يكشف هذا المقال النقاب عن سيرة القائد الإيراني محمد سعيد آزادي المعروف باسم حاجي رمضان، الذي اغتيل فجر يوم السبت 19 أكتوبر 2024، عندما هزَّ انفجارٌ عنيف شقةً في الطابق الثالث من مبنى سكني في شارع “آيت الله مرعشي نجفي” بمدينة قُم المقدسة في إيران. الدخان المتصاعد والأنقاض لم يكونا مجرد حادث مأساوي، بل كانا إيذاناً بإسدال الستار على حياة أحد أبرز مهندسي العمليات الإيرانية ضد إسرائيل في المنطقة: العميد محمد سعيد آزادي، المعروف أيضاً باسم “حاجي رمضان”، مسؤول ملف فلسطين في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. هذه العملية، التي تبنتها إسرائيل لاحقاً، لم تكن ضربةً عشوائية، بل ضربةً جراحية استهدفت عصباً حيوياً في شبكة الدعم الإيراني للفصائل الفلسطينية، وتُعدُّ تصعيداً خطيراً في حرب الظل بين طهران وتل أبيب.
الهدف: العميد محمد سعيد آزادي “حاجي رمضان” – مهندس العلاقات مع “المقاومة”
- هوية وظل: وُلد محمد سعيد آزادي في طهران عام 1964. نادراً ما ظهرت صوره علناً، وعُرف في الأوساط الاستخباراتية بلقب “حاجي رمضان”. ارتقى في سلم القيادة داخل الحرس الثوري، ليتولى منصباً بالغ الحساسية والأهمية: مسؤول ملف فلسطين في فيلق القدس، الفرع الخارجي النخبوي في الحرس الثوري والمكلف بتنفيذ السياسات الإيرانية خارج الحدود.
- صلاحيات واسعة: لم يكن آزادي مجرد “موظف اتصال”. بحسب المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية والأمريكية والعربية التي تداولتها وسائل الإعلام، كان آزادي يشرف بشكل مباشر وكامل على تنسيق العمليات الأمنية والاستخبارية واللوجستية للفصائل الفلسطينية عبر عدة جبهات: غزة، سوريا، لبنان، الأردن، وحتى مصر. دوره تجاوز التنسيق ليشمل:
- الإشراف على تدفق الدعم المالي: كان الرافد الرئيسي للأموال التي تصل إلى خزانات الفصائل، خاصة حماس والجهاد الإسلامي، لتمويل عملياتها وأنشطتها.
- إدارة شحنات الأسلحة: تنسيق مسارات تهريب الأسلحة المتطورة (مثل الصواريخ والدروع المضادة للدبابات، مكونات الطائرات المسيرة) من إيران عبر البحر أو البر إلى غزة ولبنان.
- عمليات التدريب والتجنيد: الإشراف على تدريب كوادر الفصائل الفلسطينية داخل إيران أو في معسكرات تدريب موالية لها في لبنان وسوريا، وعمليات تجنيد عناصر جديدة.
- التواصل المباشر مع القيادات: كان حلقة الوصل المباشرة والرئيسية بين قيادة فيلق القدس (والمرشد الأعلى) وبين قادة حماس والجهاد الإسلامي وحتى فصائل أخرى.
مواضيع ذات صلة : من هو رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري
التورط في قلب العاصفة: دور آزادي في هجوم 7 أكتوبر وما بعده
- اتهامات إسرائيلية مباشرة: أعلنت مصادر إسرائيلية رفيعة المستوى، نقلاً عن تقارير استخبارية دقيقة، أن محمد سعيد آزادي لم يكن مجرد ممول أو منسق، بل كان أحد “القلة القليلة” في الحرس الثوري الذين كانوا على علم مسبق بتفاصيل هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بل وكان أحد المشاركين في التخطيط له وتسهيل تمويله وتدريب عناصره. هذه التهمة، إذا صحت، ترفع من مستواه من “منسق” إلى “شريك في الجريمة” من وجهة النظر الإسرائيلية.
- دوره المحوري في إعادة الإعمار: الأكثر خطورة في نظر تل أبيب، وفقاً لتقارير صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، هو أن آزادي كان هو الرجل المسؤول عن قيادة جهود إعادة بناء وتنظيم وتسلّح حركة حماس في غزة بعد الضربات الإسرائيلية المدمرة التي أعقبت الهجوم. بمعنى آخر، كان مهندس استمرار المقاومة واستمرار الحرب. تمت الإشارة إليه على وجه التحديد كـ “الشخص المسؤول عن إعادة ترميم حماس” بعد الضربة القاصمة.
- مهندس التحالفات: أكدت التقارير أيضاً على دور آزادي المحوري في “تقوية العلاقة بين حزب الله وحماس”، وهو تحالف استراتيجي خطير من شأنه خلق جبهة موحدة ضد إسرائيل، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني الإقليمي.
مطاردة استخباراتية دولية: هدف مركزي على الطاولة
- الاهتمام الأمريكي المتصاعد: لم يكن آزادي مجرد هدف إسرائيلي. كشفت المصادر المطلعة أن الولايات المتحدة، وبشكل خاص وكالة المخابرات المركزية (CIA)، كانت تتابع آزادي عن كثب لسنوات. نظراً لموقعه المؤثر في قلب آلة تمويل الإرهاب (من وجهة النظر الغربية) ودوره في زعزعة استقرار المنطقة، أدرجته الإدارة الأمريكية ضمن قائمة أهدافها الاستخبارية والعسكرية ذات الأولوية العالية.
- مهمة واضحة: قيل إن الإدارة الأمريكية طلبت صراحة من أجهزتها الاستخباراتية “بذل كافة الجهود لتعقّب آزادي، سواء حياً أو ميتاً”. هذا المصطلح (“حيًا أو ميتًا”) يعكس درجة الأولوية المطلقة التي منحتها واشنطن لتحييد هذا الرجل.
- توفير المعلومات: قامت الأجهزة الأمريكية بتجميع ملف استخباراتي شامل عن آزادي، يتضمن صوراً حديثة له، وعاداته اليومية، وحركته، ومعلومات مفصلة عن أماكن إقامته المحتملة وأنماط حياته. سُلِّم هذا الملف إلى فرق عمليات خاصة، تمهيداً لأي إجراء.
عملية الاغتيال: تعاون استخباراتي ودقة إسرائيلية في عمق إيران
- الضربة في عقر الدار: اختيار مدينة قم، إحدى أقدس المدن الشيعية في إيران ومركزاً دينياً وسياسياً مهماً، لتنفيذ العملية يُعدّ جريئاً ومستفزاً بشكل بالغ. فهو يرسل رسالة واضحة من إسرائيل: “لا مكان آمن لكم، حتى في أقدس مدنكم وأكثرها حراسة”.
- آلية التنفيذ (المحتملة): رغم عدم الإعلان الرسمي التفصيلي، فإن طبيعة الانفجار العنيف داخل الشقة تشير بقوة إلى استخدام عبوة ناسفة زرعت مسبقاً (ربما داخل جدار أو أثاث) أو صاروخ/طائرة مسيرة صغيرة دقيقة جداً اخترقت النافذة. دقة الضربة وتوقيتها ليلاً يقللان من الخسائر الجانبية ويزيدان من التأثير النفسي.
- شبكة تعاون خفية: كشفت المصادر عن عنصر حاسم في نجاح العملية: تعاون وثيق بين جهاز الموساد الإسرائيلي و”عدد من الأجهزة الاستخبارية العربية”. هذا التعاون لم يقتصر على تبادل المعلومات فحسب، بل شمل مشاركة في المراقبة والتخطيط والتنفيذ المحتمل. يُعتقد أن هذه الأجهزة العربية قدمت معلومات حيوية عن تحركات آزادي، خاصة خلال الفترة التي كان يقيم فيها في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، والتي تعد معقل حزب الله، قبل أن يعود إلى إيران. هذا التعاون يسلط الضوء على المصالح المشتركة لبعض الدول العربية مع إسرائيل في مواجهة النفوذ الإيراني ودعمه للفصائل المسلحة.
- توقيت دلالي: تنفيذ العملية في نهاية أسبوع (ليلة الجمعة/صباح السبت) يتزامن غالباً مع أوقات يُفترض أن تكون اليقظة الأمنية فيها أقل، مما يعكس دقة التخطيط.
مواضيع ذات صلة : من هو قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي الذي اغتيل في هجوم إسرائيلي
التداعيات والرسائل: زلزال في فيلق القدس وتصعيد متوقع
- ضربة استراتيجية لفيلق القدس: إزالة آزادي تعطل بشكل كبير، ولو مؤقتاً، شبكة التمويل والتسليح والتنسيق بين إيران والفصائل الفلسطينية، خاصة حماس والجهاد. سيتطلب تعويضه وقتاً، وقد يخلق فراغاً قيادياً وتنافساً داخلياً.
- رسالة ردع قاسية لإيران: العملية في قم تهدف إلى إثبات قدرة إسرائيل على الوصول لأعلى المستويات الأمنية الإيرانية في أي مكان وزمان. وهي رسالة ترد على التهديدات الإيرانية المستمرة وتنفيذها لضربات عبر الوكلاء (حزب الله، الحوثيون).
- رسالة ترهيب للفصائل الفلسطينية: إيصال رسالة واضحة لقادة حماس والجهاد بأن حاميهم في إيران ليس بمنأى عن الضربات الإسرائيلية، وأن تعاونهم مع طهران يجعلهم وعملائها أهدافاً مشروعة.
- تكريس سياسة الاغتيالات الاستباقية: تؤكد العملية استمرار وتيرة الاستهدافات الإسرائيلية المباشرة للقيادات العسكرية والأمنية الإيرانية المسؤولة عن الأعمال العدائية، متجاوزةً الرد عبر وكلائها فقط.
- اختبار للرد الإيراني: تضع طهران في موقف صعب. الرد المباشر ينذر بحرب شاملة لا تريدها. الرد عبر الوكلاء (حزب الله بشكل أساسي) قد يجر المنطقة لحرب أوسع. الصمت أو الرد الضعيف قد يُفسر على أنه ضعف. التهديد بالانتقام حتمي، لكن شكله ومداه يبقى السؤال الأكبر.
- تأييد ضمني للتعاون العربي-الإسرائيلي: نجاح العملية المعتمد على معلومات عربية يُعطي شرعية عملية غير معلنة لـ تحالف المصالح بين إسرائيل وبعض الدول العربية في مواجهة إيران وفصائلها.
السياق الأوسع: حرب مستعرة وظلال 7 أكتوبر
لا يمكن فصل اغتيال آزادي عن السياق الدامي للحرب في غزة. إسرائيل، التي لا تزال تحت وطأة الصدمة والغضب من هجوم 7 أكتوبر، تُصرّ على محاسبة كل من ساهم في التخطيط أو التمويل أو التنفيذ لهذا الهجوم، أينما كانوا. تصفية آزادي، الذي يُعتقد أنه لعب دوراً محورياً في تلك الأحداث وفي استمرار قدرة حماس على القتال، هو جزء لا يتجزأ من استراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى:
- استعادة الردع: بإثبات قدرتها على الضرب في العمق.
- تعطيل سلاسل الإمداد: لشل قدرة حماس على الاستمرار في الحرب.
- الانتقام الرمزي والمادي: من أولئك الذين تعتبرهم مسؤولين عن المذبحة.
الخاتمة: دم في قمّ وغيوم حرب على الأفق
اغتيال العميد محمد سعيد آزادي “حاجي رمضان” في مدينة قُم ليس مجرد حادث اغتيال عادي. إنه حدث استراتيجي بامتياز يلامس أعصاب الصراع الإيراني-الإسرائيلي ودعم إيران لما تسميه “محور المقاومة”. يكشف عن عمق الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي (والغربي والعربي) للشبكات الإيرانية، ويُجسّد جرأة غير مسبوقة في الضرب داخل الأراضي الإيرانية المقدسة. بينما ترفع إيران لواء الثأر وتعد بالرد “القاسي”، وتواصل حماس وجهادها قتالها في غزة، تظل المنطقة معلقة على حافة الهابوط، تنتظر ردة الفعل الإيرانية التي ستحدد ما إذا كان هذا الحدث سيبقى صدمةً محلية، أم سيكون الشرارة التي تشعل حرباً إقليمية لا تُحمد عقباها. دم آزادي سال على أرض قُم، لكن تداعياته قد تُغرق المنطقة في بحر من الدماء.
اسناد ودعم للمقاومة
سعيد زياد كتب عنه قائلا ” بعد تاريخ حافل من الجهاد لأجل فلسطين، وبناء شبكات الدعم والإسناد العسكري والفني والمالي للمقاومة الفلسطينية في غزة والضفة، استشهد (الحاج رمضان) كما عرفه مقاتلو غزة والضفة وقادتها، كأبرز اسم لمع من قادة الحرس الثورة لرعاية المقاومة وخدمتها.انخرط الحاج رمضان في دعم المقاومة الفلسطينية منذ بداية تسعينات القرن الماضي، قبيل إبعاد قادة المقاومة إلى مرج الزهور، ثم اجتمع بهم عندما أبعدوا هناك في جنوب لبنان، ومن يومها وهو يقف على خدمتهم وإسنادهم في كل مواطن الدعم والإسناد.
عمل على مد المقاومة بكل ما احتاجته من خبرة وتقنية وعلم ومال لتطوير منظومات الأنفاق والصواريخ والمسيرات وغيرها، وتجاوزت حالة الإسناد هذه إلى ملفات أخرى كثيرة.عمل الحاج رمضان مع جميع قادة المقاومة، من عماد العلمي والرنتيسي والزهار إلى إسماعيل هنية والضيف والعاروري والسنوار، على مدى ثلاثة عقود ونصف من الزمان، حتى أصبح الناس يظنونه قائداً في المقاومة الفلسطينية أكثر من كونه قائداً في الحرس الثوري.تقبل الله الشهيد شهيد فلسطين، سعيد إيزادي