قبائل بعدان: إرث عريق في قلب محافظة إب

تُعد قبائل بعدان من الكيانات الاجتماعية العريقة في اليمن، حيث تستوطن مديرية بعدان التابعة لمحافظة إب. تتجذر هذه القبائل في أعماق التاريخ اليمني، إذ يعود نسبها إلى الهميسع بن حمير. يستعرض هذا البحث جوانب هامة من تاريخ ونسب وخصائص هذه القبيلة الأصيلة.
نسب قبيلة بعدان: امتداد تاريخي عريق
تتصل جذور قبيلة بعدان بعمق التاريخ اليمني، حيث يُنسب إليها جبل بعدان الشاهق الذي يُشرف على مدينة إب من الجهة الشرقية. وتفصيلاً، يعود نسب القبيلة إلى بعدان بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن غوث بن حيدان بن عريب بن قطن بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ الأكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان بن حمير بن سبأ. هذا التسلسل النسبي يُشير إلى ارتباطها الوثيق بجذور الحضارة اليمنية القديمة.
قبائل بعدان: السكان الأصليون والهوية المتميزة
يُعتبر آل البعداني النواة الأصيلة لقبائل بعدان، حيث يمتد نسبهم إلى بني جبر في خولان الطيال، وجدهم هو جبر بن غلاب الذي ينتسب بدوره إلى بعدان. تُروى حكايات تجسد قيمهم العليا، مثل قصة دفن جبر بن غلاب واقفًا. تستوطن هذه القبيلة قمة جبل يتميز بشكله الفريد الذي يشبه سنام جمل، وهو ما أكسب قريتهم اسم “منزل جمل” التي يعود تاريخها لأكثر من سبعمائة عام. يُعرف عن قبائل بعدان بأنهم من أقدم المشايخ في المنطقة وأكبرها نفوذًا، حيث يمتلكون أغلب الأراضي في بعدان والمناطق المحيطة بها. تتسم شخصيتهم بالشجاعة والفصاحة، حتى أن الأساطير تربط بلاغتهم بعين ماء تُعرف بـ “عين سدان”، والتي يعتقدون أنها تمنحهم هذه البلاغة المميزة.
قبيلة البعداني: روايات تاريخية وجذور عميقة
تتعدد الروايات التاريخية حول أصل تسمية “بعدان”، فبينما يرى البعض أن بعدان كان أحد ملوك اليمن الذين استوطن أبناؤه المنطقة، يشير آخرون إلى أنه كان اسمًا لإله يُعبد في اليمن القديم.
تستمر قبيلة بني البعداني في السكن في المنطقة حتى يومنا هذا، وهم يُعتبرون السكان الأصليين والمنحدرين من نسل بعدان. وتجاورهم قبائل أخرى تنتمي لنفس السلالة، مثل قبيلة بيت الحاج العريقة التي تمركزت في عزلة جرانه، البوابة الجنوبية لحصن حب التاريخي. يُعتقد أن اسم العزلة مشتق من اسم أحد أبناء هذه القبيلة، الحاج أحمد صلاح جرانه. تنتشر قبيلة بيت الحاج في مختلف أنحاء بعدان وتُعد من أهم قبائلها.
إلى جانب هذه القبائل الأصيلة، تضم بعدان مجموعة من العشائر الأخرى التي تنتمي إلى مناطق مختلفة من اليمن (صنعاء، حضرموت، صعدة، مأرب، نجران)، بالإضافة إلى بعض العشائر التي يُحتمل أن تكون من السكان الأصليين ولكن لا تتوفر مراجع تاريخية كافية لتأكيد ذلك. من أبرز هذه القبائل: آل جابر، الدعيس، راجح، الدعاس، الجماعي، خشافه، النحوي، سيلان، الحجاجي، الخياط، حنيش، شحره، النظاري، ضاعن، مشرح، المريسي، الزهيري، القواس، درموش، الرعوي، باشا، حترش، الفضلي، الزنداني، مشرح، الصانع، الخشعي، الحجري، النقيب، الجبري، المخلافي، الجمالي، المهلل، عبيد، جوير، المليكي، الغزالي، المغبش، القح، العراسي، الربيعي، الوجيه، النزيلي، مجلي، القاضي، طامش، العنسي، الشجاع، العماري، الجرادي، نصاري، الدحان، البلاع. كما توجد مجموعات من أصول تركية (عثمانية) تم تصنيفها ضمن العشائر الصغرى.
الموقع الجغرافي لمديرية بعدان: بوابة الشرق لإب
تقع مديرية بعدان في الجزء الشرقي من محافظة إب، على بعد حوالي 6 كيلومترات من مركز المدينة. تحدها من الغرب مديرية إب، ومن الجنوب مديرية السبرة وأجزاء من محافظة الضالع، ومن الشرق مديرية الشعر، ومن الشمال مديرية المخادر.
تتميز المنطقة بتضاريسها المتنوعة، حيث يبرز جبل بعدان وجبل ريمان كمعالم طبيعية بارزة. تُعرف بعدان بخصوبة تربتها وهوائها النقي ووفرة الخيرات، وهي تُعتبر بطنًا من بطون حمير، وتحديدًا من نسل بعدان بن جشم الذي سُمي الجبل باسمه.
كما سُميت مديرية الشعر نسبة إلى شعر بن حمير، أحد أبناء ملوك حمير. وقد سكن جبل بعدان قديمًا بنو الشرحبيل، وهم من أبناء التبابعة، كما ذكرهم الهمداني في كتابه الإكليل.
بعدان في التاريخ اليمني: أدوار هامة وشخصيات بارزة
لعبت قبائل بعدان دورًا هامًا في تاريخ اليمن، حيث يُذكر منهم الحسين التبعي الذي كان له تأثير في الأحداث التاريخية. كما ينتسب إلى بعدان عدد من الفقهاء والعلماء البارزين، مثل الفقيه يعقوب بن أحمد البعداني، والفقيه علي بن محمد البعداني الذي شغل منصب وزير السلطان عامر بن عبد الوهاب في الفترة ما بين 894 و 913 هـ.
تتبع مديرية بعدان عدة عُزل تضم بدورها العديد من القرى، منها: ريمان، المنار، سير، بني منصور، حيسان، الحرث، الحيث، المشكي، القرية، المؤية، الصافية، دلال، منقذة، ذي أفحم، وجرانة.
المواقع الأثرية والتاريخية في بعدان: شواهد على حضارة عريقة
تنتشر في مديرية بعدان العديد من المواقع الأثرية والتاريخية التي تشهد على عراقة المنطقة، ومن أهمها:
- حصن حب: يُعد من أشهر وأمنع حصون اليمن، وكان مقرًا للقيل الحميري يريم بن ذو رعين ويضم قبره. يُشرف الحصن على عزلة جرانه، ويصفه الهمداني في كتابه “صفة جزيرة العرب” بأنه من أمنع المعاقل وأصعبها مرتقى.
- حصن المنار: يقع في عزلة المنار ويتميز بآثاره العجيبة. سكنه الحفائيون وهم قيل من حمير. يتميز الحصن بطريقه المنحوت في الجبل وبوجود خندق يفصله عن الجبل. يضم المنار السد الحميري المشهور “عتار” الذي كان يسقي وادي المنار.
- جبل قناصع دلال: يُعتبر من أهم المواقع السياحية الطبيعية في المنطقة، حيث توجد في قمته عين ماء منحوتة في الصخر.
- المساجد الأثرية: تنتشر في المنطقة العديد من المساجد القديمة، مثل جامع الملحكي والرفاعي في مديرية الشعر، ومسجد تثيد والشعابي في مديرية بعدان، بالإضافة إلى مسجد النبي شعيب في قرية مدين التاريخية بعزلة المنار.
تضم قرية مدين آثارًا حميرية هامة، مثل أحجار منقوشة بدقة متناهية، وأحواض صخرية، وبقايا بيت مبني بأحجار منحوتة. كما يبرز في القرية جبل القفلة وجبل نعم التاريخي الذي توجد في قمته برك مياه منحوتة وكهوف ودكاك مبنية بالقضاض الحميري. يُشبه جبل نعم حصن المنار ويقع بالقرب منه. كما يوجد في المنار حصن قديم يُعرف بـ “الضبيتين” (قرية يسير حاليًا).
تتميز قرية مدين بموقعها الاستراتيجي وسط عزلة المنار، على الخط العام الذي يربط صنعاء بإب وتعز. وتسكنها أسرة آل صلاح التي برز منها شخصيات تاريخية هامة مثل أحمد صالح صلاح وابنه محمد أحمد صلاح، وعلي محمد أحمد صلاح الذي عُرف بشجاعته وكرمه ونفوذه. كما يُذكر من هذه الأسرة صالح علي صلاح وابنه محمد صالح علي صلاح اللذين كان لهما دور بارز في القرية.
بعدان: دعوة لاكتشاف عبق الماضي وجمال الحاضر
تُمثل منطقة بعدان جنة اليمن وفردوسها الأخضر، فهي أرض الملوك الثلاثة: جبل حب وحصنه المنيع، وجبل المنار وسده الوسيع، وجبل قناصع دلال. هذه المعالم الطبيعية والتاريخية تجعل من بعدان وجهة فريدة للباحثين عن عبق الماضي وعشاق الطبيعة والجمال.
تتميز بعدان بهوائها النقي ومياهها العذبة وكرم أهلها. وقد ذكرها المؤرخون والشعراء في مؤلفاتهم وأشعارهم، مشيدين بجمالها وسحرها.
وتُروى حكايات تاريخية تربط قرية حي سام في بعدان بسام بن نوح عليه السلام، حيث يُعتقد أنه استوطنها بعد الطوفان.
سبب تسمية بعدان: إرث الاسم عبر الأجيال
سُميت بعدان بهذا الاسم نسبة إلى بعدان بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن غوث بن حيدان بن عريب بن قطن بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ الأكبر بن يعرب بن يشجب بن قحطان بن حمير بن سبأ. هذا الاسم يحمل في طياته تاريخًا عريقًا يمتد عبر الأجيال.
هذه الصياغة تُقدم المقال بشكل أكثر تنظيمًا واحترافية، مع استخدام لغة أكثر دقة وإبراز الجوانب التاريخية والثقافية الهامة لقبائل بعدان.