يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على من هو حسن التهامي وظاهرة “المهدي المنتظر” في العصر الحديث، من خلال دراسة حالة شخصية أثارت الكثير من التساؤلات في اليمن وخارجها، وهو محمد عبده صلاح الحودلي، المعروف باسم حسن التهامي. سنتناول تفاصيل حياته، وتطور أفكاره، وأبرز المزاعم التي نُسبت إليه، مع تحليل علمي وشرعي لوضع هذه الادعاءات في سياقها الصحيح، مستندين إلى الأدلة من السنة النبوية الصحيحة والواقع المعاصر، لإرساء الوعي وتصحيح المفاهيم الخاطئة.
من هو حسن التهامي؟ رحلة من ريمة إلى مزاعم المهدية
وُلد محمد عبده صلاح الحودلي، الذي اشتهر لاحقًا باسم حسن التهامي، في المملكة العربية السعودية وتحديدًا في مكة المكرمة. يعود أصله إلى محافظة ريمة اليمنية، وتحديدًا من عزلة الحوادلة. في عام 1990، ومع بداية أزمة الخليج، عاد الحودلي إلى اليمن مع عدد كبير من المغتربين، ليستقر مع أسرته في مدينة الحديدة الساحلية. هناك، انضم إلى جماعة السلفيين، لكن مساره الفكري سرعان ما تغير نحو أفكار أكثر غلوًا وتطرفًا. بعد فترة، سافر مجددًا إلى مكة المكرمة، وهناك بدأ يدعي “المهدية” لنفسه، مما أثار جدلاً كبيرًا.
تتابعت الأحداث في حياة الحودلي؛ فقد سُجن في المملكة العربية السعودية لمدة أربع سنوات في السعدية، ثم رُحل مع جميع أفراد أسرته إلى اليمن. فور وصوله، أثار زوبعة واسعة، مما أدى إلى اعتقاله مرة أخرى وسجنه لمدة عامين في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح. بعد وفاة والده وخروجه من السجن، قام بتغيير اسمه ليصبح “السيد حسن الشريف التهامي”. بهذا الاسم الجديد، انطلق في إلقاء المحاضرات في مدينتي صنعاء والحديدة، مستغلاً الإنترنت لتعزيز دعوته. بفضل هذه الأنشطة، استطاع أن يكوّن قاعدة واسعة من الأنصار في العديد من الدول العربية، بما في ذلك تونس، ليبيا، والمغرب. كان يسافر إليهم لإلقاء المحاضرات ثم يعود إلى اليمن. استمر هذا الوضع حتى ثلاث سنوات مضت، عندما اعتقله الحوثيون، وهو لا يزال في السجن حتى الآن. يردد أنصاره عبارات مثل: “الله أكبر، امت امت، لبيك يا ابن بنت رسول الله”.
مواضيع ذات صلة : عامر الرجوب من المملكة إلى عين الأردنية
المهدي المنتظر المزعوم: اعتراضات شرعية وواقعية
يثير ادعاء حسن التهامي المهدية العديد من الاعتراضات الجوهرية، خصوصًا وأن هذا اللقب، “المنتظر”، ليس من الألفاظ التي وردت في السنة النبوية الشريفة أو اشتهرت على ألسنة علماء السلف المعتبرين. كما يشير الدكتور صادق البيضاني، فإن استخدام هذا اللقب يرتبط غالباً بألفاظ الرافضة الذين ينتظرون خروج المهدي من “السرداب”. على الرغم من محاولة البعض نسبة هذا اللقب لعلماء كبار مثل ابن تيمية وابن القيم والذهبي، إلا أن التحقق يكشف أن ابن تيمية ذكره حكاية عن الرافضة لا كاعتراف به.
الاعتراض الأهم يتعلق بتوقيت ظهور المهدي. يؤكد الدكتور البيضاني أن عصر المهدي ليس هو هذا العصر الذي نعيشه. فعصره، كما تُشير الأحاديث الصحيحة، سيكون مستقبليًا، بعد سلسلة من الملاحم الكبرى والحروب متعددة الأطراف التي ستحدث بين المسلمين وأعدائهم، وكذلك مع أعداء مشتركين. هذه الأحداث، بما في ذلك الملاحم الكبرى، لم تقع بعد. على سبيل المثال، ذكر الإمام أبو داود في سننه، بحديث صحيح عن ذي مخبر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ستصالحون الروم صلحًا آمنًا، فتغزون أنتم وهم عدوًا من ورائكم، فتنصرون، وتغنمون، وتسلمون، ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب، فيقول: غلب الصليب، فيغضب رجل من المسلمين، فيدقه، فعند ذلك تغدر الروم، وتجمع للملحمة، ويثور المسلمون إلى أسلحتهم، فيقتتلون، فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة.” هذا الحديث، وغيره، يؤكد وجود ملاحم متعددة تسبق ظهور المهدي، وهو ما لم يحدث بعد.
ملاحم كبرى تسبق الظهور: دليل على عدم مهدوية العصر الحالي
إن الأحاديث النبوية الشريفة توضح بجلاء أن عصر المهدي المنتظر يسبقه وقوع ملاحم وحروب لم يشهدها عصرنا هذا بعد. فمثلاً، ورد في سنن أبي داود حديث يصف صلحًا بين المسلمين والروم، ثم حربًا مشتركة ضد عدو ثالث، تتلوها فتنة تكسر فيها عصا الصلح، مما يؤدي إلى ملاحم كبرى. “تُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِهِمْ فَتَسْلَمُونَ وَتَغْنَمُونَ ثُمَّ تَنْزِلُونَ بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الرُّومِ فَيَرْفَعُ الصَّلِيبَ وَيَقُولُ أَلَا غَلَبَ الصَّلِيبُ فَيَقُومُ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلُهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَكُونُ الْمَلَاحِمُ فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْكُمْ فَيَأْتُونَكُمْ فِي ثَمَانِينَ غَايَةً مَعَ كُلِّ غَايَةٍ عَشْرَةُ آلاف.” كلمة “مرج ذي تلول” تعني أرضًا واسعة ذات نباتات منتشرة ومرتفعات غير شاهقة، وهو وصف لمواقع لم تشهد بعد تلك الأحداث الجسام.
كما يؤكد الإمام مسلم في صحيحه أن الساعة لن تقوم حتى ينزل الروم بـ”الأعماق” أو “دابق” (موضعان بالشام قرب حلب)، فيخرج إليهم جيش من المدينة المنورة. هذه هي الملحمة الكبرى التي ستكون في الغوطة الشرقية بدمشق، كما ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه: “فُسطاطُ المسلِمين يوم المَلْحمَةِ الكُبرى بأرضٍ يُقال لها: الغُوطَة، فيها مَدينةٌ يُقال لها: دِمشق، خير منازلِ المسلِمين يومَئِذٍ.” كل هذه الملاحم لم تحدث بعد، مما يؤكد أن ظهور المهدي ليس في عصرنا الحالي. المهدي، عند ظهوره، ستكون له قوة هائلة تمكنه من فتح الأمصار وحكم جميع البلاد العربية، بل وحتى الغرب، ولن تستطيع أي قوة مقاومته. هذا يتناقض تمامًا مع واقعنا اليوم الذي تشهد فيه بلاد الغرب قوة عظيمة وتفوقًا على المسلمين. فكيف يمكن أن يكون زماننا هذا هو زمان المهدي بينما السنة الصحيحة والواقع يتصادمان تمامًا مع هذه المزاعم غير الممكنة؟
تفنيد ادعاءات المهدية: بين الشك والحقيقة
من المؤسف أن بعض الأفراد، بما فيهم أتباع المدعين، يقنعون أنفسهم بأهوائهم وأفكارهم دون اكتراث للأدلة الصحيحة أو للواقع الذي نعيشه. الغريب في الأمر أنهم يستدلون بأحاديث وآثار ضعيفة الإسناد، ولا يجدون فيها حجة قوية تدعم مزاعمهم. بناءً على المعلومات المتوفرة من بعض المناقشات، فإن الأخ محمد عبده الحودلي، الملقب بحسن التهامي، لا يدعي صراحة أنه المهدي. ومع ذلك، فإن الكثيرين من حوله يجزمون بذلك، على الرغم من تأكيدنا المتكرر بأنه لا مهدوية في هذا العصر.
بالنظر إلى الساحة، يختلف الحودلي عن الدجالين الآخرين الذين يحاربون الدين ويدعون المهدية لأغراض شخصية أو سياسية. فعلى سبيل المثال، ناصر القردعي اليماني يُعد دجالًا كبيرًا في اليمن، وقد تم تفصيل حقيقته في عدة حلقات. وهناك أيضًا الدجال الكويتي الحسين بن موسى بن الحسين اللحيدي الذي يدعي أنه خاتم الرسل، ومستشار لله، ومزاعم أخرى لا يمكن تصديقها. بالإضافة إلى ذلك، يوجد الدجال العراقي الشيعي الرافضي أحمد الحسن البصري اليماني، واسمه الحقيقي أحمد إسماعيل حسن السلمي، الذي يدعي أنه رسول ووصي وابن لمهدي الشيعة، وله جيش كبير في العراق مدعوم من إيران. كل هؤلاء دجالون يختلفون عن الحودلي في طبيعة ادعاءاتهم وأهدافهم.
بيعة “تهيئة المهدي”: بدعة لا أساس لها
على الرغم من إبراء ساحة الأخ محمد عبده الحودلي (حسن التهامي) من الدجل بالمعنى الشامل، إلا أن رضاه عن ترويج فكرة مهدويته يعد إشكالية كبرى. فهو يحضر المجالس التي تقام للترويج لمهديته المزعومة، مثل تلك التي عقدت علنًا في إحدى قاعات صنعاء بتاريخ 28 نوفمبر 2017. هذه المجالس عادة ما تتضمن الاستماع إليه أو إلى من يروجون له، ويتخللها بيعة نصها: “أنا فلان بن فلان أبايع بيعة مخصوصة على مشروع نصرة المهدي، والله على ما أقول شهيد”. يطلقون على هذه البيعة اسم “بيعة تهيئة المهدي”، وهي بيعة مبتدعة لا أساس لها في الشرع، حيث يؤكدون أن البيعة الأصلية ستكون في مكة بين الركن والمقام.
يضيف إلى ذلك أن بعض أتباع الحودلي صرحوا بأنهم يسعون منذ فترة طويلة إلى ترتيبات عسكرية وتجهيز جيش مدرب استعدادًا للبيعة الأصلية المزعومة في مكة بين الركن اليماني والمقام. وقد كتب أحدهم رسالة تفيد بأن هذا سيحدث عندما يبلغ الحودلي الخامسة والأربعين من عمره، وهو ما يصادف العام المقبل 2018. هذا الكلام يعد هراءً من هذا الكاتب ومن وافقه، وهو لا يستند إلى أي دليل. لديهم أيضًا شبهات تتعلق بالصفات الخلقية للحودلي، وهي قضايا ستناقش بالتفصيل في لقاءات أخرى. ومن الأخطاء الشائعة التي لا يصح بها دليل: أن المهدي من ولد الحسن، وأنه يخرج من اليمن، وأن أول من يبايعه العلماء، وأنه يرفض البيعة ويقول بأنه ليس المهدي، وأنه يفر من البيعة، ويأتي من الحجاز حتى يستوي على منبر قريش، وعليه عمامة النبي البيضاء، ويبايعه سبعة علماء من كل قطر عالم، ونحو ذلك مما لا يصح فيه حديث.
الجهل والمال والإعلام: أسس دعاوى المهدية
يقول الشيخ يوسف الشبيلي في مقال له عن محمد عبده الحودلي (حسن التهامي)، إنه من تهامة. ويُقال أن نسبه يعود إلى آل البيت، وأنه وُلد في السعودية، ثم سُجن فيها قبل ترحيله إلى اليمن، كما يزعم أنصاره. كما ذُكر أيضًا أنه كان مبتلى بالمس أو السحر، والله أعلم. كان في بداية دعوته يتخفى باسم “حسن التهامي”، وكل إصداراته كانت تحت هذا الاسم. بعد سجنه من قبل الأمن القومي في صنعاء وإطلاق سراحه، أعاد الحوثيون سجنه ثم سرعان ما أطلقوا سراحه، ليظهر للعلن ويتنقل بموكبه داخل صنعاء بحرية تامة. ومع ذلك، أعاد الحوثيون سجنه، ولا يزال مسجونًا لديهم حتى اللحظة، وفقًا لأنصاره.
يعتقد الحودلي أنه المهدي، وقد بدأ يدعو لنفسه منذ سنوات، وبدأ مؤخرًا بأخذ البيعة من أتباعه. وقد تجمع حوله المئات من شباب جماعة التبليغ، مما أحدث شرخًا وانقسامًا كبيرًا في الجماعة. هذه الجماعة كانت تعتبر من أكثر الجماعات سلمية وتماسكًا قبل ظهور الحودلي. يرى البعض أن من يدعمه ويقف خلفه ربما اختار هذه الجماعة تحديدًا لتجنيدها وإخراجها عن سلميتها المعروفة، وكذلك لشق صفها وتفريق جمعها، وهو ما حدث بالفعل. يدعي الحودلي أيضًا أنه التقى بالمسيح الدجال وقضى معه فترة من الزمن، بل وحج معه، حسب ما أفاد بعض الباحثين. يعتمد الحودلي في ترويج مشروعه على ادعاء الكرامات لنفسه، مثل الرؤى المنامية، والقدرة على تجاوز نقاط التفتيش والمعابر الحدودية دون أن يرى.
العمالة والاعتماد على الاعلام
يواصل الداعية يوسف الشبيلي بالقول : وقد ذكر البعض أن الحودلي، نتيجة لعمالته لجهات استخباراتية، يخرج ببعض الشباب المطلوبين بمعيته، ويمر بهم على بعض النقاط المنسق معها مسبقًا، فيتم القبض على الشباب وينجو هو بحجة أنهم لم يروه. يركز الحودلي في دعوته على ذوي البساطة والجهل، ليكونوا عدته، وذوي المال، ليكونوا سنده في التمويل. يعتمد بشدة على الإعلام، ولديه نشطاء متفرغون للدعاية والإعلان عن مشروعه، ويديرون عددًا من الصفحات والحسابات عبر وسائل الإعلام المختلفة. كما يحرص على توسيع رقعة أنصاره إلى بلدان أخرى غير اليمن، مثل الشام، مصر، المغرب، والسعودية، ولديه وكلاء في تلك الدول يأخذون البيعة له. شعار أتباعه هو “أمتْ أمتْ”، وهو شعار الصحابة الكرام في غزوة بدر الكبرى.
تحذير من الأدعياء: دروس من التاريخ القريب
إن الأمة اليوم مُبتلاة بمن ينتقي من أقوال العلماء أجزاء صغيرة من علم مأخوذ من أحاديث ضعيفة، ثم يجعل كلام ذلك العالم حجة على من أنكر عليه. الواجب شرعًا أن يتحرى الباحث عن الحق مصدر كلام العالم، وهل استند إلى حديث صحيح السند أم إلى حديث خفي عليه ضعفه. من العجب أيضًا أن بعض الشباب، حينما يُنصحون ويبين لهم الحق بدليله، يتهمون الناصح بأنه عالم سلطة، أو أن له مغزى دنيوي، أو أنه يعمل لجهات معينة، دون أن يتحروا الحقيقة.
ما أشبه مهدية الحودلي المزعومة بمهدية محمد بن عبد الله القحطاني، الذي أقنعه جهيمان بن محمد العتيبي عام 1978م بأنه المهدي. وقد تكون له أتباع كثيرون، ثم دخلوا الحرم المكي لمبايعته بقيادة جهيمان، ومعه المهدي المزعوم القحطاني، يحملون الأسلحة داخل جنائز الموتى في صلاة فجر الأول من محرم 1400هـ، الموافق 20 نوفمبر 1979م. حيث نادى جهيمان ومن معه المصلين بعد صلاة الفجر، وقال جهيمان للناس: “هذا هو الإمام المهدي فبايعوه”. أنكر الناس عليه وعليهم، وكان عدد من دخلوا لهذه المهمة المهدية المزعومة أكثر من مائتي مسلح. قضت السلطات السعودية على هذه الجماعة المبتدعة، ولم يبق لها أثر، فقد مات مهديهم ومن معه. لو كان الحق حليفهم، لمكنهم الله؛ فالمهدي يظهر في وقته ويمكنه الله ويصلح أمره في ليلة، فلا يستعجل هؤلاء ظهور المهدي، فليس هذا العصر عصره.