لفتت السيدة الأولى في سوريا لطيفة الدروبي، الأنظار في ظهورها الرسمي الأول بمناسبة عيد الأضحى 2025، وأثارت تفاعلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي. جاء هذا الظهور خلال لقاء زوجها، الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، مع مجموعة من النساء السوريات في دمشق. لم يكن هذا الظهور مجرد إطلالة عادية، بل كشف عن شخصية قوية وإرث عائلي يمتد عميقاً في تاريخ سوريا، في حين قدم الرئيس الشرع شهادة مؤثرة على صمودها ووقوفها إلى جانبه خلال أصعب الظروف.
لطيفة الدروبي زوجة أحمد الشرع صمودٌ يرويه شريك الدرب
في تصريحات مؤثرة، تحدث الرئيس أحمد الشرع عن زوجته لطيفة الدروبي بكلمات تعكس عمق العلاقة والصعوبات التي تجاوزاها معاً. وصف الشرع لطيفة بأنها “عاشت معي بأماكن صعبة جداً… عاشت معي بالمغارات وبالمداجن”. هذه الكلمات ليست مجرد تفاصيل عابرة، بل هي شهادة حية على التحديات التي واجهتها هذه العائلة في سنوات النزاع والأزمات.
“كثيراً كنت أقول لها أن تقعد بمكان آمن رفقة الأولاد، بس كانت ترفض هالشي وتقول.. ألقاك بابتسامة وأكون بجوارك”. هذه العبارات تسلط الضوء على وفائها الشديد وشجاعتها، مؤكدة على أن اختيارها البقاء إلى جانب زوجها لم يكن قراراً سهلاً، بل كان نابعاً من إيمان وشراكة حقيقية.
تزوج الشرع ولطيفة في ظروف “غير عادية” عام 2012، ومنذ ذلك الحين “تحملت معي كل الظروف.. تحملت القصف والهجرة والنزوح”. هذا الوصف يعطي لمحة عن الطبيعة القاسية للحياة التي عاشاها، فـ”غيرنا 49 بيت.. بمعدل بيت كل 3 شهور.. وبتعرفوا المرأة صعب عليها هالشي.. وأصبحنا مثل الرّحل بس غير متعلمين طبيعة الترحال”. هذه الحسابات الدقيقة لعدد مرات التنقل والنزوح لا تعكس فقط حجم المعاناة، بل تبرز مدى قدرة لطيفة الدروبي على التكيف والصمود في ظل ظروف غير إنسانية.
أكد الشرع أن زوجته كانت “معي بكل الفترة الصعبة يلي مرقنا فيها وكانت صامدة.. وبـ 14 سنة كانت قاسية كتير علينا”. هذه الفترة الزمنية، التي غلب عليها الصراع وعدم الاستقرار، تركت بصماتها على حياتهما. واختتم الرئيس حديثه عن زوجته بالدعاء لها: “أسأل الله أن يؤجرها كل خير وأن تكون ثابتة”، مؤكداً على أن صمودها وثباتها كانا ركيزة أساسية في رحلتهما المشتركة.
هذه الشهادة الشخصية العميقة من الرئيس الشرع ليست فقط تكريماً لزوجته، بل هي أيضاً رسالة تقدير للمرأة السورية التي تحملت الكثير خلال سنوات الأزمة.
السيدة الأولى: إطلالة تثير الإعجاب وإشادة بدور المرأة السورية
خلال اللقاء الذي جمع الرئيس الشرع بنساء سوريات في دمشق، لم تكن مجرد حضور السيدة الأولى هو ما لفت الانتباه، بل تفاصيل أخرى أبرزها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي. علّق الكثيرون على “أسلوب جلسة السيدة الأولى في اللقاء الرسمي”، وذهب آخرون للتعليق على “مظهرها وإطلالتها وجذورها وغيرها من التفاصيل والتعليقات التي غلب عليها الطابع الإيجابي والإعجاب والتفاخر”. هذا التفاعل يعكس مدى أهمية هذه الشخصية العامة في المشهد السوري، ومدى ترقب الجمهور لظهورها والتفاصيل المحيطة بها.
في سياق اللقاء، لم يغفل الرئيس أحمد الشرع عن الإشادة بالدور العام للمرأة السورية. وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء السورية ، أشاد الشرع “بالدور الريادي والتاريخي الذي لعبته المرأة السورية في مختلف المراحل، من فترات المحن إلى مرحلة التحرير”. وأكد أن المرأة السورية “كانت وما زالت عنصراً محورياً وشريكاً أساسياً في مسيرة العمل والبناء”. هذه الكلمات تعكس رؤية القيادة لدور المرأة كشريك أساسي في بناء سوريا المستقبل.
كما لفت الشرع إلى “تنوع أدوار المرأة السورية خلال سنوات الثورة، حيث كانت المربية التي غرست القيم والمبادئ في الأجيال، والمعتقلة التي واجهت السجون بثبات والأم الصابرة والزوجة الداعمة”. هذه الأدوار المتعددة تبرز حجم التضحيات التي قدمتها المرأة السورية في ظل الأزمة. وقد “استحضر سيادته جانباً شخصياً من تجربته متحدثاً عن الدور العظيم الذي أدته زوجته خلال سنوات الثورة ومقدار ما واجهته من مصاعب وتحديات إلى جانبه”، مؤكداً بذلك على أن قصة لطيفة الدروبي هي جزء من قصة الصمود السوري الأكبر.
إرث عائلي ضارب في عمق التاريخ السوري
لطيفة الدروبي، التي تحمل درجة الماجستير في اللغة والأدب العربي، ليست مجرد شخصية عامة جديدة، بل هي جزء من نسيج عائلي وتاريخي عريق في سوريا.
تنتمي السيدة الأولى لطيفة الدروبي إلى عائلة “الدروبي” الحمصية العريقة، التي تعود جذورها إلى الحقبة العثمانية. تُعد هذه العائلة من الأسر الأرستقراطية التي تركت بصمة بارزة في التاريخ السياسي والإداري لسوريا على مر العصور.
ووفقاً لتقرير صادر عن صحيفة “تركيا التركية”، فإن لطيفة الشرع هي حفيدة علاء الدين الدروبي، أحد أبرز البيروقراطيين في الدولة العثمانية. شغل علاء الدين الدروبي مناصب رفيعة، حيث كان أحد أطباء السلطان عبد الحميد الثاني، كما تقلد مهام والي وسفير في عدة مواقع. تلقى تعليمه في “مكتب شاهانة”، الذي يُعرف اليوم بكلية الطب في جامعة إسطنبول، مما جعله شخصية مؤثرة في الإدارة العثمانية. هذا النسب لا يضفي على السيدة الأولى شرعية تاريخية فحسب، بل يربطها بتاريخ عائلي من الخدمة العامة والمناصب الرفيعة.
مواضيع ذات صلة : هديل زوجة نايف هزازي: قصة حب تتحدى الصعاب وتجمع بين عالمين مختلفين
أشارت الصحفية زينب قره طاش إلى أن لطيفة الشرع وزوجها ينتميان إلى عائلات أرستقراطية لها تاريخ طويل في إدارة الدولة، مؤكدة أن عائلة الدروبي أنجبت مسؤولين بارزين على مدار التاريخ. هذا الإرث يعكس تأثير العائلة المستمر في المجالات السياسية والاجتماعية في سوريا.
أصل عائلة لطيفة الدروبي
تُنحدر عائلة الدروبي من عائلة مرموقة في محافظة حمص، وتحديداً من مدينة القريتين. وبحسب تقارير نشرتها عدة وسائل إعلام عربية. فإن هذه العائلة قد أنجبت علماء معروفين. من بينهم القارئ الشيخ عبد الغفار الدروبي الذي توفي في جدة عام 2009، مما يؤكد على جذورها العلمية والدينية العميقة.
يعود وجود عائلة الدروبي في سوريا إلى عهد الإمبراطورية العثمانية على الأقل، مما يبرز تاريخها الطويل والممتد في المنطقة. فكان علاء الدين الدروبي، السفير السابق للإمبراطورية العثمانية. رئيساً لوزراء سوريا الثاني لمدة 26 يوماً فقط في عام 1920 قبل اغتياله. وهي حقيقة تاريخية تؤكد على حضور العائلة في أروقة الحكم. كما شغل غازي الدروبي، وهو عضو آخر من عائلة الدروبي، منصب وزير النفط والموارد الطبيعية في سوريا في عهد الرئيس حافظ الأسد من عام 1984 إلى عام 1987. هذه الأمثلة المتعددة تظهر استمرارية تأثير العائلة في الحياة السياسية السورية على مدار عقود طويلة.
لطيفة الدروبي : بين الأمومة والدور العام
لطيفة الدروبي ليست فقط سيدة أولى تحمل إرثاً عائلياً وسياسياً، بل هي أيضاً أم لثلاثة أبناء من الرئيس أحمد الشرع. هذا الجانب يعطي لمحة عن حياتها الشخصية التي تتوازن بين التحديات العامة والمسؤوليات الأسرية.
بالإضافة إلى ذلك، يُقال إن شقيقتها متزوجة أيضاً من محافظ دمشق الحالي ماهر محمد مروان. الذي تم تعيينه في 15 ديسمبر 2024، بعد أسبوع واحد فقط من سقوط نظام بشار الأسد. هذا الارتباط العائلي يعزز من مكانة عائلة الدروبي في المشهد السياسي الجديد في سوريا.
يُذكر أن السيدة الأولى السابقة في سوريا، أسماء الأسد، زوجة بشار. احتفظت بشهرة كبيرة إلى حد ما خلال فترة حكم زوجها. وورد أن أسماء وأطفالها الثلاثة غادروا إلى موسكو في نوفمبر 2024، قبل الإطاحة بزوجها في الثامن من ديسمبر. هذا التباين في مصير السيدات الأوائل في سوريا يعكس التحولات الكبيرة التي شهدتها البلاد.
لطيفة الدروبي، السيدة الأولى الجديدة في سوريا، تقدم صورة مغايرة للسيدة الأولى التقليدية. فهي شخصية جمعت بين الصمود في وجه المحن، والإرث العائلي العريق. والدور الداعم في مسيرة التغيير. يتطلع كثيرون لمتابعة كيف ستشكل هذه الشخصية الجديدة دور السيدة الأولى في سوريا المستقبل.