نحو مجتمع حضاري

بقلم الدكتور عائش ابو صريمه
التفريط في العلاقات الإنسانية، سواء كانت روابط قرابة أو صداقات أو تفاعلات اجتماعية، على مذبح الأيديولوجيا أو التصورات السياسية الضيقة، يمثل انحرافًا عن القيم الإنسانية الأساسية.
فالمجتمع ليس إطارًا جامدًا يُقاس بمقاييس الانتماءات الفكرية، بل هو كيان حيٌّ يحتضن التنوع ويزدهر به.
إن محاولة إخضاع هذا التنوع لتصورات أحادية قد تُفضي إلى اجتثاث الهوية الثقافية وتحويل العقول إلى مساحات معطلة، عاجزة عن الإبداع، ومُكرَّسة للصراع.
إن من ينغمس في وهم “النشوة الفكرية” دون إدراك لحقيقة العالم وسنن التطور، إنما يضر بنفسه قبل أن يضر غيره. فالمسار الإنساني، كما أراده الله، ليس رحلة للبحث عن أوهام الماضي أو وعود المستقبل الماورائية، بل هو سعي لبناء الذات عبر العلم والعمل، وتحقيق الاستخلاف من خلال الإبداع الحضاري.
إن النصوص التي تحكم أفكارنا وممارساتنا ليست معصومة بذاتها، بل هي نتاج عقول بشرية قابلة للنقد والمراجعة. وإخراجها عن سياقها العلمي والأخلاقي يُحوِّلها من أداة للبناء إلى معول للهدم، ومن وسيلة لتحرير الإنسان إلى قيد يكبّله.
أما واقعنا العربي، فهو تجسيد مؤلم لصراع يستهلك الطاقات دون إنتاج، ويبحث عن أعداء لتبرير الفشل بدلًا من مواجهة الأسباب الحقيقية للضعف.
إن هذا الواقع ينبع من عقلية تتشبث بأنماط فكرية بدائية تتسم بالتفكك والخوف من الآخر، عقلية تحكمها نزعات قبلية أكثر من أن تحكمها رؤى إنسانية حضارية.
إن الخروج من هذا المأزق الفكري والتاريخي يتطلب ثورة معرفية تعيد للعقل مكانته، وللإبداع دوره، وللإنسان حريته. فمن دون ذلك، سنبقى أسرى واقع لا يليق بتاريخنا ولا بحلمنا في بناء مستقبل أفضل.