلف قبائل حضرموت وقوات الانتقالي قرب منشآت نفطية إستراتيجية، في مشهد يُظهِر أن المحافظة انتقلت من “نموذج استقرار نسبي” إلى ساحة صراع نفوذ سعودي–إماراتي مكشوفة.
الإعلام المحلي بدأ يسمّي ما حدث صراحةً “سقوط حضرموت بيد الانتقالي”، وربط ذلك بما يجري في المهرة أيضًا بوصفه إعادة هندسة كاملة لشرق اليمن لصالح محور أبوظبي.
ثانيًا: موقع مأرب في خريطة الصراع اليوم
- آخر قلعة حقيقية للسلطة “الشرعية” في الشمال
مأرب – حتى الآن – هي أهم معقل للحكومة المعترف بها دوليًا في الشمال، بينما يسيطر الحوثيون على معظم المحافظات الشمالية بما فيها صنعاء. - وضع عسكري هش لكن صامد
• الحوثيون يسيطرون على الغرب من المحافظة ويواصلون هجماتهم.
• الحكومة والقوات الموالية لها تسيطر على المدينة والمناطق الوسطى والشرقية.
• تقارير تحدثت مؤخرًا عن وجود/نفوذ لقوات مدعومة إماراتيًا في أجزاء من مأرب وشبوة، إلى جانب قوات الحكومة، بما يعكس تنافسًا على النفوذ داخل المعسكر نفسه. - ثقل اقتصادي وإنساني كبير
• مأرب بوابة الغاز والنفط (صافر، خطوط التصدير، محطة الكهرباء الغازية).
• مركز رئيسي لملايين النازحين من مختلف المحافظات، كما توضح تقارير الأمم المتحدة عن حجم الحضور الإنساني في مأرب. - رمزية سياسية
صمود مأرب طوال سنوات جعلها رمزًا لفكرة “إمكانية قيام دولة” في الشمال خارج سلطة الحوثي، ولـ“بقايا مشروع الجمهورية”.
ثالثًا: ما الذي تغيّر على مأرب بعد سقوط حضرموت والمهرة؟
- انكشاف مأرب من الشرق
بعد أن تمدد الانتقالي/الإمارات في حضرموت والمهرة، تحوّل الشرق من عمق محتمل لمأرب إلى حزام نفوذ خارجي يمسك بخط النفط والموانئ والحدود البحرية، ويستطيع الضغط اقتصاديًا ولوجستيًا على مأرب متى شاء.
- إعادة تشكيل خريطة الحلفاء
• التمدد الانتقالي يعني عمليًا تقليص هامش تأثير القوى المحسوبة على الإصلاح أو على “الدولة اليمنية الموحدة” في الشرق.
• في هذا السياق تأتي عودة سلطان العرادة إلى مأرب من الرياض في توقيت حساس بعد سقوط حضرموت والمهرة بيد الانتقالي؛ حيث وصفت تقارير محلية هذه العودة بأنها تحمل رسائل سياسية وعسكرية مهمة، في محاولة ربما لإعادة لملمة الصف أو إعادة تموضع أمام المرحلة الجديدة. - فرصة ذهبية للحوثي
الفوضى في حضرموت وانشغال الرياض وأبوظبي بصراع النفوذ هناك، مع تفكك المعسكر المناهض للحوثي، تمنح الجماعة فرصة لاستئناف الضغط على مأرب من الغرب، مستفيدين من استنزاف الجيش والقبائل، وضعف الغطاء الجوي والسياسي السعودي كما تشير تقارير عن تراجع الانخراط السعودي المباشر.
رابعًا: السيناريوهات المحتملة لمصير مأرب
- سيناريو “الاستنزاف والاحتواء”
• تستمر مأرب تحت سيطرة الحكومة/السلطة المحلية الحالية، مع مواصلة الحوثي حرب الأنفاق والهجمات المتقطعة.
• في الخلفية يجري احتواء مأرب اقتصاديًا وسياسيًا من الشرق عبر النفوذ الإماراتي–الانتقالي في حضرموت والمهرة وشبوة، بحيث لا تسقط عسكريًا لكن تتحول إلى كيان مستنزف ومعزول، غير قادر على لعب دور وطني كبير، بل مجرد “جيب” يتم التفاوض عليه في أي تسوية قادمة.
هذا السيناريو لا يهدم مأرب فورًا، لكنه يحوّلها تدريجيًا إلى ورقة مساومة على الطاولة لا إلى فاعل حقيقي.
- سيناريو “استنساخ حضرموت” في مأرب
هنا لا يُتوقَّع هجوم حوثي حاسم أولًا، بل:
• محاولة تفكيك النفوذ الحالي في مأرب (سياسيًا وقبليًا وعسكريًا)، عبر:
• دعم تشكيلات عسكرية/قبلية موازية أو بديلة.
• تغذية خلافات داخلية بين القوى المأربية (السلطة المحلية، الإصلاح، قيادات الجيش، مشايخ القبائل).
• استخدام خطاب “مكافحة الفساد، إنهاء هيمنة طرف واحد، إعادة توزيع الثروة” لتبرير إعادة هندسة السلطة المحلية كما جرى الترويج له في حضرموت.
إذا نجح هذا السيناريو، قد نرى خلال فترة ما:
• تغييرًا تدريجيًا في بنية القوة داخل مأرب لصالح قوى أقرب إلى أبوظبي/الانتقالي.
• تحويل مأرب من “عاصمة معسكر الجمهورية” إلى منطقة نفوذ جديدة داخل منظومة المحاور، تمهيدًا إما لدمجها في صفقة شاملة، أو لإضعافها أمام أي تقدم حوثي لاحق.
- سيناريو “الانهيار المزدوج”
هذا أخطر السيناريوهات:
• ضغط حوثي متصاعد من الغرب، مستفيد من تفكك المعسكر المناهض له وارتباكاته.
• وضغط سياسي–أمني من الشرق والعمق (حضرموت/المهرة/شبوة) لإعادة تشكيل السلطة في مأرب أو محاصرتها اقتصاديًا وأمنيًا.
في لحظة ما، ومع أي أزمة داخلية (انقسام قبلي، صراع على الموارد، خلافات بين القيادات)، يمكن أن تتدحرج الأمور إلى:
• انهيار مفاجئ للجبهات.
• أو تسوية مفروضة تُفقِد مأرب استقلال قرارها وتحوّلها إلى إقليم محاصر بين سلطتين أمر واقع.
- سيناريو “الاستفاقة الوطنية” (الأصعب لكنه الأجمل)
وهو أن تتحول مأرب – بدلًا من أن تُبتلع – إلى نقطة تبلور كتلة وطنية جديدة:
• تجمع بين:
• النخب السياسية المتضررة من مشاريع التقسيم.
• القيادات القبلية التي تشعر أن نفوذها يتحول إلى مجرد أداة عند الخارج.
• القوى المدنية والفكرية التي تدرك أن سقوط مأرب يعني عمليًا نهاية فكرة “يمن جمهوري موحد” في المدى المنظور.
هذه الكتلة يمكن أن:
- تضع خطوطًا حمراء واضحة:
• لا لمليشيا حوثية في الشمال،
• ولا لدويلة وظيفية في الشرق والجنوب تتحكم في الثروة والممرات البحرية. - تعيد تعريف العلاقة مع السعودية والإمارات من موقع الندّية النسبية:
• نعم للتنسيق الأمني ضد الحوثي،
• لكن لا لتمزيق البلاد إلى جزر نفوذ متصارعة. - تبني نموذجًا مختلفًا في إدارة مأرب نفسها:
• شفافية نسبية في عائدات النفط والغاز.
• إشراك حقيقي للقبائل وللنخب المدنية.
• ضبط لصناعة “الاقتصاد الحربي” الذي يخلق أمراء حرب يصعب التخلص منهم.
هذا السيناريو يحتاج وعيًا عاليًا، وتضحيات، وقيادات تمتلك شجاعة أن تقول لحلفائها الخارجيين: “نعم للتعاون، لا للمصادرة”.
خامسًا: العوامل الحاسمة التي سترجّح أحد هذه المسارات
- وحدة أو تشرذم النخبة المأربية
إذا ظل الخلاف داخل مأرب يُدار بالعقل والحد الأدنى من التوافق، ستصمد المدينة أكثر. أما إذا تحولت الصراعات الشخصية والحزبية والقبلية إلى شروخ عميقة، فستكون بوابة لكل مشروع خارجي. - خيارات السعودية في اليوم التالي لسقوط حضرموت
• هل ستترك المجال مفتوحًا بالكامل لمشروع أبوظبي في الشرق؟
• أم ستستشعر أن سقوط مأرب بعدها يعني خسارة كل أوراقها في الشمال، فتغيّر نهجها في إدارة الملف اليمني؟ - قدرة الحوثي على استثمار اللحظة
الحوثي يجيد الانتظار واستغلال خصومه وهم يتنازعون. إن قرأ أن مأرب منهكة داخليًا ومخنوقة خارجيًا، قد يندفع إلى محاولة حسم عسكري جديد. - حيوية المجتمع المحلي
وجود نخبة فكرية، ووجهاء قبائل، وشباب واعٍ يدرك أن المعركة الحقيقية ليست فقط على الحدود العسكرية بل على معنى “الدولة” و“الهوية الوطنية”، سيكون عاملًا فارقًا في منع تحوّل مأرب إلى مجرد غنيمة بين المليشيات والمحاور.
خلاصة مكثفة
• سقوط حضرموت ليس حدثًا معزولًا، بل جزء من هندسة أوسع لشرق اليمن لصالح مشروع تقاسم نفوذ وثروة بين قوى إقليمية.
• مأرب تقف اليوم أمام أربعة مسارات:
• استنزاف طويل،
• استنساخ سيناريو حضرموت،
• انهيار مزدوج بين الحوثي والمحاور الأخرى،
• أو استفاقة وطنية تجعل منها مركزًا لمشروع يمن جمهوري جديد.
• المصير ليس محسومًا؛ لكنه – إن تُرك لعقلية “الولاءات الصغيرة” – سيتجه غالبًا إلى واحد من السيناريوهات الثلاثة الأولى، مع كلفة بشرية ووطنية هائلة.









