الدين والحياة

هل يجوز الاستغفار من الذنب وانا مقيم عليه

التوبة إلى الله والاستغفار من الذنوب مطلب رباني أمر الله العباد به وحثهم عليه، ولذا قد يسال البعض ما حكم استغفار العبد من ذنب وهو مقيم عليه؟.

وللإجابة على هذا السؤال نقول وبالله التوفيق إختلف العلماء في هذه المسألة على قولين اثنين:

القول الأول :  قالوا بالجواز، لأنه داخل في عموم الدعاء المشروع، فقد يستجيبه الله عز وجل وقد لا يستجيبه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :  الذنوب يزول موجبها بأشياء منها: التوبة، والثاني: الإستغفار من غير توبة، فإن الله تعالى قد يغفر له إجابة لدعائه وإن لم يتب، فإذا اجتمعت التوبة والإستغفار فهو الكمال.

“مجموع الفتاوى”  ٣٢٤/٦

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :  أما استغفار اللسان مع إصرار القلب على الذنب فهو دعاء مجرد، إن شاء الله أجابه وإن شاء رده، وقد يكون الإصرار مانعا من الإجابة.

“جامع العلوم والحكم” عند شرح الحديث الثاني والأربعون

القول الثاني :  ذهبوا إلى عدم الجواز، وقالوا بأنه استغفار الكذابين والمتلاعبين.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى عند تعداد عقوبات المعاصي:  أنها تضعف القلب عن إرادته، فتقوي إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا، إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، فلو مات نصفه لما تاب إلى الله، فيأتي بالإستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيئ كثير، وقلبه معقود بالمعصية مصر عليها، عازم على مواقعتها ما أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض، وأقربها إلى الهلاك.

مواضيع ذات صلة: اداب السفر في الاسلام

“الداء والدواء”

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى :  قوله تعالى {ولم يصروا على ما فعلوا}  فيه: إشارة إلى أن من شرط قبول الإستغفار أن يقلع المستغفر عن الذنب، وإلا فالإستغفار باللسان مع التلبس بالذنب كالتلاعب.

“فتح الباري”

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :  ولا ينفع الإستغفار مع الإصرار، لأنه إلى الإستهزاء أقرب منه إلى الحسنات.

“ثمرات التدوين” ص١٤١

ومما يرجح هذا القول الثاني أن الإصرار على الصغيرة والإستمرار عليها يحولها إلى كبيرة، فهل يصلح لتكفيرها استغفار لساني مجرد، ليس فيه ندم ولا حسرة ولا إقلاع ولا عزم على عدم الرجوع؟!

قال الإمام  ابن القيم :  الإصرار على الصغيرة قد يساوي إثمه إثم الكبيرة أو يربي عليها.

“إغاثة اللهفان” ١٥١/٢

وأيضا فالمؤمن لا تراه إلا خائفا مشفقا من عاقبة ذنوبه وإن كانت صغائر، شديد الحياء من الله عز وجل بسببها، فهل يجرؤ على مقابلة الله عز وجل بالإستغفار منها استغفارا لسانيا باردا، وهو مقيم عليها مصر على اقترافها متى ما أمكنته الفرصة؟!

مواضيع ذات صلة: دعاء الاستخارة للزواج

عن الحارث بن سويد :  حدثنا عبد الله بن مسعود حديثين، أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر عن نفسه قال: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل، يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا. قال أبو شهاب: بيده فوق أنفه.

رواه البخاري رقم٦٣٠٨

قال الحافظ ابن حجر :  المؤمن يغلب عليه الخوف لقوة ما عنده من الإيمان، فلا يأمن العقوبة بسببها، وهذا شأن المسلم أنه دائم الخوف والمراقبة، يستصغر عمله الصالح، ويخشى من صغير عمله السيئ.

وقال المحب الطبري: إنما كانت هذه صفة المؤمن لشدة خوفه من الله ومن عقوبته، لأنه على يقين من الذنب، وليس على يقين من المغفرة، والفاجر قليل المعرفة بالله، لذلك قل خوفه واستهان بالمعصية.

وقال ابن أبي جمرة: ويستفاد من الحديث: أن قلة خوف المؤمن ذنوبه وخفتها عليه يدل على فجوره.

وقال ابن بطال: يستفاد من الحديث: أنه ينبغي على المؤمن أن يكون عظيم الخوف من الله تعالى من كل ذنب صغيرا كان أو كبيرا، لأن الله تعالى قد يعذب على القليل، فإنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

“فتح الباري” ١٠٥/١١

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock