تكنولوجيا

هواوي تشيّد إمبراطورية أشباه الموصلات : لقلب موازين الصناعة العالمية

من السرية إلى الواجهة: مشروع “قلعة الرقائق” الذي يُعيد رسم خريطة التكنولوجيا العالمية

كشفت تحقيقات موسعة أجرتها صحيفة فايننشال تايمز بالتعاون مع خبراء صناعة أشباه الموصلات عن تفاصيل غير مسبوقة لاستثمارات شركة هواوي في بناء مجمعات تصنيع متكاملة للرقائق المتقدمة بمدينة شنتشن الصينية. هذه الخطوة ليست مجرد محاولة لتعويض تأثير العقوبات الأمريكية فحسب، بل جزءًا من خطة صينية استراتيجية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في صناعة تُقدَّر قيمتها بأكثر من 600 مليار دولار عالميًا بحلول 2025.

الأبعاد الخفية للمشروع:

  1. التكامل الرأسي غير المسبوق:
  • تدير هواوي بشكل مباشر أو غير مباشر 3 منشآت متخصصة في منطقة قوانلان:
    • المنشأة (أ): لإنتاج معالجات الهواتف والذكاء الاصطناعي بتقنية 7 نانومتر (مثل معالج Ascend 910D).
    • المنشأة (ب): بالشراكة مع “SiCarrier” لتصنيع معدات التصنيــع (مكافئ محلي لـ ASML الهولندية).
    • المنشأة (ج): بالتعاون مع “SwaySure” لإنتاج رقائق الذاكـــاءة التنافسية مع SK Hynix الكورية.
  • تصميم المنشآت يعتمد على هندسة معمارية مُوحَّدة تُسهّل التوسع الأفقي بنسبة 300% بحلول 2026.
  1. الدعم الحكومي: الوقود الخفي
  • وفقًا لوثائق حكومية مسربة، خصصت شنتشن ميزانية أولية 12 مليار دولار لدعم المشروع، مع إعفاءات ضريبية تصل إلى 90% للشركات المشاركة.
  • تعاون مشترك مع 7 جامعات صينية رائدة (مثل جامعة تسينغهوا) لتدريب 50,000 مهندس متخصص بحلول 2025.

الرد الصيني على العقوبات: من التحدي إلى الابتكار

بعد حظر واشنطن تصدير التقنيات الحيوية إلى هواوي عام 2019، تحولت الشركة إلى:

  • تطوير معدات تصنيع محلية مثل منصات الـ DeepUV Lithography كبديل عن تقنيات الـ EUV الهولندية.
  • استثمار 9 مليارات دولار في شركات ناشئة مثل “Hygon” لتصميم رقائق مُخصصة لمراكز البيانات.
  • تعاون سري مع SMIC لاستخدام تقنيات تصنيع متقدمة مثل الـ N+2 node لتعزيز الكفاءة.

مؤشرات النجاح الأولية:

  • نجحت هواوي في إنتاج 4 ملايين وحدة من معالجات الـ 7 نانومتر خلال النصف الأول من 2024، وفقًا لتقرير شركة TechInsights.
  • انخفاض اعتماد الصين على الواردات التكنولوجية بنسبة 18% منذ 2022، بحسب بيانات منظمة التجارة العالمية.

التداعيات الجيوسياسية: مواجهة الغرب على أرض التكنولوجيا

  1. ردود الفعل الدولية:
  • الولايات المتحدة: تُعدّ مشروع قانون جديد (CHIPS Act 2.0) لتمويل شركات مثل Intel بـ 52 مليار دولار إضافية.
  • الاتحاد الأوروبي: أعلن عن تسريع خطط إنشاء مصانع رقائق بتكلفة 45 مليار يورو لخفض الاعتماد على التكنولوجيا الآسيوية.
  1. تحذيرات الخبراء:
  • د. مارك لي (معهد أبحاث أشباه الموصلات): “إذا حققت الصين اكتفاءً ذاتيًا في الرقائق المتقدمة بحلول 2030، فقد تخسر الشركات الأمريكية 120 مليار دولار سنويًا”.
  • لورا هوك (محللة في Bloomberg): “المشروع قد يُعيد تشكيل تحالفات سلسلة التوريد العالمية، مع توجه دول نامية نحو البدائل الصينية الأرخص”.

المستقبل: هل تستطيع هواوي كسر احتكار “الترياد” العالمي؟

رغم التحديات التقنية (مثل صعوبة تطوير رقائق الـ 3 نانومتر دون تقنيات ASML)، تُظهر المؤشرات:

  • تخطيط هواوي لإطلاق جيل جديد من معالجات الـ 5 نانومتر مطلع 2026 باستخدام تقنيات التعبئة المتقدمة (Chiplet Technology).
  • مشاريع بحثية مشتركة مع روسيا لإنتاج رقائق مقاومة للعقوبات باستخدام مواد أولية من سيبيريا.

الخلاصة:
ما بدأ كرد فعل دفاعي ضد العقوبات الأمريكية، تحول إلى استراتيجية هجومية صينية لاحتلال الصدارة في حرب أشباه الموصلات. إذا نجحت هواوي في مسعاها، فلن تكون الصين مجرد لاعب ثانوي في الصناعة، بل قائدةً تكنولوجية تُعيد كتابة قواعد اللعبة العالمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock